مزارعو القطن في مصر مهدّدون بالسجن
تشهد محافظات مصر المنتجة للقطن، مأساة حقيقية خلال الشهر الحالي، تمثلت في إهدار ثروة “الذهب الأبيض” مع رفض الجمعيات الزراعية استلامه من المزارعين بعد حصاده، وتنصل الحكومة من وعودها باستلامه، ووقف عمليات تسويق القطن، بزعم عدم توفر سيولة مالية. أمام هذا الواقع، اضطُر عدد من الفلاحين إلى ترك المحصول في العراء، ما عرّضه للسرقة أو للحريق أو للتلف.
واضطر عدد آخر من مزارعي القطن إلى الاستسلام لجشع التجار، الذين استغلوا الموقف وعرضوا سعراً بخساً لا يفي بثمن مستلزمات الإنتاج علي الأقل، وبالتالي إغراق المزارعين في الديون وتعريضهم للسجن.
وكان الفلاحون مستبشرين بالمحصول الذي كان سبباً في شقائهم وخراب بيوتهم، مع احتمال أن يؤدي التطور الأخير إلى الامتناع عن زراعة القطن واللجوء إلى استيراده من الخارج، لتكتمل فصول المهزلة في بلد كان العالم كله يبحث عن اسمه عند شراء الملبوسات القطنية مكتوبا عليها “صُنعت من القطن المصري الخالص”.
وكانت الحكومة المصرية قد أوهمت الفلاحين بضرورة التوسع في زراعة القطن وإعادته مرة أخرى إلى عرشه، والامتناع عن زراعة الأرزّ لكونه من الزراعات الشرهة للمياه، وهو ما أدى بالفعل إلى زيادة المساحة المزروعة قُطناً إلى 336 ألف فدان، بزيادة عن العام الماضي بلغت 120 ألف فدان، منها 33 ألف فدان “وجه قبلي” و303 آلاف فدان “وجه بحري”.
كما وعدت الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة، باستلام القنطار بسعر 3100 جنيه، لكن أمام رفضها استلام المحصول حتى الآن، انخفض السعر إلى أقل من 2200 جنيه للقنطار، وهو ما يمثل خراباً كبيراً بالنسبة إلى المزارعين.
ووصلت أزمة القطن إلى مجلس النواب، أمس الأربعاء، حيث طالب عدد من النواب الحكومة بسرعة التحرك لمواجهة تكدس القطن في الشوارع و”الشون” والأراضي الزراعية، وطالبوا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزيري المالية والزراعة بسرعة إنقاذ القطن والمزارعين.
وأكد وكيل لجنة الزراعة في مجلس النواب، هشام الحصري، أن الأزمة تتلخص بتراجع الحكومة عن استلام القطن من المزارعين، موضحاً أن الفلاحين زرعوا القطن هذا العام بعد صدور قرار الحكومة بالتوسع فى زراعته، إلا أنهم فوجئوا بعدم استلام الحكومة للقطن.
وأشار إلى أن تلك الأزمة أدت إلى فقد الثقة والمصداقية بالحكومة من جانب المزارعين، فضلاً عن أن الحكومة ساعدت بذلك التجار على استغلال المزارعين بشراء القطن منهم بسعر أقل من المُعلن سابقاً، ليقوموا بتخزينه حتى تفتح الحكومة باب التوريد بعد ذلك، وليستفيد فقط التجار الذين خزّنوا القطن.
وتقدم النائب خالد هلالي ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء، معتبراً أن هذه الأزمة ستكون سبباً في عزوف الفلاحين عن زراعة القطن في السنوات المقبلة، ما سيُفقد مصر محصولاً أساسياً من المحاصيل الاستراتيجية المعروفة على مستوى العالم.
ولفت إلى أن القطن المصري هو من أفضل وأجود أنواع الأقطان عالمياً، في حين أن تراجع الشركات عن استلام المحصول سينعكس سلباً على خطة الدولة للنهوض بالمحصول مجدداً، وسيهدد صناعة الغزل والنسيج.
وأمام ذلك، أكد رئيس الجمعية الزراعية، محمد حسني أحمد، أن المزارعين ملتزمون بزراعة القطن طبقاً للعقد المبرم بين الإدارة المركزية التابعة لوزارة الزراعة والجمعية التعاونية الزراعية.
وأوضح أن مزارعي القطن يتعرضون هذا العام للعديد من المصاعب، التي منها أن الحكومة لم تحدد جهات لاستلام المحصول من المزارعين في مصر حتى الآن، فيما لا يزال المحصول موجودا في مخازن الفلاحين، بينما يحتاج المزارعون إلى بيعه لسداد ديونهم، مشيراً إلى أن زراعة القطن تتعرض لانتكاسة كبيرة، لو ظلت وزارة الزراعة تتبع السياسة ذاتها في عدم تسويق المحصول.
وأضاف حسني أن الفلاحين لا يملكون مخازن لحفظ المحصول، ما يجعلهم عرضة لاستغلال التجار القادرين على تكديسه وتصريفه عندما يشاؤون.