مصري اعترف بقتل طفليه.. هل فعلها حقا؟
رغم ما يبدو للناظر من ارتفاع واضح في معدل الجرائم بالمجتمع المصري في السنوات القليلة الأخيرة، فإن جريمة مقتل الطفلين ريان ومحمد خطفت أنظار المصريين، خاصة بعدما سرّبت الشرطة تسجيلا مصورا يعترف فيه الأب بأنه هو من قتل طفليه!
والمثير أن نشر اعترافات الأب محمود نظمي لم يحقق ما أرادته الشرطة من تثبيت الاتهام عليه، بل أثار سيلا من الشكوك خصوصا مع ملابسات الواقعة التي تثير الكثير من الريبة.
بدأت القصة قبل أيام وبالتحديد يوم عيد الأضحى حيث اصطحب الأب محمود (33 عاما) طفليه ريان (5 سنوات) ومحمد (سنتان ونصف) إلى الملاهي بمركز “ميت سلسيل” في محافظة الدقهلية الواقعة بدلتا مصر، لكن نزهة العيد لم تكتمل، بل قطعها ما قلب حياة الأسرة كلها رأسا على عقب.
حسب الرواية الأولى للأب، وهي الرواية التي تتمسك بها العائلة، فقد فوجئ بشخص يستوقفه داخل الملاهي ويحاول إلهاءه عبر القول بأنه صديق قديم له، واحتاج محمود إلى دقائق كي يتملص من هذا الغريب، لكنها كانت كافية ليجد أن طفليه قد اختفيا عن ناظريه.
أسرع الأب إلى الشرطة لتقديم بلاغ باختفاء طفليه واحتمال خطفهما، وأبلغ أسرته ليبدؤوا عملية البحث التي جاءت خاتمتها في اليوم التالي حزينة، حيث تم العثور على جثتي الطفلين طافيتين فوق المياه بترعة “فارسكور” (أحد فروع نهر النيل).
كبار القوم
بينما كان الأهالي يشيعون الطفلين في أجواء حزينة، بدأت الأقاويل والتسريبات تنتشر متحدثة عن خلافات مالية بين الأب المكلوم وبعض “كبار القوم” من تجار الآثار، وأن ذلك ربما كان وراء خطف الطفلين وقتلهما.
في الساعات التالية للجنازة اختفى محمود، ليظهر في اليوم التالي داخل في مركز الشرطة ولكن مقبوضا عليه، وخلال ساعات تصاعدت الإثارة عندما أقدمت الشرطة على نحو غير معتاد على إذاعة تسجيل مصور يظهر فيه محمود وهو يلقي بالمفاجأة المدوية “أنا من قتلت ريان ومحمد بإلقائهما في مياه النيل”.
في التسجيل بدا محمود شاحبا ومرتبكا وخائفا، تارة ينظر -ربما- إلى محقق الشرطة الذي يوجه إليه الأسئلة، وتارة أخرى يختلس النظر باتجاه آخر، ربما نحو شخص يتابع اعترافاته التي بدا أن هناك من يريد الترويج لها كتفسير وحيد للقضية الغامضة.
لكن بث التسجيل أتى بأثر عكسي على ما يبدو، فمواقع التواصل ضجت بالتعليقات التي تشكك في الرواية وتعتبرها غير قابلة للتصديق، خاصة أن الأب لم يورد سببا مقنعا لما أقدم عليه. وتساءل بعضهم: هل يستقيم أن يلقي أب بطفليه في الماء لمجرد أنه يشعر بضيق أو بإرهاق أو صعوبة في الحياة، خاصة أن الأب نفسه يتحدث عن علاقة جيدة بأهله وعن يسر مادي في مجتمع يمتلئ بالمعوزين من حوله؟
ابني يكذب
تصاعدت الإثارة عندما انضم إلى حملة التشكيك أقارب لمحمود، ثم بلغت ذروتها عندما تحدثت الزوجة ثم الأم لوسائل الإعلام، حيث استبعدت الزوجة أن يقدم زوجها على ذلك، وطالبت بضرورة السماح لها بلقائه كي تعرف ملابسات اعترافه المريب.
أما الأم والجدة المكلومة فاختصرت الأمر عندما شاهدت اعتراف ابنها، فقالت إنها شعرت بأنه يكذب وأنه يقول كلاما لقنّه له آخرون، مؤكدة أنه يستحيل أن يفعل ذلك بأولاده الذين يحبهم، ومضيفة أنها تضع أملها في الله لكشف الظلم عن ابنها.
لكن الخطير أن الأم -كما الزوجة والأقارب- أكدت أن وراء الأمر لغزا غير مفهوم، “وله علاقة بناس مهمة وكبيرة في البلد”، حسب تصريحات مصورة نقلتها وسائل إعلام عن أم محمود التي قالت أيضا إن الأسرة تلقت تهديدات بالقتل إذا تحدثت مع وسائل الإعلام.
وعلى مدى نحو عشرة أيام لم تتوقف تطورات القضية الغامضة، حيث أخذت زاوية أخرى في اليومين الماضيين عندما تجمهر العشرات من أهالي “ميت سلسيل” أمام منزل محمود ثم انتقلوا إلى شارع رئيسي بالمدينة، معبرين عن غضبهم وتشكيكهم في اعتراف ابن قريتهم، ومطالبين الشرطة بإعادة التحقيق.
لكن رد الشرطة على الأهالي جاء -حسب المعتاد- بالغاز المدمع ثم حملة اعتقالات طالت عددا من أبناء القرية، توّجتها بعقاب جماعي تمثل في حملة من شرطة المرافق استهدفت المحلات والأكشاك والباعة الجائلين.
في هذه الأثناء، يطالع المصريون في بعض الصحف مقالات تثير الريبة، كذلك الذي كتبه الصحفي المقرب من السلطة محمد الباز في صحيفة “الدستور” يؤكد فيه أنه يصدّق اعتراف محمود بأنه قتل طفليه ويطالب قراءه بالاقتناع بذلك، قبل أن يتحول إلى المعزوفة التي تكررت خلال السنوات الأخيرة في مصر، وهي أن وراء الأزمة “الإخوان المسلمون” فهم الذين بثوا الفتنة وحاولوا إشعال الموقف.