لماذا لم تعتبر حادثة الطرود في أمريكا عملية إرهابية؟
نشرت مجلة “الأتلانتيكح” الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن الجدل الذي يطرحه مفهوم الإرهاب والسبب الذي يجعل بعض أعمال العنف، مثل الطرود المفخخة التي أرسلت إلى مجموعة من الشخصيات المشهورة المعارضة لترامب، تعتبر عملية إرهابية. والجدير بالذكر أن المسؤولين الأمريكيين لم يصنفوا هذه الجريمة ضمن خانة الإرهاب.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الخصائص التي تجعل جريمة ما عملا إرهابيا، تكمن بالأساس في الدوافع التي تحرك منفذها مثل الدوافع السياسية والدينية، والفئة التي يستهدفها. وقد تواترت العمليات التي أثارت الجدل بشأن طبيعتها، أي ما إذا كانت مجرد جرائم أو عمليات إرهابية.
وأفادت المجلة بأن الطرود المفخخة استمرت في الظهور الواحد تلو الأخر. وقد أرسلت إلى شخصيات بارزة في المجتمع، انطلاقا من السياسيين الديمقراطيين مثل السيناتور، كوري بوكر وصولا إلى الفنانين والممثلين على غرار، روبرت دي نيرو. وفي وقت سابق، أفاد المتحدث باسم المركز القومي لمكافحة الإرهاب الأمريكي، في تصريح لشبكة “سي إن إن”، أن المسؤولين لا يرون أن لهذه الطرود صلة بالإرهاب.
وصرحت المجلة أنه مع إقصاء فرضية أن يكون هذا العمل إرهابيا، أخذ الكثيرون يتساءلون عن مصدر هذه الطرود المفخخة. على الرغم من وجود الإرهاب منذ القدم، إلا أنه لا يوجد حتى الآن إجماع في الأوساط الأكاديمية أو القانون حول كيفية تعريفه. يعتمد “الإرهاب” على دوافع المهاجم التي تكون، في حالات كثيرة، غامضة، خاصة مع غياب المشتبه به.
ونقلت المجلة على لسان ماثيو أولسن، الرئيس السابق للمركز القومي لمكافحة الإرهاب الأمريكي، والمكلف بتنسيق الاستخبارات ذات الصلة بالإرهاب في جميع أنحاء الحكومة، أن “هناك تعريفات قانونية مختلفة للإرهاب”. أما فيما يتعلق بالطريقة التي يطبقها المسؤولون في المركز القومي لمكافحة الإرهاب لإيجاد تعريف لهذه الظاهرة، فكل ما يقومون به هو طرح سؤال واحد لا غير: “هل لهذه العملية صلة بالإرهاب الدولي؟”.
وبينت المجلة أن مهمة المركز القومي لمكافحة الإرهاب تتمثل في التفطن والتركيز على العمليات الإرهابية المرتبطة ببعضها البعض، حتى لو كانت أيديولوجية فقط، فقد تكون لها صلة بمنظمة إرهابية أجنبية معينة. ولكن، سواء كانت هذه العمليات الإرهابية دولية أو محلية، تتعدد المفاهيم المتعلقة بالإرهاب.
وأوضحت المجلة أن بعض العمليات الإرهابية تستهدف المدنيين في حين أن بعضها الآخر لها أهداف مختلفة. غالبا ما تقوم جهات غير تابعة للدولة بتنفيذ هذه العمليات، إلا أن الدولة يمكن أن تنفذ أيضا هجمات إرهابية ضد شعبها. يتمثل المفهوم الحديث للإرهاب في “تسليط عنف عشوائي وغير شرعي على شخص أو مجموعة ما”. في المقابل، وفي سنة 1794، قدم ماكسميليان روبسبير تعريفا للإرهاب، جاء فيه أن “الإرهاب ليس سوى عدالة فورية، قاسية وصعبة”.
وأشارت المجلة إلى أن نيكولاس بيري، وهو محام في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، وجد أكثر من 22 تعريفا ومفهوما للإرهاب ضمن الدستور الأمريكي. وقد اكتشف نيكولاس أيضا أن السمة المشتركة الوحيدة لمعظم مفاهيم الإرهاب اليوم تكمن في أنها تتطلب دافعا سياسيا.
وفي مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء الماضي، صرح حاكم نيويورك، أندرو كومو، أن الهدف من هذه العمليات الإرهابية هو نشر الخوف. ومن الواضح أن الغاية من إرسال الطرود المفخخة هو بث الرعب، وبالتالي، قد تكون حقا عملية إرهابية. لكن هناك العديد من أنواع العنف الأخرى، مثل جرائم إطلاق النار الجماعي وسوء المعاملة الأسرية، التي تبث الرعب دون أن تكون في جوهرها عملا إرهابيا.
وقالت المجلة إن الدوافع السياسية بدت واضحة بعد مراقبة نمط إرسال هذه الطرود المفخخة خلال هذا الأسبوع. ففي النهاية، تبين أن هذه الطرود لم تكن تستهدف الشخصيات العامة بطريقة عشوائية، بل كانت تستهدف أشخاصا محددين كانوا من أبرز منتقدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والجدير بالذكر أن رسائل الجمرة الخبيثة التي ظهرت سنة 2011 كان لها دافع سياسي واضح. فقد وجهت تلك الرسائل إلى وسائل الإعلام وشخصيات ديمقراطية، مصحوبة بملاحظة تقول: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الله أكبر”.
وأفادت المجلة أنه عندما كان المحققون بصدد التحقيق مع عالم الأحياء الدقيقة في الجيش المدني الذي كان متورطا في هذه الحادثة، انتحر بروس إيفانز سنة 2008 قبل أن توجه له أي اتهامات. وقد أصبح الأمر أكثر تعقيدا مع تواتر التقارير التي تفيد بأنه عانى من مرض عقلي شديد. وقد أثار الأمر تساؤلات عديدة: هل كان هدفه من إرسال الجمرة الخبيثة عبر البريد محاولة تغيير الوضع السياسي؟ أم هل كان ذلك نتاج أوهام؟.
وأضافت المجلة أن إطلاق النار العشوائي في ملهى ليلي في أورلاندو، الذي أسفر عن مقتل 49 شخصا، الذي تبناه تنظيم الدولة، أثار أسئلة مماثلة. كما ورد أن مطلق النار، عمر متين، الذي قتله رجال الشرطة كان يعاني من مشاكل نفسية. عموما، تسلط هذه الأمثلة الضوء على نقطة مهمة ألا وهي أن الإرهاب له دافع أساسي، لكنه غالبا ما يكون غير معروف.
وفي الختام، بينت المجلة أن العالمة في مجال الإرهاب، مارثا كرينشو، أفادت أن تصنيف جريمة ما، على غرار اغتيال شخصية سياسية، يعتمد أساسا على ما كان يدور في عقل المهاجم. فقد تتساءل؛ هل كان يريد تغيير النظام؟ أم أنه كان يحمل ضغينة تجاه إحدى الشخصيات السياسية لفترة طويلة؟ لكن في كل الأحوال، يبقى الإرهاب جريمة بشعة ذات عواقب بعيدة المدى.