غاز إسرائيل يثير سخط قرى شمال الأردن
على جبل صخري صلب تقع قرية “أبسر أبو علي” قبالة أنبوب الغاز الإسرائيلي، الذي سيخترق أراضي القرية من الغرب إلى الشرق، مدمرا أشجار الزيتون وموقفا نشاط المزارعين.
صخرية الأرض التي شيدت عليها القرية شبيهة بإصرار سكانها، فقد باتت معارضة تنفيذ مشروع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل الموقعة بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية ووزارة الطاقة مع شركة “نوبل إنيريجي” الأميركية، تواجه بصمود شعبي منقطع النظير.
صمود دفع الأهالي للوقوف أمام الآليات المنفذة للمشروع، مهددين بحرقها حماية لأراضيهم ومشروعاتهم، و”حماية للوطن الذي سيرهن مستقبل الطاقة بيد الإسرائيليين”، حسب تعبيرهم.
القرية الواقعة على بعد 120 كيلومترا من العاصمة عمان شمالي الأردن مازالت أطرافها تشهد على مشاركتها في حرب الاستنزاف التي شنتها دول الطوق العربي، مصر وسوريا والأردن، ضد إسرائيل من 1971 إلى 1973.
مرابض دبابات
ويشاهد الزائر للقرية مرابض الدبابات العراقية التي قصفت يوما ما “العدو الإسرائيلي”، لوجودها قبالة جبال وسهول بيسان التي تبعد عن القرية أقل من 40 كيلومترا.
“لكن مع الأيام، وللأسف تحول هدير الدبابات وطلقات الانتصار على العدو، إلى أصوات آليات تشق الجبال والوديان تمهيدا لمد أنبوب غاز تمنحنا إياه إسرائيل”، يقول الحاج السبعيني قاسم الصالح.
ويتابع الصالح قائلا إن “إسرائيل تقتل البشر يوميا في غزة والضفة الغربية، والآن جاء دورنا لتقتل أشجارنا وتعدم زراعتنا، وتقتلنا لاحقا بأي تسريب غاز من المحطة المجاورة للقرية”.
ويواجه مشروع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي المسال من إسرائيل رفضا واسعا من النقابات المهنية وأحزاب سياسية وفعاليات شعبية، فقد أطلق نشطاء حملة “غاز العدو احتلال” سعيا منهم لإسقاط اتفاقية الغاز مع تل أبيب.
في المقابل تنظر شركة الكهرباء الوطنية الأردنية للاتفاقية بعين الرضى، رغم المعارضة الشعبية، لأنها “إنجاز وطني يسجل للشركة”، حسب مدير الإعلام الناطق الرسمي للشركة عبد الفتاح الدرادكة.
ويضيف “الغاز الطبيعي المصدر بالأنابيب من الآبار أقل تكلفة من الغاز الطبيعي المسال.. مما يمنح الاتفاقية ميزة انخفاض أثمان الغاز المستورد من شركة نوبل انيرجي الأميركية”.
وتوقع الدرادكة استقبال أولى دفعات الغاز الإسرائيلي نهاية العام 2019، لمدة 15 عاما قادمة وبقيمة عشرة مليارات دولار، “مما سيحقق للشركة حاجتها من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء”، حسب تعبيره.
الأهالي ينظرون للمشروع بعين الريبة لاعتبارات عدة؛ أهمها أن الاتفاقية -حسب رأيهم- “تطبيع قسري للأردنيين مع الكيان الصهيوني، وسرقة لثروات فلسطين الطبيعية، وتشكل خطرا على الأردن من خلال رهن مستقبل الطاقة لديه بيد إسرائيل”.
ويتفق أهالي القرية، شيبا وشبابا، على رفض المشروع، حيث يؤكد الأربعيني علي القرعان أن “الغاز ثروة وحق للفلسطينيين يسرقه الكيان الصهيوني لبيعه للأردن، ومستقبلا للعراق وسوريا، لقتل أهلنا في غزة والضفة”.
الخمسيني ياسر القرعان يقول إنه شاهد موظفين من إدارة مسح الأراضي يحملون أصباغا حمراء، يلونون بها أحجارا كبيرة مرتبة بعضها فوق بعض، وعندما سألهم عما يفعلون “أخبروني عن قرب إنشاء محطة تجميع وإعادة ضخ للغاز في القرية”.
آليات تنزل أنابيب خط نقل الغاز المستورد (الجزيرة)
كارثة بيئية
ويرى القرعان أن “المحطة خطر يهدد حياة السكان، وينذر بكارثة بيئية وصحية جراء أي تسريب للغاز، خاصة أنها لا تبعد سوى 500 متر عن منازل الأهالي”.
ويوضح القرعان “أن الحكومة قامت باستملاك الأراضي دون أي مشاورة أو إخطار مسبق، بل أعلنت عن ذلك عبر وسائل الإعلام فقط”.
وقد وعد الناطق الرسمي باسم شركة الكهرباء الوطنية الأردنية الأهالي بـما قال إنها “التنمية التي حُرموا منها عقودا، وفتح فرص عمل للسكان”، مبينا أن استملاك الأراضي “تم وفق القوانين التي تمنح للحكومة هذا الحق بشكل فوري خدمة للصالح العام”.
نقابتا المهندسين والمقاولين الأردنيين رفضتا بدورهما تنفيذ المشروع أو تجريف الأرض التي يرتقب أن يمر منها الأنبوب، مما اضطر الحكومة للاستعانة بشركات مصرية للتنفيذ رغم مخالفة ذلك لقوانين النقابتين.
يشار إلى أن وزارة الطاقة الأردنية نشرت إعلانا نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017 لاستملاك 344 دونما و166 مترا، واستئجار 611 دونما و763 مترا، على طول خط الأنبوب من نقطة التزويد على الحدود الأردنية حتى نقطة الربط في قرية “الخناصر”.
ويمنح قانون الاستملاك رئاسة الوزراء حق إصدار قرار بالموافقة على استملاك وحيازة المساحات المحددة “استملاكا مطلقا وحيازة فورية”، بعد مضي 15 يوما على نشر الإعلان.