طلاق القاصرات الأردنيات… حياة زوجية تنتهي قبل أن تبدأ
تستذكر الأردنية براء زواجها في عام 2016، الذي ظنّت أنّ كلّ أيّامه ستكون بحلاوة فستان الزفاف، بكلمات متلعثمة، ووجع يرتسم على وجهها، قائلة “ابن عمي وأهلي كانوا بيحبوه، خطّبونا”، لتتم تجهيزات الزواج سريعاً، وتنتقل الطفلة إلى بيت الزوجيّة في عمر السادسة عشرة، بينما بلغ عمر زوجها السابق 25 عاماً وقت الزواج الذي عانت فيه من سوء معاملة بدأت بالشتائم ووصلت إلى الضرب والتعنيف.
“أخاف من فكرة تكرار تجربة الزواج ثانية”، تقول براء بصوت متردد، يشي بصعوبة ما مرّت به خلال زواجها الذي انتهى في أٌقلّ من عامين، بموجب طلاق بائن مقابل الإبراء بعد الدخول، وفق ما جاء في القضية رقم 201707301190، التي قضت فيها محكمة عمّان الشرعية.
حال الطفلة براء وما آل إليه يشبه نهاية زيجة 976 طفلة أخرى تراوحت أعمارهنّ ما بين 15 و17 عاماً وقت الطلاق، خلال العام المنصرم في الأردن، في حين بلغ عدد حالات الطلاق التراكمية 21210 حالات، خلال الفترة من عام 2013 وحتى عام 2017، وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة لعام 2017، والذي كشف أن 434 قاصراً تزوجن وطُلقن في عام 2017، من أصل 5335 حالة طلاق مبكر (طلاق من زواج في نفس العام) سُجلت العام الماضي.
من المسؤول؟
يكشف استطلاع رأي غير قياسي أجرته معدّة التحقيق بمشاركة 50 حالة لفتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عاماً انتهى زواجهنّ بالطّلاق، أنّ 64% من العينة، كان الآباء أصحاب القرار في شأن زواجهنّ، في حين قالت 33% من الفتيات إنّ العادات الاجتماعية هي الدافع الأساسيّ لزواجهن المبكر.
في المقابل، كانت الاضطرابات العائلية (تدخلات وخلافات) السبب الرئيسي في طلاق 56% ممن شملتهنّ العيّنة، إذ واجهت القاصرات صعوبة في الاندماج في بيئة عائلية جديدة تختلف في عاداتها وطباعها مقابل ضعف وعيهن بإدارة الأسرة، بينما كانت المشكلة الأكبر هي تعنيفهنّ الذي يخلّف آثاراً نفسية جسيمة، كما تشير النتائج إلى أن 24% من الفتيات اللواتي تزوجّن في عمر بين 15 و18 عاما طُلقن خلال السنة الأولى من الزواج.
وعلى الرّغم من الجهود التوعويّة التي تبذلها الجهات والمؤسسات المختصّة، إلّا أنّ نسبة الزّواج المبكر في ارتفاع، إذ يتم تسجيل 30 حالة زواج لقاصر يومياً، كما ازدادت حالات الطلاق بشكل مقلق، حتى وصلت إلى 71 حالة طلاق، من بينها 15 حالة طلاق مبكر (طلاق من زواج نفس العام تقع يومياً في الأردن)، وفقاً لبيانات دائرة قاضي القضاة لعام 2017.
وتعرف المادة (2) من قانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014 “الحدث بأنه كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره”، ويوضح مسؤول قسم الإحصاء في دائرة قاضي القضاة، محمد أبو سمرة، أن عدد القاصرات المطلقات انخفض عام 2016 عن سابقه، ثم عاد إلى الارتفاع عام 2017، إذ بلغت حالات الطلاق المبكر التي كانت فيها الزوجة قاصراً 494 في عام 2015، و321 حالة في عام 2016، ثم زادت إلى 434 في عام 2017، الأمر الذي يمكن فهمه على ضوء ما نشرته الجريدة الرسمية، منتصف يوليو/تموز 2017، في عددها رقم 5472، حول “تعليمات منح الإذن بالزواج لمن أكمل خمس عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة رقم 1 لسنة 2017″، إذ تنص التعليمات، التي حصلت “العربي الجديد” على نسخة منها، على أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كانت في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة، من دون الحاجة إلى موافقة قاضي القضاة، وذلك بعد توفر شروط محددة فصّلتها التعليمات”.
ومنحت مكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري الإذن لـ 842 طلب زواج لمن هم دون سن الثامنة عشرة، من أصل 1029 طلبا استقبلها 12 مكتباً، في الربع الأخير من عام 2017، أي بنسبة 81.8% من مجموع الطلبات، ورفضت 187 طلباً، بنسبة 18.2%، وفقاً لبيانات جمعية تضامن الحقوقية التي تُعنى بالدفاع عن المرأة.
الزواج المبكر سبب رئيسي للطّلاق
يثبت استطلاع “العربي الجديد” وجود علاقة قويّة بين تزويج الفتيات في مرحلة المراهقة وبين الطّلاق، وتوضح النتائج أن تزويج القاصرات يؤدي إلى استغلالهن من قبل الزوج أو عائلته، إذ كانت الاضطرابات والتدخلات العائلية السبب الأساسي في طلاق 56% ممن شملتهن العينة.
وبحسب الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2017، الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فإن 10.434 زيجة كانت فيها الزوجة قاصرا، أي بنسبة 13.4% من حالات الزواج الكلي البالغ عددها 77.700 حالة. وهنا تؤكد الأخصائية الاجتماعية أمل العدلي، من جمعية تضامن، أنّ تزويج الفتيات في سن مبكرة من أقوى أسباب الطلاق بشكل عام، فلا قدرة لفتاة مراهقة على تقبّل الحياة الزوجية والتعامل مع كل تفاصيلها، علاوة على انعدام التّواصل بين الطرفين، بحكم صغر سنّ الفتاة، مما يخلق شرخاً يتّسع مع الأيام ليفرق بينهما. وتوضح العدلي، من خلال تجربتها في التعامل مع زوجات مررن بتجربة الطّلاق، أنّ تدخّل أهل الزوج في شؤون الزوجة، وعدم إعطائها حرية التصرف في حياتها الخاصة، والتعامل معها على أنها طفلة، كلها أمور تؤزم أمور الزواج، وهذا ما يتطابق مع نتائج الاستبيان الذي أجرته معدّة التحقيق.
العنف الزّوجي
“أنا أم سيئة ومهملة، لا أحسن العناية برضيعي”، هذا ما أُجبرت سديل (اسم مستعار)، الأمّ ذات السبعة عشر عاما، على قوله أمام القاضي في محكمة الرصيفة الشرعية (شرق العاصمة عمّان)، بتهديد وإجبار من زوجها (29 عاماً) الذي داوم على تعذيبها وتعنيفها بأقسى الطرق. ولم يكن ما تسبب به الزوج من خوف وألم لسديل عادياً، فما واجهته أثقل من أن تستطيع طفلة في عمرها تحمّله، حيث كانت آثار الضرب المبرح بادية على وجهها، وجسدها ممتلئ بحروق أعقاب السجائر المطفأة فيه، حتى آلت إلى مرحلة تتبول فيها لا إراديا، وتكاد تفقد النطق في حضور زوجها، بحسب المحامية هديل عبد العزيز، مديرة مركز العدل (للمساعدة القانونية)، التي أوكلتها سديل بالحديث نيابة عنها، لصعوبة الحالة النفسية التي تمر بها من جراء ما حدث.
وتبيّن نتائج الاستبيان أنّ تعنيف الزّوج لزوجته هو سبب إضافي ورئيسي للطّلاق، إذ تعرضت 99.7% من المشاركات في الإجابة على استطلاع “العربي الجديد” لشكل من أشكال العنف على يد زوجها، في حين واجهت 18.4% منهن كلّ أشكال العنف (اللفظي والجسدي والجنسي) مجتمعة.
وتوضح الأخصائية الاجتماعية العدلي أنّ الزوج يلجأ إلى تعنيف زوجته بحجة تأديبها وتعليمها، مستغلاً قلة حيلتها وصغر سنّها، وعدم قدرتها على التعامل مع الإساءة الزوجية، لافتقارها إلى الوعي والدّعم القانوني والاجتماعي.
وساطة غير ناجعة
لم يدم زواج رنيم الذي تم عام 2016 سوى ثلاثة أشهر، طلبت عقبها الطّلاق من زوجها الذي صُدمت بسوء تعامله وإخفائه مرضه عليها، فلم تحظَ رنيم بفرصة كافية للتعرف على العريس الثلاثيني الذي تقدم لها، وتزوجته بعد فترة خطوبة قصيرة، بسبب عادات تمقت إطالة فترة ما قبل الزواج.
خافت الفتاة ذات السبعة عشر عاماً من المضي قدماً في زواج بُني على الخداع، وآثرت الانسحاب رغم حملها، ورغم مقترحات مكتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري في دائرة قاضي القضاة بأن تعيد التفكير في قرار الطلاق، فأصرّت ونالت الطلاق بعد وضع طفلتها.
مدير المكتب المركزي للإصلاح الأسري في دائرة قاضي القضاة، القاضي صلاح شويّات، يؤكد أنّ الخداع وعدم الوضوح من البداية يقودان إلى الطّلاق كنتيجة حتمية، مشيراً إلى أن التسرع وإساءة الاختيار، يتسببان في 70% من حالات الطلاق، على حد تقديره.
ويعزو مستشار قاضي القضاة، القاضي أشرف العمري، الطلاق المبكر، وتحديداً الحالات التي تكون فيها الزوجة أقلّ من 18 عاماً، إلى تأجيل مناقشة الكثير من القضايا الأساسيّة إلى ما بعد العقد، ويرجع السّبب في ذلك إلى تخوّف المجتمع الأردني من عزوف الشباب عن الزّواج وارتفاع نسب العنوسة، فيتفق الطّرفان على تسريع الزّواج بعد فترة خطوبة قصيرة، حتى لا تكثر المشاكل قبل الزفاف، ليصطدما بها عقب تزويجهما، فيلجآن إلى الطّلاق، بحسب القاضي العمري، وهو ما حصل مع براء وسديل ورنيم، اللّواتي وثّق التحقيق تجاربهنّ.
معاناة عقب الطلاق
لم تنته معاناة الفتيات اللواتي قابلتهن معدّة التحقيق بمجرد طلاقهن، فقد مررن بتجربة قاسية في مقتبل عمرهن، خلّفت جروحاً غائرة، وإن كان الانفصال بمثابة الخلاص من المشاكل والقهر الواقع عليهن.
المستشارة النفسية أريج سمرين تؤكد أن القاصر التي تعيش تجربة الطلاق تمرّ بمراحل نفسية معقدة، خاصة أنها، علمياً، في مرحلة تكوين الشخصية، فتعرّضها لكل هذا الضغط نتيجة ممارسات الزوج أو أهله، أو تعنيفها وتهميشها، سيؤدي إلى تغيير البنية الشخصية للفتاة، نتيجة اختلال منظومة الأفكار والمعتقدات لديها، وانخفاض تقديرها لذاتها، وفقدان ثقتها بنفسها والآخرين، وهذا ما يفسر إصابة سديل بانهيار نفسي، وكذلك حالة الاضطراب والتردد الملازمة لبراء عقب تجربتها.
ويزداد الأمر سوءاً إذا وجدت الفتاة بعد طلاقها مجتمعاً غير داعم، يلومها على وصولها إلى الطلاق، مما يولد لديها توترا دائما يخلّ بمهارات الاتصال والتواصل، ويبقيها في حالة غضب يوجّه غالباً نحو الآخرين، ويترجم إلى ردود فعل صعبة، وفقاً لسمرين.
وقد تصل آثار الطلاق النفسية إلى أمراض كالاكتئاب، والتبول اللاإرادي، وارتفاع ضغط الدم، كما توضح المستشارة النفسية، ممّا حدا بـ74% من أفراد عينة الدراسة إلى الإجابة بأن القاصر لا تستطيع تحمّل مثل هذه التجربة.