الرئيس المصري وشيخ الأزهر… حرب كلمات في احتفال المولد النبوي
تلميحات وهجوم متبادل، حملتهما كلمتا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، خلال الاحتفال الذي نظمته وزارة الأوقاف المصرية، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. فقد هاجم الطيب في كلمته «الداعين والمشككين في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب»، واعتبرهم «موالين للاستعمار على مر العصور».
كلمات الطيب دفعت السيسي للخروج عن نص كلمته، وارتجل في حديثه، متحدثا عن صورة الإسلام والمسلمين في العالم.
وقال إن «المؤامرة على الدين الإسلامي موجودة على مر العصور، والاختلاف والتدافع بين الناس موجود منذ أوجد الله الخلق، ما يستدعي علينا التصدي لتشويه الإسلام، حتى يخرج من مصر مسار عملي حقيقي للإسلام السمح، وممارسات حقيقية وليست نصوصا نكررها في المؤتمرات والخطب، تترجم بسلوكيات حقيقية للمصريين».
وتابع:»أنا لا أهاجمكم، فليس طبيعي أن أهاجم نفسي، لكني أتحدث عن صورة الإسلام في العالم، ولا أتحدث بصفتي حاكما، بل أتحدث بصفتي مسلما».
وأضاف: «هل يمكن أن نسأل عن نسبة المصريين الذين لا يكذبون، نحن سلوكياتنا بعيدة عن صحيح الدين، أنا أرى العجب من الناس أثناء إدارة الدولة».
ولم يترك السيسي الفرصة إلا وتحدث فيها عن الإرهاب، قائلاً:» واجبنا نحو الوطن التصدي للإرهاب والعمل بجد واتقان للنهوض بالمجتمع».
وزاد: : «أدعو علماءنا ومثقفينا إلى بذل المزيد لأداء دورهم التنويري، والمشكلة في العالم الإسلامي هي القراءة الخاطئة لمفاهيم الدين، ولا بد من غرس القيم الإسلامية في قلوبنا لتحدي الصعاب».
وواصل: «إذ نحتفي بذكرى مولد نبي الرحمة والإنسانية، نسأل الله العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة الكريمة على الشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع بالخير واليمن والبركات».
وأضاف أن «رسالة الإسلام التي تلقاها سيد الخلق وأشرفهم صلى الله عليه وسلم، صاحب هذه الذكرى العطرة، والذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، حرصت كل الحرص على إرساء مبادئ وقواعد التعايش السلمي بين البشر وحق الناس جميعاً في الحياة الكريمة، دون النظر إلى الدين أو اللون أو الجنس، فقد خلقنا المولى شعوباً وقبائل، متنوعين ثقافياً ودينياً وعرقياً، لكي نتعارف، فما أحوجنا اليوم إلى ترجمة معاني تلك الرسالة السامية إلى سلوك عملي وواقع ملموس في حياتنا ودنيانا».
لا إكراه في الدين
وتابع: «لقد علمنا ديننا الحنيف أنه لا إكراه في الدين، ليرسخ بذلك قيم التسامح وقبول الآخر، إلا أنه من دواعي الأسف أن يكون من بيننا من لم يستوعب صحيح الدين وتعاليم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فأخطأ الفهم وأساء التفسير، وهجر الوسطية والاعتدال، منحرفاً عن تعاليم الشريعة السمحة ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة، متجاوزاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من حرمة النفس، وقدسية حمايتها وصونها من الأذى والاعتداء».
وبين أنه «لمواجهة تلك الظاهرة، فعلى كل فرد منا أن يقف بكل صدق أمام مسؤولياته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وتأتي في مقدمة تلك المسؤوليات أمانة الكلمة، وواجب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة ديننا السمح، وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل، بالحجة والبرهان».
الطيب: المشككون بالسنة النبوية ولاؤهم للاستعمار
وأضاف: «لا شك أن بناء الإنسان وتنوير العقول وتكوين الشخصية على أسس سليمة، يعد المحور الأساسي في أية جهود للتقدم وتنمية المجتمعات، ما وضعته الدولة هدفاً استراتيجياً لها خلال الفترة الحالية. لذا فإنني أدعو علمانا وأئمتنا ومثقفينا إلى بذل المزيد من الجهد في دورهم التنويري، دعونا نستدعي القيم الفاضلة التي حث عليها الإسلام ورسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم والتي تنادي بالعمل والبناء والإتقان، لنواجه بها أولئك الذين يدعون إلى التطرف والإرهاب».
وأوضح أنه «رغم جهود هؤلاء العلماء والأئمة والمثقفين، ودورهم المحوري في هذه المعركة الفكرية والحضارية، إلا أننا نتطلع إلى المزيد من تلك الجهود لإعادة قراءة تراثنا الفكري، قراءة واقعية مستنيرة، نقتبس من ذلك التراث الثري ما ينفعنا في زماننا ويتلاءم مع متطلبات عصرنا وطبيعة مستجداته، ويسهم في إنارة الطريق لمستقبل مشرق بإذن الله تعالي لوطننا وأمتنا والأجيال القادمة من أبنائنا».
شيخ الأزهر، في المقابل، ركز في كلمته على الأصوات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب.
«إدعاء النبوة»
وقال : «ظهرت هذه الدعوة أول ما ظهرت في عصرنا الحديث، في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك، منهم من انتهى به الأمر إلى إدعاء النبوة، ومنهم من كان ولاؤه للاستعمار، ومنهم من أداه اجتهاد إلى إنكار الأحاديث النبوية ما كان منها متواترا وما كان غير متواتر، وزعم أن السنة ليست لها أية قيمة تشريعية في الإسلام، وأن القرآن وحده هو مصدر التشريع ولا مصدر سواه، ضاربا عرض الحائط بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين» وضربوا لذلك مثلا الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهو الصلاة».
واستطرد: «فمن المعلوم أن الصلاة ثابتة بالقرآن الكريم، لكن لا توجد آية واحدة في طول القرآن وعرضه يتبين منها المسلم كيفية الصلوات الخمس، ولا عدد ركعاتها وسجداتها ولا هيئاتها من أول تكبيرة الإحرام إلى التسليم من التشهد الأخير، وأن هذه التفاصيل لا يمكن تبينها ومعرفتها إلا من السنة النبوية التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، وحين طولب هذا المنكر لحجية السنة بإقامة الدليل على هيئات الصلاة من القرآن فقط حتى يتبعه المسلمون، قال، وهو غارق إلى أذنيه في قياس الإحراج، إن القرآن لم يأمرنا إلا بإقامة الصلاة، أما كيفية أداء الصلاة فأمر متروك لرئيس الدولة ويحدده بمشورة مستشاريه حسب الزمان والمكان».
وتابع: «سار هؤلاء المقربون في هذا الاتجاه من أجهزة الاستعمار، فأنكروا آيات الجهاد وأفتوا بحرمة التصدي للمستعمرين، وأنكروا كل ما تنكره الثقافة الغربية، ولو كان دينا وأثبتوا ما تثبته حتى لو جاء صادما للإسلام وإجماع المسلمين، ثم ما لبثت الفتنة أن انتقلت إلى مصر، وتعصب لها طبيب بسجن طرة نشـر مقالتين في مجلة المنار عام 1906، 1907 بعنوان (الإسلام هو القرآن وحده)، ولقيت الفكرة دعما من بعض الكتاب المتربصين بالسنة النبوية، والمنكرين ثبوتها».
وأضاف: «هؤلاء على اختلاف مشاربهم وأذواقهم يجمع بينهم الشك والريبة في رواة الأحاديث، والإغضاء عن جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارا كاملة، أراقوا فيها ماء أعينهم، من أجل هدف أوحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة، وذلك من خـــلال بحث دقيـــق ـ متفرد ـ عجيب في تاريخ الرواة وسيرهم العلمية والخلقيـة، حتى نشأ بين أيديهم من دقة التعقب والتقصي والتتبع علم مستقل من العلوم».
واشار الطيب إلى «ما قاله المستشرق الألماني ألويس شبرنجر من أن الدنيا كلها لم تر ولن ترى أمة مثل المسلمين، وما قاله قال المستشرق الإنكليزي مارجليوت في إحدى محاضراته عن هذا العلم، ورغم أن نظرية الإسناد (عند علماء الحديث) قد سببت كثيرا من المتاعب نظرا لما يتطلبه البحث في توثيق كل راو من رواة الأحاديث إلا أن قيمة نظرية الإسناد فيما يتعلق بدقة الحديث النبوي لا يمكن الشك فيها، ومن حق المسلمين أن يفتخروا بعلم الحديث من علومهم».
وتابع: «هذا الكلام المنصف لم يصدر عن علماء الغرب ـ رغم صعوبته عليهم ـ إلا بعد معاناة ومكابدات طويلة للدرس والبحث والتنقيب، وبعد ما تبين لهم أن التاريخ لا يعرف شخصية أخرى غير محمد صلى الله عليه وسلم، سجلت جميع وقائع حياته، وجميع أفعاله وأقواله وأسفاره وأخلاقه وعاداته حتى شكل لباسه، وخطوط وجهه وكيفية تكلمه ومشيه وأكله وشـربه ونومـه وتبسمه ونمط عشرته بأهل بيتـه ولأصدقائه وأعدائه، وغير ذلك مما حفلت به مراجع السير والتاريخ».