من هو الصحافي السعودي جمال خاشقجي؟
“القدس العربي”: أثار اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي منذ 2 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد دخوله سفارة بلاده في اسطنبول، فضولاً لدى الكثيرين لمعرفة مسيرة حياته، وأعماله.
فخاشقجي الذي غادر السعودية عام 2017 مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، وتوجه إلى الولايات المتحدة، كان قريباً من القصر السعودي ورجال من العائلة الحاكمة لعقود، وذلك كان قبل أن تمنعه السلطات هناك من الكتابة والتغريد لمدة تسعة أشهر.
ومع التضييق الذي شهدته المملكة مع تولي بن سلمان زمام الأمور، ترك البلاد، ليعمل كاتب رأي في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
ولد جمال خاشقجي يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 1958 في المدينة المنورة لأسرة ذات أصول تركية استقرت في المنطقة قبل خمسة قرون، ودرس في ثانوية “طيبة”، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة لدراسة الصحافة في جامعة إنديانا التي تخرج منها عام 1983.
أما فيما يخص عمله، فقد بدأ كمراسل في صحيفة “سعودي غازيت” الإنجليزية، ثم مراسلا لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية ومنها “الشرق الأوسط” في الفترة بين عامي 1987 و1999، واشتهر حينها بتغطياته الميدانية للحرب الأفغانية ضد السوفيات، والتحول الديمقراطي القصير الأجل في الجزائر، وحرب الخليج الثانية.
وأجرى خاشقجي، خلال مسيرته الصحفية، عددا من المقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والسودان.
بعدها بفترة، عيّن نائبا لرئيس تحرير صحيفة “عرب نيوز” عام 1999 واستمر في المنصب إلى العام 2003، ليتولى بعدها رئاسة تحرير “الوطن” لمدة شهرين فقط قبل إقالته، إذ كانت الصحيفة من أكثر الصحف نقدا للأوضاع الداخلية.
إلا أنه بعدها عيَنه الأمير تركي الفيصل مستشارا إعلاميا، حين كان سفيرا في لندن ثم واشنطن، واستمر كذلك حتى العام 2007. ومرة أخرى عيَن عام 2007 رئيسا لتحرير “الوطن” المثيرة للجدل آنذاك، وفي صيف 2008 كان خاشقجي رافق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في زيارته إلى لندن، وقتئذ قدمه الملك في حفل الاستقبال بقصر بكنغهام إلى ملكة بريطانيا على أنه “أهم صحفي سعودي”.
إلا أنه بالرغم من ذلك مالبث أن وجد نفسه مستهدفاً مرة أخرى من التيار الديني المتشدد، بعد أن نشرت صحيفته مقالاً انتقد الفكر السلفي، ليتخلى عن منصبه مجددا عام 2010 رغم أنه كان حينها خارج المملكة.
وهنا استدعاه الملياردير الوليد بن طلال آل سعود لتأسيس قناة “العرب” التي أوقفت بعد يوم واحد من عملها عام 2015 انطلاقا من العاصمة البحرينية المنامة بعد خلاف مع السلطات البحرينية حول السياسة التحريرية للقناة.
وظل خاشقجي يكتب بعدها في صحيفة “الحياة” مؤيدا لرؤية المملكة 2030 التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، كما كان يدافع عن سياسة المملكة الخارجية وخاصة انخراطها في حرب اليمن تحت اسم “عاصفة الحزم”.
وأصبحت القنوات العربية ومراكز الأبحاث الأجنبية تستضيفه بوصفه محللا سياسيا “مقربا من السلطة”، كما في الكتابة والتعبير عن آرائه التي كان يدافع في بعضها عن فكر الإخوان المسلمين رغم انتقاده لسياساتهم، وكان يدعو إلى استيعاب موجات الربيع العربي ومحاولة دعمها.
كما حذر، في تغريدات ومحاضرات، بلاده من التماهي مع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد انتخابه رئيسا في يناير/كانون الثاني 2017، مما اضطر خارجية المملكة إلى إصدار بيان قالت فيه إن خاشقجي ليس له علاقة بالحكومة، وإن آراءه تعبر عن وجهة نظره الشخصية فقط.
وبعدها أخذت علاقة خاشقجي بالسلطات السعودية منحنى آخراً، فمنعته من الكتابة والتغريد لمدة تسعة أشهر، ليعود بعدها ويكتب في صحيفة “الحياة” مقالات لم ترق كثيرا للسلطات، حيث امتدح في بعضها فكر الإخوان، فقرر ناشر الصحيفة خالد بن سلطان آل سعود في ديسمبر/كانون الأول 2017 إيقاف خاشقجي عن الكتابة نهائيا.
لكن خاشقجي حين رأى حملات اعتقالات امتدت إلى رموز دينية واجتماعية وثقافية، وعدد منهم أصدقاء له، قرر في سبتمبر/أيلول 2017 مغادرة السعودية إلى الولايات المتحدة.
لكنه أخذ يكتب مقالات بصحيفة “واشنطن بوست” ينتقد فيها سياسة اعتقال كل من له رأي مخالف في المملكة، كما انتقد محاربتها لجماعات الإسلام السياسي ومعارضتها للربيع العربي.
وعن ظروف مغادرته لموطنه كتب في الصحيفة قائلا “تركتُ ورائي بيتي وأسرتي وعملي، وأنا الآن أرفع صوتي، لأن التزام الصمت خذلان لمن يعاني خلف القضبان.. أنا الآن في موضع القادر على الحديث بينما كثيرون لا يستطيعون”.
وكان الصحافي السعودي كتب في مقال مشترك مع روبرت لايسي بصحيفة “ذي غارديان” البريطانية في مارس/آذار 2017 “بالنسبة لبرنامج الإصلاح الداخلي فإن ولي العهد يستحق الثناء”، لكنهما أشارا إلى أن الأمير الشاب “لم يشجع ولم يسمح بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات”.
كما أورد المقال أن ولي العهد “ينقل البلاد من التطرف الديني إلى نسخته الخاصة من التطرف المبنية على وجوب قبولكم إصلاحي بدون أي تشاور، مصحوبا باعتقالات واختفاء منتقديه”.
وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 كتب مقالا جديدا بعنوان “ولي العهد السعودي يتصرف مثل بوتين”، جاء فيه “حتى الآن، أود أن أقول إن محمد بن سلمان يتصرف مثل بوتين.. يفرض عدلا انتقائيا للغاية. الحملة تستهدف حتى أكثر الانتقادات البناءة. المطالبة بالولاء الكامل وإلا… لا تزال تمثل تحديا خطيرا لرغبة ولي العهد في أن يُنظر إليه على أنه زعيم عصري ومستنير”.
كما انتقد احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض وإعلانه منها تقديم استقالة حكومته، وكتب بهذا الخصوص مقالا يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعنوان “السعودية تثير فوضى كاملة في لبنان”.
ويبلغ عدد متابعي جمال على موقع التواصل الاجتماعي أكثر من 1.7 مليون متابع.
وكان الصحفي السعودي اختفى بعد دخوله سفارة بلاده في إسطنبول للحصول على أوراق من أجل زواجه، واختفى بعدها، وسط الحديث عن مقتله على يد فرقة سعودية قدمت لأجل هذا الغرض، في الوقت الذي تقول فيه تركيا أن لديها تسجيلات تثبت مقتله.