قصة افتتاح أكبر مسجد أوروبي في ألمانيا… 9 سنوات من الجدل
بعد تسع سنوات من وضع حجر الأساس، ووسط كثير من الجدل مصحوب بنقاشات واعتراضات بشأن تخطيطه وبنائه، افتُتح، أمس السبت، المسجد المركزي، في مدينة كولونيا الألمانية، وهو أكبر المساجد الأوروبية، برعاية وحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته الرسمية للبلاد، إلى جانب حشد تجاوز الـ500 شخص من فعاليات سياسية واجتماعية ودينية.
المسجد بُني في منطقة كولونيا-اهرنفيلد الألمانية، على مساحة تبلغ 16500 متر مربع، حيث يقيم نحو 500 ألف مواطن في ولاية شمال الراين وستفاليا من أصول تركية، منذ فترة طويلة. وطلب الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب) عام 2001 بناءه على أراضيه الخاصة ومن ماله الخاص، لكن موافقة المجلس البلدي في كولن على مخطط البناء والتشييد تأخرت نحو عامين، بسبب الحذر من الإسلام السياسي. وكلف “ديتيب” المهندس المعماري الشهير بول بوهم بتشييد المشروع، الذي ضم مجمعاً من المباني مع قبة ومئذنتين بارتفاع 55 مترا للواحدة. لكن بحكم الاعتراضات التي أطلقت في حينه، وبدأتها الحركة اليمينية “برو كولن” التي عارضت بناء المسجد، لجأ القيّمون إلى حل وسط قضى بتقليص حجم الهيكل العام للبناء مع الحفاظ على ارتفاع المآذن، بما يبقي على شكله متناسقاً.
يبلغ ارتفاع كل مئذنة 35 متراً(هيننغ قيصر/فرانس برس)
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2009، أطلق العمل الفعلي في بناء المسجد، وشمل المخطط تشييد قاعة للصلاة تتسع لنحو 1200 شخص، إضافة إلى أماكن للتسوق ومكتبة وقاعات للتدريب والدراسة، فضلاً عن موقف للسيارات تحت الأرض. مع العلم أن تكلفة البناء وصلت إلى نحو 30 مليون يورو، في حين أن تقديراتها عند الشروع في البناء كانت 15 مليون يورو.
في شباط/فبراير 2011، أُنجزت المرحلة الأولى من الأعمال، بينها زخرفة القبة المكونة من الزجاج والخرسانة ويبلغ ارتفاعها 37 مترا، وبان الهيكل المعماري للمسجد في المدينة. لكن في خريف العام نفسه، وقع خلاف بين “ديتيب” والمكتب الهندسي المنفّذ للمشروع، بسبب ما قيل إن هناك عيوبا في البناء، وتمكّن عمدة مدينة كولونيا الأسبق، فريتز شراما، من التوصل إلى حل تسوية بين الطرفين قضى بأن يتولى المهندس بول بوهم دوراً استشارياً للمشروع فقط.
أنجز بالكامل العام الماضي وافتتح رسمياً أمس(باتريك ستولارز/فرانس برس)
استُخدم المسجد للمرة الأولى خلال شهر رمضان عام 2017، وتأجل حفل الافتتاح الرسمي بعد أن تقرر اعتماد احتفالية لهذا الحدث خلال زيارة أردوغان لبرلين، وحتى يكون هذا المعلم الديني رمزا للتكامل والاندماج حسب ما يأمل كثيرون. وما أعلنه الرئيس التركي من على المنبر يشير إلى ذلك بقوله: “طالما دعمت تركيا الاندماج وستواصل القيام بذلك، على أن يتم اعتماد موقف مشترك مع ألمانيا ضد العنصرية”.
معارضة اليمين أخرت افتتاحه الرسمي(سيم أكسوز/الأناضول)
تجدر الإشارة، إلى احتدام الجدل أخيراً، وفق إفادة التقارير الصحافية، بشأن الوضعية القانونية والدور السياسي لـ”ديتيب” الخاضع أساسا لإشراف رئاسة الشؤون الدينية في أنقرة، المترافق مع مطالبات بمراقبة أنشطته ووضعه تحت رقابة الاستخبارات الداخلية الألمانية، على خلفية أن أئمته الخاضعين للاتحاد الإسلامي للشؤون الدينية باتوا يتلقون تعليمات وأوامر من القنصلية التركية العامة في ألمانيا، لتوفير معلومات عن أشخاص مقيمين في ألمانيا.
بناء مميز وقبة مزخرفة من الزجاج والإسمنت(ماجا هيتيج/getty)
كما أن وزارة الداخلية الاتحادية لم توافق، منذ عام 2017، على دعم أنشطة ومشاريع تخص “ديتيب”، الذي كان يتلقى أموالا مثل غيره من الجمعيات من صناديق مالية ألمانية.