12 ألف حريق.. من يشعل النيران في بغداد؟
لا يكاد يمر يوم على العاصمة العراقية بغداد دون أن تصحو على خبر حريق يلتهم دائرة حكومية أو سوقا أو منزلا وكأنها باتت برميل بارود تتطاير حوله النيران وألسنة اللهب.
وتستهدف هذه الحرائق بشكل مستمر مباني وزارية ومجمعات تجارية، مما يدفع الكثيرين إلى اتهام جهات متنفذة بالتسبب فيها لإتلاف وثائق في مؤسسات متهمة بالفساد، وذلك بعد قيام هيئات رقابية بفتح تحقيقات في عملها، فضلا عن صراعات داخلية بين تجار ورجال أعمال.
ووفقا لمصادر في مديرية الدفاع المدني العراقية، فإن بغداد شهدت أكثر من 12 ألف حريق منذ عام 2016 وحتى أغسطس/آب 2018 استهدفت مؤسسات حكومية وأسواقا تجارية ودور مواطنين.
وبينت المصادر أن 40% من هذه الحرائق متعمدة، وتقدر خسائرها بملياري دولار، وأن 50% منها استهدفت أسواقا تجارية وشعبية، و50% منازل ومؤسسات دولة، كاشفة عن أن 40% من أسباب الحرائق متعمدة و50% بفعل تماس كهربائي و10% نتيجة الإهمال.
وإزاء ذلك أوضح مدير الإعلام والعلاقات العامة في مديرية الدفاع المدني العقيد جودت عبد الرحمن للجزيرة نت أن وتيرة هذه الحرائق تراجعت في الآونة الأخيرة، مبينا أن مديريته تعمل على إجراء كشوف نصف سنوية على المباني والدوائر الحكومية والأهلية العامة لضمان توافر أسباب السلامة فيها.
وأضاف أن السلطات باتت تفرض إجراءات عقابية على كل جهة لا تلتزم بمعايير السلامة العامة، وغرامات مالية تتراوح بين 250 ألفا ومليون دينار عراقي (بين 200 و850 دولارا تقريبا).
أحد المحال المحترقة في سوق جميلة (الجزيرة)
المال والعيال
وتشكل هذه الحرائق هاجسا لكثير من التجار في الأسواق والمجمعات التجارية الكبرى ببغداد، مع تأكيدات بوجود “حرب” بين أصحاب رؤوس الأموال سلاحها نيران الحرائق التي قضت على مستقبل الكثيرين منهم بعد خسارتهم مبالغ طائلة وخروجهم من دائرة التنافس في السوق.
محمد جمال -وهو أحد الذين كانوا يمتلكون مجموعة محلات لبيع العطور في سوق الشورجة وسط بغداد- يقول إن العمارة التي كانت تحتوي على محلين له تعرضت لحريق مفتعل عام 2016، مما أدى إلى انفجار عبوات العطور واحتراق المحلين بالكامل، بالإضافة إلى المحلات المجاورة.
وأضاف للجزيرة نت أنه فقد في هذا الحادث ابنه وأحد عماله نتيجة تعرضهما لحروق من الدرجة الأولى أدت إلى وفاتهما بالمستشفى لاحقا.
ووجه جمال أصابع الاتهام إلى بعض “المنافسين” في السوق، مؤكدا أنه تعرض لأكثر من تهديد مباشر بالقتل والاستهداف بسبب حدة المنافسة، مضيفا أنه خسر المال والعيال معا في هذه “اللعبة القذرة”.
أما علي كامل -وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق جميلة شرقي بغداد- فقد تعرض محله للحرق بالكامل بسبب ما قيل إنه تماس كهربائي أدى إلى اندلاع شرارة النيران التي التهمت متجره وبضائعه.
ويشير كامل إلى أنه خسر نحو خمسين ألف دولار نتيجة هذا العمل الذي يصر على أنه كان “متعمدا” بسبب خلافات بين أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، لكن من يذهب ضحيتها في العادة هم صغار التجار الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الصراعات، على حد قوله.
صحفي يصور بقايا إحدى البنايات المحترقة بسوق الشورجة (الجزيرة)
تناقض الروايات
وعلى الرغم من عشرات التحقيقات التي أعلنت الحكومة فتحها للبحث عن أسباب هذه الحرائق فإن النتائج كانت متقاربة على الأغلب، حيث تشير معظمها إلى وقوع تماس كهربائي يؤدي إلى اندلاع النيران.
ويرى الصحفي علي عبد الرزاق أن روايات شهود العيان تختلف دوما عن الروايات الرسمية، ويضرب مثالا بحريق مخازن مواد التجميل في سوق الشورجة نهاية عام 2016، حيث أشارت الرواية الحكومية كالعادة إلى وقوع تماس كهربائي، لكن العاملين في السوق اتهموا جهات متنفذة ورجال أعمال بالتسبب في الحادث.
ويضيف عبد الرزاق -الذي شارك في تغطية العديد من هذه الحرائق- أن العراق “يغرق في بحر من الفساد المالي”، وما يحدث من عمليات حرق لبعض دوائر الدولة هو طمس للحقائق التي تدين رؤوس الفساد، معتبرا أنها تحتاج إلى نفوذ كبير لاختراق أماكن محصنة وارتكاب الجريمة دون ترك أثر.
وعلى الرغم من أن خسائر هذه الحوادث ضخمة للغاية فإن أغلب نتائج التحقيقات التي أجريت بشأنها لم تفض إلى اتهام جهات معينة بالوقوف وراءها مع أن خبراء أمنيين يؤكدون أنها “بفعل فاعل”، خاصة أن كثيرا من المجمعات التجارية الضخمة تعود ملكيتها لسياسيين، ويمكن اعتبار عمليات الحرق هذه ضمن تصفية الحسابات بينهم، كما يرى عبد الرزاق.
ووفقا للصحفي، فإن هذه الحرائق أكبر من قدرة التجار على إحداثها، فمن غير الطبيعي أن يقوم تاجر بحرق عشرة مخازن ضخمة في أسواق بحجم الشورجة وجميلة والشعب وحي الجهاد وغيرها، فذلك يحتاج لإمكانيات ضخمة وأياد متنفذة، والضحية الأولى هم آلاف العمال الذين يفقدون مصادر رزقهم باستمرار.