لغز أسماء أصوات حيوانات.. ما الذي جمع بين فيل وعقرب؟
تُعدّ الحياة البرية، جزءاً جوهرياً من حياة قدامى العرب. فحفلت كتب اللغة بأسماء أولاد #الحيوانات، ما ندر منها وما اشتهر، وكذلك بأسماء أصوات جميع الحيوانات والحشرات التي عرفها العربي المتنقل بين الصحراء والبادية وسائر الحواضر.
ولفت في سياق تسمية العرب للحيوانات وأولادها، عدم تهيّب المصنفين القدامى، من ذكر صفة “ولد” و”أولاد” على أبناء الحيوانات. فيقولون “ولد الفيل، ولد البقرة، ولد العنز، ولد الضبع” وغيرها من أولاد جميع من عرفت العرب من حيوانات.
وبسبب تداخل الحياة البرية في حياة العربي الاجتماعية، صار لزاما عليه، وصف أو تسمية أصوات الحيوانات أو الحشرات التي تشاركه المكان ذاته، سواء في الإقامة، أو الكلأ. ويؤكد علم الحياة البرية، أن الإنسان لو تشارك في الإقامة، في أمكنة لحيوانات الحياة البرية، فعليه أن يحترم مملكتها ولا يعتبرها عدواً أو خصماً. وهذا ما فعلته العرب، قديماً. فصادقت الذئبَ والأسد والكلب والسبع وسائر الوحش، بل أطلقت أسماءها على أبنائها، كما هو معلوم، فصار من أسماء العربي، قديماً: الأسد والذئب والكلب والخنزير والجحش والعقرب.
وأطلقت #العرب أسماء على أصوات الحيوانات، لتمييزها وجعلها مشيرة إلى واحد دون آخر، ما يظهر حجم خبرة العربي بالحياة البرية، حيث تظهر أسماء أصوات الحيوانات، معرفة العربي القديم، بطبائع هذه الحيوانات وخصوصياتها. فأطلقت العرب، مثلاً، اسم “النحط” على صوت الخيل، إذا كان متعباً من الإعياء، كما أن “النحط” هو داء في صدور الخيل، كما يقول الفيروز آبادي في قاموسه، ويصبح اسم صوت الخيل، صهيلاً، في حال الزيادة والتصويت، وكذلك النحط، الزفير. ويقال النحيط عن شدة البكاء، بقول لسان العرب.
القرود تضحك وتزقح
وأطلقت العرب، اسم “الضحك” على صوت القرد، يقول الثعالبي في “فقه اللغة”. كون صوت القرد في أغلب أحواله، أشبه بتصويت الضحك، عبر فتح الفكين وإخراج الصوت عالياً. فيما يقول القاموس المحيط، إن “الزّقح” هو اسم صوت القرد، ومعه اللسان: زقح القرد.
وتقول العرب عن صوت النعامة، إنه “النقع”. ومصدر الاسم، مشتقٌ من كون النقع والنقيعة، هو تجميع الرّيق في الفم، يقول الفيروز آبادي. وبتجميع الريق في الفم، يخرج الصوت بخاصية كتْم معينة، فصار اسم صوت النعامة، نقعاً.
وأطلقت العرب اسم “القبع” على صوت الفيل، ويطلق الاسم على طأطأة رأس الساجد الراكع، ومن الكلمة قبع فلانٌ، بمعنى بقي وظلّ أو تحيّن. ويصبح كبير الرأس “قباعياً” في العربية. ومن هذا كله، جاء اسم القبّعة التي توضع على الرأس. وهنا يبدو “القبع” إشارة إلى صوت الفيل الأشبه بصوت آلة “التشيلو” حيث يخرج الصوت من الداخل السحيق، كصوت الحيتان في البحور. وكون العرب سمّت كبير الرأس قباعياً، أيضاً، فإن اسم “القبع” لصوت الفيل، يجعل منه إشارة إلى ضخامة الصوت والحجم، في آن واحد معاً. فإذا دخل الطائر في وكره، قيل “انقبع”. وهي جميعها دلالات استجماع وتحجيم وبطء حركة، بدليل أن العرب أطلقت اسم “القوابع” على خيول تكون مسبوقةً بالركض، من سواها. بشرح الفيروز آبادي للكلمة، ومثله يشرح لسان العرب: القبع صوتٌ يخرجه الفرس من منخريه. موضحاً أن هذا الصوت لا يكون إلا من شيء يكرهه أو يدفعه. أمّا فعل القبع، فيكون تغطية للرأس، ليلاً، لريبة يستشعرها المرء.
صوت يجمع بين العقارب والفيلة والفئران والخنازير
وقد يتنقّل اسم صوت حيوان واحدٍ، على أكثر من حيوان أو كائن، تبعاً لقصد التسمية ونوع التحديد في الإشارة. فمثلاً، يرى القاموس المحيط، أن الصّئي، هو صوت الفرخ، فيما يرى الثعالبي، أن الصئي هو صوت العقرب، وهو صوت الفأرة. ويطلق الثعالبي، اسم الصّئي أيضاً، على صوت الفيل وصوت الخنزير! فكيف يكون الصئي هو اسم صوت الفيل والعقرب والفأرة والخنزير والفرخ؟ خاصة وأن اللسان وضعها اسماً لصوت السنّور أيضا.
الرابط الذي يجمع في إطلاق اسم “الصئي” على أصوات الحيوانات السالفة، ومنها حشرة هي العقرب، هو نوعية الصوت الذي يشار إليه، في حالة معينة، فقط. فصوت الفيل يكون صئياً، عندما يخرج بتوتر حادٍ، وهو الصوت الشهير للفيلة. وكذلك الصئي صوت الخنزير والفأرة والفرخ، في حال صدوره حاداً مشدوداً، كالصفير الشديد الخارج من قناة ضيّقة. وبالتالي، يكون صوت الفيل، قباعاً، في حال، وصئياً، في حال أخرى. ومنه ورد في العربية، اسم الماء الذي لا يزال في المشيمة، على أنه “الصآة أو الصاءة”. وجميعه من دلالات الكمون والاستجماع. وسابقاً تناقلت العرب مثلاً: العقرب تلدغ وتصيء.
وهي خبرة حياة برية، ولغوية، في آن واحد معاً، عند قدماء العرب الذين أطلقوا أكثر من اسم على صوت الحيوان، تبعاً لطبيعته الصوتية وحجمه، ومن هنا، يخطئ من يقول إن العرب أطلقت اسم كذا، على صوت حيوان كذا. فالصحيح، أن أسماء الأصوات مختلفة، بتعدد مزاياها الخارجية.
صوت الضبع الأنثى ومن يتكلّم بالرديء!
وأطلقت العرب اسم “الخشف” على صوت حركة الأفاعي، نظراً إلى أن الخشف ذاته، هو حركة خفية مهموسة همساً. إلا أنها أطلقت اسم “الخشف والخشفة” على اسم صوت الضبع، إذا لم يكن في حالة عدائية! أي أنه يصوّت، بطراوة لا بافتراس. أمّا لو قامت الضباع والكلاب، بالأكل، وأصدرت صوتاً، فيكون اسم هذا الصوت: الخفخفة! إلا أن هذا الضبع، في حالة معينة، يصبح اسم صوته “العشير” وإن كان الضبع أنثى، فإن صوتها يصبح قشاعاً! خاصة وأن القشع، في بعض معانيه، هو الرجل الذي لا يثبت على أمر ما، يقول الآبادي. ويوضح اللسان، أن الخشف والخشفة، تقالان أيضا لصوت السيف إذا وقع على اللحم. وفي الأمر دلالة قاطعة على طبيعة معنى اسم هذا الصوت.
ويكون اسم صوت الأسد، زئيراً، إذا أخرجه من جوف صدره، أما إذا لم يفعل، فيكون اسم صوته “النئيم” وتطلق على الصوت الخفي، ولهذا قالتها العرب حتى بالظبي إذا كان صوته خفياً: النئيم. وقالت عن صوت البوم، نئيماً. ويشرح اللسان أن النئيم صوت فيه ضعف كالأنين.
وتقول العرب عن صوت الذباب، دندنة! وهي الكلمة التي تستعمل في مجمل الغناء. ويقال للشخص الذي لا يُفهم كلامه، دندن ودنّن. وهي من الأصول التي تقود لمعنى الانحناء والاحتباس، وتختلف عن “طنين” التي هي صوت الذباب، أيضاً، بالمعنى المحدد، خاصة وأن الطّن، اسم من أسماء الرطب شديد الحلاوة.
ولحيوان السنور، صوت مميز جداً، كرهته العرب لظاهره، فأسمته “النّعاء” وهي من ذات مصدر نَعاهُ أي أخبر بموته. فيما يكون “الغقّ” من أسماء صوت الغراب والصقر أيضاً، لكن في حال غلظ صوته، فقط، أما إذا كان صوته متضمناً الزجر والصياح، فيصبح اسمه “النعيق” للغراب. ولهذا من يصيح بغنمه، يكون ينعق بها. ولهذا يأتي في العربية، معنى الشَّجب والمنع، بالشاجب، والتي تستعمل الآن بمعنى رفض الشيء، وكانت اسماً للغراب، أيضاً، حيث الشاجبُ هو الغراب كثير النعيق. ودرج في العربية: الشاجبُ، (هو) الذي يتكلّم بالرديء.