زيارة باريسية تثير غضب بوتفليقة على رئيس البرلمان… و”عقبة دستورية” أمام إزاحته
أثارت زيارة أخيرة قام بها رئيس البرلمان الجزائري سعيد بوحجة لفرنسا، غضبًا بالغًا لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فيما تواجه الكتل البرلمانية التابعة للأحزاب الموالية لبوتفليقة مشكلة دستورية خلال محاولتها إطاحة رئيس البرلمان من منصبه.
وقال مصدر حكومي مسؤول لـ”العربي الجديد”، إن “الزيارة التي قام بها رئيس البرلمان لفرنسا قبل أيام، هي السبب في اتخاذ الرئيس بوتفليقة قرارًا بتنحي بوحجة من منصبه كرئيس للبرلمان”.
وأضاف: “لم يكن هناك أي مبرر لهذه الزيارة، حتى المبرر الصحي وزعم بوحجة التوجه للعلاج لا يرقى إلى الحاجة للعلاج في الخارج، بحسب التقرير الشامل الذي رفعته الممثلية الدبلوماسية الجزائرية في باريس إلى الرئاسة عبر وزراة الخارجية”، مشيرًا إلى أنه “كان على رئيس البرلمان تلافي ذلك، خاصة في هذا الظرف الذي يتسم بتوتر وفتور في العلاقات بين الجزائر وفرنسا على خلفية أزمة تأمين السفارات، وتكريم الرئيس الفرنسي للعملاء الجزائريين الذين خدموا لصالح الجيش الفرنسي خلال ثورة التحرير”.
وتوترت العلاقات بين البلدين من 15 سبتمبر/ أيلول الجاي، إثر أزمة رفض السلطات الفرنسية إرسال قوة أمنية لمنع احتجاح لمعارضين جزائريين في باريس أمام السفارة، وتلى ذلك إعلان الرئاسة الفرنسية في 19 سبتمبر/ أيلول الجاري قرار الرئيس ماكرون تكريم “الحركى” (العملاء الجزائريين).
وتعكف كتلة حزب جبهة التحرير الوطني، التي تحوز الأغلبية في البرلمان، على جمع التوقيعات من مجموع نواب الكتلة، وكتل أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، وكتلة الأحرار، ونواب التحالف الجمهوري، والحركة الشعبية الجزائرية، لدفع رئيس البرلمان إلى الاستقالة من منصبه.
لكن هذا الإجراء ليس له أي معنى قانوني، ولا يمكن أن يكون مستندًا، بحكم أن المادة 131 من الدستور تنص على أنه “ينتخب رئيس المجلس الشعبي الوطني للفترة التشريعية”، وتعني الفترة التشريعية مدة العهدة البرلمانية الكاملة، وينص النظام الداخلي للبرلمان على حالتي استقالة أو وفاة فقط لرئيس البرلمان، ولم يشر إلى حالة سحب الثقة منه.
”
مراقبون يعتقدون أن رئيس البرلمان سيذعن أخيرًا لرغبة الرئاسة، وسيقدم استقالته غدًا الأحد أو يوم الإثنين على الأرجح
”
والواضح أن الرئاسة الجزائرية تدفع رئيس البرلمان إلى تقديم استقالته من منصبه، عبر الإيعاز لنواب حزب جبهة التحرير الوطني، بجمع لائحة توقيعات لدفعه إلى الاستقالة. وأمس، لم يبد رئيس البرلمان بوحجة رفضه مغادرة منصبه، لكنه اشترط احترام الإجراءات الدستورية.
وقال بوحجة، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “أنا في الحقيقة لست متمسكًا بالمنصب، ولا أرى أي مانع في أن يكون هناك تداول على المسؤوليات، لكن يجب أن يعرف الجميع أننا بصدد مؤسسة دستورية، ويجب علينا في كل الأحوال احترام الإجراءات الدستورية”، ووصف بوحجة عملية جمع التوقيعات لسحب الثقة منه من نواب مناوئين له بأنها “عملية سياسية ولا صلة لها بالإجراءات القانونية”.
لكنّ مراقبين يعتقدون أن رئيس البرلمان سيذعن أخيرًا لرغبة الرئاسة، وسيقدم استقالته غدًا الأحد أو يوم الإثنين على الأرجح، إذ يقول المحلل السياسي أحسن خلاص في هذا السياق، إن “بوحجة كان بصدد التأكد من أن هناك رغبة فعلية من الرئاسة لتنحيه من منصبه، وليس بصدد المقاومة”.
وفي الغالب، ومنذ اعتلائه سدة الحكم عام 1999، يقوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة باقتراح رئيس البرلمان من نواب حزبه جبهة التحرير الوطني، حيث يعد الرئيس بوتفليقة رئيسًا للحزب، وبرغم أن الدستور يمنح رئيس البرلمان صفة الرجل الثالث في الدولة بعد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة، فإنه لا يمارس أي صلاحيات سياسية، وليس له أي حضور في مشهد الحكم وصناعة القرار السياسي والتشريعي، بفعل هيمنة الرئيس بوتفليقة والحكومة.
وقبل الوضع الراهن، شهد البرلمان الجزائري حالة إقالة واحدة لرئيس البرلمان، ففي نهاية عام 2003 أزمة حادة بين رئيس البرلمان حينها، كريم يونس، الذي انشق رفقة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس عن الرئيس بوتفليقة، ما دفع الكتل البرلمانية الموالية لبوتفليقة بسحب الثقة منه، لكنه فضل تقديم استقالته من منصبه في الثامن من إبريل/ نيسان 2004، في خضم الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها بن فليس الرئيس بوتفليقة.