“الحشيشة” تنتصر قانونيا بلبنان.. وسخرية بمواقع التواصل
يقترب لبنان من حسم ملف زراعة الحشيشة، التي أرقت الدولة وأجهزتها على مدار سنوات، بعد فشل الحكومات والسياسيين في إيجاد مخارج وحلول لهذه الآفة، التي يبدو أنها تفوقت وانتصرت بالنهاية تحت مسمى “الحاجة الطبية” بتشريع قانوني.
وأثار التشريع المرتقب موجة سخرية ورفض واسعة بمواقع التواصل الاجتماعي، داعين الدولة للاهتمام بملفات أخرى -برأيهم- أكثر جدوى وأهمية.
والتشريع المرتقب سيمثل إحدى السبل للنهوض بالاقتصاد اللبناني من كبوته، وفق توصيات وضعتها شركة “ماكينزي” الاقتصادية العالمية.
وستكلف هذه التوصية خزينة الدولة نحو مليون و400 ألف دولار أمريكي مصاريف دراسة خطط لفترة ستة أشهر، وفق وسائل إعلام محلية.
وسرعان ما تلقف رئيس مجلس النواب، نبيه بري، تلك التوصية، وطالب بتشريعها، ليلقى طلبه تأييدا واسعا من أحزاب عديدة.
لكن أول من نادى بتشريع زراعة الحشيشة في لبنان هو الزعيم الدرزي، رئيس حزب “التقدمي الاشتراكي”، وليد جنبلاط.
وقبل عامين، لاقى طلب جنبلاط استهجان قوى حزبية كثيرة، بينما اليوم يحظى طلب بري بقبول معظم الأطراف اللبنانية.
اقرأ أيضا: بري يناقش تشريع “الحشيشة” مع سفيرة واشنطن في بيروت
ويرجع مراقبون أسباب “تشريع الحشيشة” لوجود مناطق في منطقة البقاع خارجة عن سيطرة الدولة والقانون، وبالتالي دفع تقاعس الحكومات المتتابعة في رفع مستوى المعيشة لأهل البقاع؛ للتغاضي عن قيام معظم أهلها بزراعة الحشيشة والاتجار بها.
وتتهم نخب لبنانية ما يسمونها ” الحامية السياسية” لكثير من التجار، ومنع ووقف وعرقلة ملاحقتهم، مع غياب العدالة والمساواة في محاكمتهم، وهي من أسباب استشراء الظاهرة بصورة كبيرة.
فوائد الحشيشة
وفق النائب اللبناني، عضو حزب “التقدمي الاشتراكي”، فيصل الصايغ، “توجد جدية في الموضوع، وجميع الأطراف على توافق تام عليه”.
وأضاف الصايغ للأناضول أن “هذا المشروع سيتحوّل إلى قانون قريبا، ومن المتوقع أن يحظى بتصويت النسبة الأكبر من النواب، البالغ عددهم 128”.
وأوضح أن هذا الأمر “سيؤمن فرص عمل مهمة لفئة الشباب المحرومة في محافظة البقاع (شرقي لبنان)”.
وتابع بأن “جنبلاط حين اقترح هذا المشروع سخر منه الجميع، أما اليوم، وبعد دراسة أمريكية، أبدى الجميع موافقتهم ودعمهم”.
ومضى قائلا: “حسب معلوماتي، فإن بري كلّف لجنة من إدارة حصر التبغ والتنباك، التابعة لوزارة المالية، بدراسة كيفية تطوير المشروع، وحصره ضمن الأطر القانونية”.
ولفت الصايغ إلى أن “زراعة الحشيشة سبق أن اعتمدتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا، لتحسين الوضع الاقتصادي، وتطوير المجال الطبّي”، وشدد على أنه “في لبنان ستكون الزراعة قانونية خارجة عن سياق الاتجار بالمخدرات”.
وأضاف أن هذا المشروع “من شأنه القضاء على التجّار والمهربين في البقاع، ويفوق عددهم المئات”.
وأردف بأن “الأجهزة الأمنية تعمل، منذ أشهر، على ملاحقة وتوقيف هؤلاء التجار والمهربين بشكل شبه يومي”.
إشراف حصري
مشروع زراعة الحشيشة لأغراض طبية يحظى أيضا بدعم داخل كتلة “الإصلاح والتغيير” النيابية، التابعة لـ”التيار الوطني الحر”، المحسوب على رئيس الجمهورية، ميشال عون.
وقال النائب في الكتلة، وزير الصحة السابق، ماريو عون، للأناضول، إن أغلبية كتلة التيار الحر تبدي موافقتها على هذا المشروع.
واستدرك عون قائلا: “بشرط حصر المشروع بين وزارة الزراعة والمزارع، وبإشراف وزارة الصحة المعنية بموضوع زراعة الحشيشة لأغراض طبية”.
تحذير من الاحتكار
بعد جنبلاط، دعا رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، إلى تشريع زراعة النبتة المخدرة.
وقال النائب من حزب القوات، طوني حبشي، للأناضول، إن “15 نائبا من تكتل الجمهورية (تابع للحزب) سيصوتون بنعم على المشروع ليصبح قانونا نافذا”، ورأى أن “هذا القانون سيساهم في تحسين الوضع الاقتصادي”.
واستدرك: “لا يمكن حاليا تحديد حجم العائد المالي، فهذا الأمر من المبكر حسمه، لكنه سيحرك عجلة الاقتصاد في محافظة البقاع بشكل خاص”.
وتقدم حزب “القوات اللبنانية” بطرح حول هذا المشروع ستتم مناقشته في أول جلسة نيابية مقبلة.
ويرى الحزب، وفق هذا الطرح، أن وزارة الصحة هي الأنسب لمتابعة الموضوع، وهي التي يجب أن تشرف على زراعة الحشيشة.
وأضاف حبشي: “حسب طرحنا، فإن وزارة الصحة هي التي تبرم عقود الاتفاق مع شركات أدوية لبنانية فقط، وبشرط أن يكون مضى على تأسيسها حوالي 15 سنة”.
وأرجع هذا الشرط إلى الرغبة في “عدم فتح المجال أمام تجار ومتمولين لإنشاء شركات جديدة؛ بهدف الاتجار والربح والخروج عن السياق الطبّي المنشود”.
وتابع بأنه “يجب اعتماد اللاحصرية في تكليف المزارعين المعتمدين، عبر تقسيم الحصص، وتحديد حصة كل مزارع بحسب مساحة أرضه”.
وأوضح أن اعتماد اللاحصرية يهدف إلى “عدم الدخول في لعبة الاحتكار بأن تصبح جهة حزبية واحدة هي المسيطرة”.
وشدد حبشي على أن “هذا المشروع حين يصبح قانونا سيجعل المزارع أكثر حرية، ولا يخضع لنفوذ وسلطة التجار غير الشرعيين، الذين يشترون محصوله بسعر غير مناسب”.
سخرية واستياء
وفجر طلب بري تشريع زراعة الحشيشة سخرية في وسائل إعلام لبنانية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وتسود حالة من الاستياء جراء ما يرى منتقدون أنه تشجيع من الدولة على تجارة المخدرات، في ظل حالة لغط كبيرة وعدم توضيح الموضوع جيدا للرأي العام اللبناني.
ودخلت الحشيشة إلى لبنان في أربعينات القرن الماضي، ثم ساعد على ازدهارها الحرب الأهلية (1975– 1991)، وطبيعة الأرض البقاعية الخصبة ووفرة المياه.
واستمرت زراعة الحشيشة بشكل بدائي حتى بدأت الحرب الأهلية، حيث شجعت زراعتها، وحوّلتها إلى صناعة زراعية تُستخرج منها منتجات كثيرة مختلفة بواسطة ماكينات حديثة.
وكانت المليشيات اللبنانية، إضافة إلى جيش الوصاية السورية في لبنان (1976-2005)، تؤمن الغطاء لمزارعي الحشيشة والتسويق لهذه البضاعة.
وتُزرع الحشيشة بين شباط / فبراير وآذار/ مارس، وتُروى حتى أيلول/ سبتمبر، ويتم حصدها، مثل القمح، بواسطة المنجل.
وفي السياق، كشفت أرقام مكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي اللبناني ارتفاعا بمعدل تفشي المخدرات والحبوب المهدئة في لبنان بين عامي 2012 و2016، وبلغ عدد الموقوفين بجرائم المخدرات 4709 موقوفين عام 2016، بعد أن كان عددهم لا يتجاوز 2865 موقوفا عام 2012. أما نسبة المتعاطين الموقوفين، فبلغت 77% العام الماضي.
وتشير الأرقام إلى أن الفئة العمرية من 18 إلى 25 سنة تشكل نحو نصف المتعاطين، معظمهم من طلاب الجامعات، علما أن مراكز العلاج المتوفرة في لبنان لا تستقبل أكثر من 10% من الراغبين بالعلاج، فيما يقدر عدد الموقوفين سنويا بنحو 3 آلاف، بحسب إحصائيات مكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي.
وتفيد المعلومات بأن نسبة تعاطي حشيش الكيف تبلغ 39% بين متعاطي المخدرات، والسبب رخص ثمنها وسهولة تداولها بين المتعاطين. كما تشير إلى أن مادة الكوكايين تليها بنسبة 13%، فيما يبلغ تعاطي المواد المخدرة الأخرى 18%، وهناك مادتان مخدرتان تنتشران بنسبة أكبر من الكوكايين، وبشكل خطير، هما: السيلفيا والفراولة.
وتعدّ مادة الكوكايين الأغلى ثمنا بين أنواع المخدرات في لبنان، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام منها بين 35 و60 ألف دولار أمريكي، ويُباع الغرام الواحد في السوق بين 40 و80 دولارا، وتعدّ مادة الهيروين الأرخص، حيث لا يتجاوز سعر الكيلو منها في حده الأقصى 15 ألف دولار، والغرام ما بين عشرة و20 دولارا.