لاجئو سوريا في لبنان حائرون.. كابوس التجنيد يلاحقهم
كشف الأمن العام اللبناني، الثلاثاء، أن 50 ألف لاجئ سوري عادوا إلى ديارهم من لبنان منذ بداية عام 2018 وأن العدد قد يصل إلى 200 ألف خلال سنة واحدة. وفي حديث إلى وكالة “رويترز”، أشار مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى أن جهاز الأمن العام نظم عودة 25 ألف سوري بالتنسيق مع دمشق، وأن عدداً مماثلاً غادر لبنان طواعية عائداً إلى بلاده.
وقال: “هناك نوعان من العودة: العودة كمجموعات والتي ينظمها الأمن العام، والعودة الفردية الطوعية. إذا ما حسبنا كل هؤلاء صاروا أكثر من 50 ألفا. حتى الآن حوالي 25 ألفا رجعوا كمجموعات عبر الأمن العام وهناك 25 ألفا آخرين رجعوا بشكل فردي خلال هذه السنة”. وأضاف: “يوجد دفعة قريبة. عندنا حوالي 1500 اسم، وإذا ما بقينا على هذا النحو من الآن وحتى سنة قد يعود 200 ألف”.
في المقابل، لا تبدو ظروف إقامة السوريين “على الأرض” جيدة في مختلف المناطق اللبنانية، إذ لا قوانين تحمي هؤلاء الناس كوافدين من بلدٍ آخر سوى مفوضية الأمم المتحدة والسلطات اللبنانية أحياناً، والتي تمنح الإقامة لبعضهم شريطة حيازتهم على عقود عمل لدى مواطنين لبنانيين، في ما النسبة الأكبر منهم يحملون فقط أوراقاً من مفوضية اللاجئين ويعيشون في هذا البلد دون إقامات.
ويعمل في لبنان، أعداد كبيرة من الشباب السوريين، لكن غالبيتهم، كانوا يعملون هنا منذ ما قبل انطلاق الاحتجاجات الشعبية في بلادهم منتصف آذار/مارس من العام 2011، والأمر الطارئ بعد تلك الاحتجاجات، هو التحاق عائلاتهم بهم نتيجة الحرب، ما زاد من مسؤوليتهم في أمورٍ كثيرة منها تأجير منازل لأسرهم وسط تقلّص فرص عملهم نتيجة ازدياد أعدادهم، ورغم ذلك هؤلاء السوريون وضعهم يعد الأفضل، مقارنةً بمن يعيش اليوم في مخيمات اللاجئين في لبنان، فهم يقومون بتأمين متطلباتهم من خلال أعمالهم وليس من خلال الجمعيات والمنظمات المهتمة باللاجئين والتي توقف أغلبها عن العمل وتقديم المساعدات.
وفي هذا السياق، يقول شاب سوري من ريف دمشق (28عاماً) يعمل في صالونٍ للحلاقة الرجالية في شارع الحمرا وسط بيروت لـ “العربية.نت”: “قبل قدوم أعداد كبيرة من العمال وعائلاتهم إلى لبنان، كانت ظروفنا المادية أفضل، كما أن فرص العمل كانت أكثر”.
وأضاف: “يضطر السوريون للعمل مقابل أموالٍ زهيدة، وهذا ما يُضعف سوق العمل السوري، وبهذا الشكل، تضاءلت رواتبنا، نحن العمال الأقدم في لبنان، وكذلك اللبنانيون أيضاً تأثروا في هذه الحالة، وصرنا في بعض الأحيان، نرفض العمل بأسعارٍ زهيدة للغاية، بينما سوريون آخرون يقبلون بذلك لسوء ظروفهم المعيشية”.
ويتخوف هذا الشاب من العودة إلى بلاده رغم موقفه المناهض لنظام الأسد، لسبب إضافي آخر وهو الالتحاق بجيش النظام السوري.
وتقول مطيعة حلاق، وهي صحافية لبنانية تعمل في مجال المجتمع المدني لـ العربية.نت عن أوضاع السوريين في لبنان، “أعرف بعض الشباب والشابات السوريات وهم يعملون لدى جمعيات أهلية كمتطوعين، لكنهم يتقاضون بدلا ماديا صغيرا لا يكفي لمعيشتهم”.
وتضيف: “عرفت مؤخراً، أنه تم تقليص عدد السوريين المستفيدين من المنح الجامعية في منطقة طرابلس، والتي كانت تقدمها جهات غربية للبنانيين والسوريين معاً”.
وبحسب حلّاق، فإن عدداً من المؤسسات المدنية تعمل في طرابلس، ويستفيد منها الجميع في تلك المنطقة.
وعن عودة السوريين إلى بلدهم خاصة في ظل تحركات حزب الله اللبناني الذي افتتح مكاتب لأجل عودتهم الطوعية كما يصفها، تقول حلّاق، “أعرف سوريين كثيرين، لكن معظم الشباب لن يعودوا، فهم يتخوفون من النظام السوري، هناك من كان معتقلاً في السابق وفرّ بعد الإفراج عنه”.
وتتابع: “أعرف عائلة واحدة عادت، فالزوج بقي في لبنان وعادت زوجته مع أطفالها إلى سوريا، لكن أطفاله لحسن الحظ هم دون السن القانونية ولذلك لا يخاف من كابوس التحاقهم بالجيش”.
وتعيش في لبنان أسرٌ سورية وردت أسماء بعض أبنائها قتلى تحت التعذيب في المعتقلات السورية، والنسبة الأكبر من هؤلاء يرفضون تصديق هذا الأمر ولا يتقبلون العودة إلى بلادهم في ظل بقاء النظام.
ولم يتفق مسؤولو لبنان على تسمية موحدة للسوريين، فهم لاجئون حيناً، ونازحون حيناً آخر، وربما يطلق عليهم نازحون في أغلب الأوقات، بهدف تأمين عودتهم إلى بلادهم في المستقبل، لاسيما أن اللاجئ في بعض البلدان تؤمن القوانين حقوقه بالكامل والتي لا تختلف عن حقوق السكان الأصليين.
“موالون أم معارضون؟!”
وعلى اعتبار أن لبنان يضم مكونات طائفية وإثنية متعددة، فإن هذا الأمر يزيد من التعقيدات المجتمعية في علاقة السوريين مع اللبنانيين، خاصة أن السوريين أيضاً ينتمون لطوائف وقوميات مختلفة، فتقول شابة سورية من اللاذقية (24عاماً)، “حين نلتقي باللبنانيين، أصحاب هذا البلد، غالبيتهم يرحبون بنا، وهم جيدون في التعامل معنا، لكن عندما يسألوننا عن موقفنا من النظام السوري، نشعر بالضياع، لا نعرف ماذا نقول لهم، هل نقول، إننا موالون له أم معارضون، فاللبناني الّذي يحدّثنا قد يكون معارضاً للنظام، فيتضامن معنا، وقد يكون موالياً، فيرفض أن يعمل معه معارضون للنظام، وربّما العكس أيضاً في بعض الأحيان”.
وتضيف، “وهذه هي المشكلة الأبرز في علاقتنا مع اللبنانيين، إذا لا يتقبل الطرفان اختلاف الآخر عنه سياسياً واجتماعياً”.
شبح القانون رقم 10
من جهتها، تؤكد صباح الحلاق، وهي باحثة وناشطة في حقوق المرأة لـ “العربية.نت”، أن “عودة السوريين والسوريات من لبنان إلى بلدهم، ليست إجبارية ولا طوعية 100%، الظروف الصعبة التي يعيشونها هنا، تدفعهم للعودة مع ضمانات روسية، والعائلات التي تعود هي غير ملاحقة أمنياً وتأتي موافقة دخولها من سوريا”.
وتقول الحلاق لـ “العربية.نت”، إن “السلطات اللبنانية تعفي هؤلاء الناس من دفع مبلغ مالي، يقدّر بـ 200 دولار أميركي خلال تسوية أوضاعهم، وكذلك هناك نقل مجاني لهؤلاء، وتم قبول من لا يملك أوراقا ثبوتية أيضاً كالأطفال الّذين ولدوا في لبنان ولم يُسجلوا بعد بشكلٍ رسمي”.
وتشير إلى أن اللاجئين السوريين في لبنان يتخوفون على عقاراتهم بعد صدور القانون رقم 10، لذلك يعود النساء في بعض الحالات إلى سوريا في ما لو كان رجالهنّ ملاحقين أمنياً.
والقانون رقم 10، هو قرار صادر عن سلطات حكومة الأسد في الثاني من شهر نيسان/أبريل الماضي والذي يقضي بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار، حيث طالب نظام الأسد في ذلك القرار السوريين في الخارج بـ “تثبت مليكتهم خلال مهلة لا تتجاوز ثلاثين يوماً”.
وتصف الحلاق إجراءات الإقامة للسوريين في لبنان بـ “المكلفة والمُعقدة”، حيث يترتب على كلّ مواطن سوري دفع مبلغ 200 دولار سنوياً كبدل رسومٍ مالية لإقامته في لبنان.
وتكشف الحلاق عن حالات استغلال العمالة السورية، فتقول، “هناك استغلال للعمالة السورية، القانونية وغير القانونية، خاصة النساء والفتيات، وهم غالباً يعملون في الزراعة والخدمة المنزلية”.
وتتابع، “لا تقدم الحكومة اللبنانية أي دعم مباشر للسوريين سوى التعليم وهو غير كافٍ لعدد الأطفال، كما أن مفوضية اللاجئين ترفع دعمها سنوياً عن مئات الأسر اللاجئة، ودعم المفوضية في الأصل قليل نسبياً”.
وبحسب الحلاق، فإن المحامين والمحاميات السوريات، لا يمكنهم الدفاع عن قضايا السوريين في سجون لبنان وأن هناك أعداداً كبيرة منهم في سجن رومية، بالإضافة لآخرين تم حجزهم في مطار رفيق الحريري الدولي.