هذه أبرز أسباب تراجع شعبية الرئيس الفرنسي
يعيش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بداية سنة ثانية صعبة من ولايته الرئاسية، ساهمت فيها “قضية بنعلا”، المستمرة، حتى الآن، ثم فرض قانون إصلاح المكتب الوطني لسكك الحديد، الذي انتصرت فيه الحكومة لكنه ترك آثارَه النفسية والاجتماعية التي لن تنمحى بسهولة، إلى جانب كلفة الاضطرابات الاجتماعية المادية العالية.
يضاف ذلك إلى فرض ضريبة “المساهمة الاجتماعية المعممة” على المتقاعدين، في سابقة في فرنسا، دون نسيان استقالة وزير البيئة، وهو أكثر وزرائه شعبية، ثم إعلان وزير الداخلية عن انسحابه من الحكومة في السنة القادمة لتكريس جهوده لمدينته، ليون.
وقد تأثرت شعبية الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب كل هذه العوامل، وهو ما جعل 29 في المائة، فقط، من الفرنسيين، يعبّرون عن رضاهم عن العمل الحكومي، في آخر استطلاع للرأي أشرفت عليه مؤسسة إيفوب، ونشرته صحيفة لوجورنال دي ديمانش، اليوم الأحد، وهي أسوأ نسبة في ولاية الرئيس. وقد جرف انهيار شعبية ماكرون معه رئيس حكومته، إدوار فيليب، الذي لم يعد يثق في سياساته سوى 34 في المائة من الفرنسيين.
”
29 في المائة، فقط، من الفرنسيين، يعبّرون عن رضاهم عن العمل الحكومي
”
شيءٌ ما تكسّر بين الرئيس والفرنسيين، إذ لم تعد تثق في الرئيس وسياساته سوى قاعدته الشعبية التي كشفت عنها الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
ولهذا السبب قرر الرئيس ماكرون تحفيز وزرائه، وفي آخر لقاء له مع مقربيه حثّهم على العمل خلال الأشهر الثلاثة القادمة على منح القيمة وتفسير بيداغوجي للإجراءات التي اتخذتها الحكومة أمام المواطنين، ومن بينها الحد الأدنى للمعاش وخطة مكافحة الفقر وأيضا خطة المستشفى. أي أن الرئيس ماكرون طلب من وزرائه، كما تُعنْوِن صحيفة لوجورنال دي ديمانش، أن يكونوا “وزراء باعة”.
ومثل ما أكّد الرئيس ماكرون في خطابه الأخير حول الإصلاح الصحي، فإن نتائج الإصلاح لا تظهر على الفور. ولهذا فالحكومة تراهن على أن سنة 2019 ستكون أفضل من سابقتها، وأن القدرة الشرائية ستتحسن فيها، خاصة مع خفض المساهمات الاجتماعية وإلغاء الضريبة على السكن.
وتتحدث المصادر الحكومية عن خفض 6 مليارات يورو من الضرائب، على الأقل، سنة 2019، وهو أكبر إجراء لخفضها منذ عهد ساركوزي. وترى الحكومة في هذه الإجراءات الاقتصادية “حَقْناً مباشراً من النقد لصالح الأُسَر”.
وتعوّل الحكومة الفرنسية على هذه الإجراءات إضافة إلى إعفاء نحو 300 ألف متقاعد من دفع ضريبة “المساهمة الاجتماعية المعممة” (سي. إس. جي)، لنفي صفة “ماكرون رئيس الأثرياء”، ومسح الصورة السلبية عن الرئيس، الذي لا يهتم سوى بمنح “هدايا” ضريبية للأثرياء.
ومن أجل إعادة الثقة بين الرئيس والفرنسيين، ينتظر الوزراء أن يبادر الرئيس إلى مخاطبة الفرنسيين، بشكل مباشر، إلا أن لا شيء مقررا لحد الساعة. لكنه في انتظار لحظة مصارَحة ضرورية، لن تتأخر، إذ لا يتوقف الرئيس عن السفر إلى الخارج لتكريس صورة الرئيس المؤثر على السياسات الدولية.
وبعد زيارته يوم غد إلى الأمم المتحدة، سيتجه بعدها في رحلة عميقة توصله إلى فرنسا العميقة، تبدأ من جزر الأنتيل، حيث سيظل هناك أربعة أيام، وتنتهي في عشر مناطق من فرنسا، من ستراسبورغ إلى بيرون، وهي مناطق شهدت قساوة الحرب ضد ألمانيا، قبل قرن من الزمن. وهناك سيركز الرئيس، بشكل جوهري، على ملف التشغيل. وفي الوقت نفسه، الاحتفال بمرور مائة سنة على اتفاق الهدنة، بعد حروب قاسية دامت أربع سنوات.
إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون يعرف أنه لا هدنة له مع الفرنسيين، ولا مع ملف التشغيل. واستطلاعات الرأي ماثلةٌ، هنا، لتذكّره بهذه الحقيقة وهذه الإكراهات.