صحة وجمال

شاب يعيش بأربع كلى.. اثنتان من أبيه وأخيه

منذ نعومة أظفاره، أصيب عمر التوم 29 سنة بمرض قصور الكلى، ولم يكن في ذلك الوقت قد تجاوز العامين من عمره، وبدأت أسرته رحلة علاج طويلة بين الإمارات والأردن وبريطانيا.

حيث فقدت كليته القدرة على تنقية الدم بصورة طبيعية، ورغم ذلك، تمسك الطفل الصغير بالأمل، بتشجيع والده رجل الأعمال ووالدته الصيدلانية وإخوته الصغار.

وشخّص الأطباء الحالة آنذاك، بأنها عبارة عن التهابات عصبية في الحالب، تؤدي إلى إرجاع السموم مرة أخرى إلى الكلى، ومن ثم إلى مضاعفات، وأثرت في الكلى اليمني لتصبح أصغر، وتعمل بقدرة أقل، ورغم ذلك، تعايش الطفل الصغير مع تبعات المرض بين الأدوية والعلاجات، وما بين الأمل والرجاء، استطاع الطفل أن يتجاوز سنوات عديدة مليئة بالمعاناة والآلام، ربما لا يطيقها الكبار.

وفي عام 2010، وصلت حالة عمر الصحية إلى مرحلة لا تجدي فيها الأدوية والعلاجات نفعاً، وكان خيار الأطباء في دبي، إما الغسيل الكلوي وإما زراعة كلى بصورة عاجلة، فتسابقت أسرته وأقاربه حتى في السودان بالتبرع لإنقاذه، إلا أن والد عمر حسم الأمر بأحقيته في منح ابنه كليته.

وفي ذلك الوقت، كان برنامج زراعة الأعضاء المتعددة في مدينة الشيخ خليفة الطبية، قد بدأ بإجراء العمليات الأولى بنقل وزراعة الكلى بالتبرع من الأقارب، وبالفعل، توجه الأب والابن إلى مدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي، لإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، لتحديد التطابق بين الأنسجة، تمهيداً لإجراء العملية، وبالفعل، وجد الأطباء تطابقاً كبيراً.

وقرروا إجراء الجراحة لزراعة الكلى في 24 مايو 2010، وتمت العملية بنجاح، وأبقى الأطباء على كليتيه، بعد أن أضافوا إليهما كلية والده الجديدة، ومكث عمر في المدينة الطبية لمدة شهر، يتعاطى مع أدوية خفض المناعة، حتى لا يتجرأ جسمه ويرفض العضو المزروع.

ولأن مناعة جسم الشاب خلال هذه الفترة كانت متوقفة تقريباً، التقط المريض أحد الفيروسات العابرة التي استقرت في الرئة، لتنتكس حالته الصحية من جديدة، ويتم وضعه على أجهزة التنفس الصناعي لمدة أسبوع، ما بين الموت والحياة، وبذل أطباء مدينة الشيخ خليفة الطبية، جهوداً مضنية للحفاظ على حياة المريض، حيث لم يكن أمامهم إلا خياران، إما إنقاذ الرئتين أو إنقاذ الكلى.

ولأن إرادة الله عز وجل اختارت له الحياة، تمكن الأطباء من استعادة التنفس الطبيعي للمريض، وفي نفس الوقت الحفاظ على عمل الكلية المزروعة، ليعود عمر إلى حياته الطبيعية وعمله من جديد، حيث أسس للتو شركة خاصة في مجال الدعاية والإعلان في دبي، وسافر إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية للدراسة في عام 2013.

مضت ست سنوات وعمر ينعم بكلية والده، التي وهبت له الحياة من جديد، ولكن فجأة، وبالتحديد في 4 مايو عام 2016، توقفت الكلية مرة أخرى عن العمل، ليعود عمر إلى نفس المعاناة، وتسابقت أسرته للمرة الثانية للتبرع، وتقدمت الوالدة صفوف المتبرعين من الأهل والأقارب، إلا أن مبارك شقيق عمر الذي يصغره بعامين، استفاد من إقامته في الإمارات.

وتقدم إلى مدينة الشيخ خليفة الطبية، دون أن يُخبر أحداً، وعرض التبرع بكليته لأخيه، وأراد الأطباء أن يتأكدوا من جدية مبارك في التبرع، فقال لهم كلمة مؤثرة «إن حياتي كلها فداء لأخي..

فكيف لا أكون جاداً وأن أقدم كليتي فقط»، وأمام إصراره الشديد في أن يكون أحد أعضائه في جسد أخيه، وافقت الأسرة، ووافق الأطباء، وأظهرت نتائج التحاليل توافقاً كاملاً بين أنسجة الشقيقين، وبالفعل، أجريت عملية نقل وزراعة كلى جديدة لعمر في مدينة الشيخ خليفة الطبية، وفضّل الأطباء الإبقاء على الكليتين القديمتين، جنباً إلى جنب مع كلية الوالد وكلية الشقيق، ليعود عمر من جديد يمارس رياضاته المفضلة، ويعيش حياته بأربع كُلى.

المصدر
البيان
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى