الكويت والصين.. شراكة على طريق “مدينة الحرير”
تسير العلاقات الكويتية الصينية بوتيرة متسارعة نحو تحقيق شراكة استراتيجية بينهما في إطار اتفاقية “مبادرة الحزام والطريق”، الموقعة بين البلدين في عام 2014.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الأخيرة للصين المختتمة في 10 يوليو/ تموز الجاري، لوضع قواعد التعاون المستقبلي الذي تطمح فيه الكويت إلى أمرين مهمين؛ هما: التنمية الاقتصادية وبناء “مدينة الحرير”، عبر جذب الشركات الأجنبية الكبرى وفي مقدمتها الصينية لإنشائها.
الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية كانت حاضرة في تصريحات أمير الكويت مع وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) بمناسبة الزيارة التي ركز فيها على أهمية “خصوصية موقع الكويت الجغرافي”.
والكويت تسعى، وفقًا لأميرها، إلى” تطوير الشراكة والتعاون الثنائي مع الصين من أجل تحقيق المكاسب المشتركة لمشروع طريق الحرير”.
وهي تريد منها، والكلام لا يزال لأمير الكويت “دوراً داعماً لخلق منصة اقتصادية مشتركة، تحقق التبادل التجاري والمصلحة المشتركة على أساس المنفعة المتبادلة بين جميع الدول في منطقة شمال الخليج”.
وأعرب أمير الكويت عن رغبته في أن “يكون الجانب الصيني شريكاً استراتيجياً، ومستثمراً أساسياً في تطوير البنية التحتية لمدينة الحرير، وإنشاء مناطق صناعية وتكنولوجية متقدمة في منطقة شمال الكويت”.
في هذا الإطار، قال مدير “مركز الدراسات الاستراتيجية الكويتي” (مستقل) سامي الفرج: “يجب أن يُنظر إلى زيارة سمو الأمير للصين على أنها ضمن محاولة تعزيز خيارات الكويت الاستراتيجية، بتوضيح المصالح المشتركة مع الصين في جلب الاستقرار للمنطقة، ثم بإخراج علاقاتها من خانة الإملاءات الخليجية والأمريكية وإعادتها إلى خانة المفهوم المشترك للأمن الإقليمي”.
وأضاف: “قوتنا الحقيقية تكمن في دبلوماسيتنا، ونفوذنا الإقليمي والدولي المبني على استخدامنا لقوتنا المادية (المالية والاقتصادية)، ولقوتنا الإنسانية، وقوة مجتمعنا المدني، والنظام السياسي الدستوري المستقر”.
وتابع: “رأينا منذ عام 1997، أنه ليس أمامنا إلا أن نبني كويتاً جديدة، ونسعى من مشاريع التنمية التي خططنا لها إلى الحصول على القيمة المضافة وهي الأمن”.
وأوضح الفرج، وهو أحد المشاركين بوضع رؤية الكويت 2035، أن “النظرية الكلاسيكية في الاعتماد على التحالفات الدفاعية العسكرية والأمنية، هي مجرد بوليصات تأمين مؤقتة، مثل المخدر يعالج الألم ولا يعالج سبب المرض”.
وأردف: “لنا مصلحة أن يعاد بناء طريق الحرير القديم بين الشرق والغرب، وأن نكون محطة عليه، فقد كنا أول الموقعين على بروتوكول تعاون في يونيو/حزيران 2014 مع الصين، للمساهمة في مرور طريق الحرير بالكويت؛ وذلك ببناء مدينة الحرير بالتعاون مع الصين، وليس مع شركات الداخل”.
وأشار إلى أن “الزخم باتجاه إعادة بناء طريق الحرير، هو زخم حقيقي تتجاوز اتفاقياته مع الصين 72 دولة”.
ولفت إلى أن “أكثر صادرات النفط الخليجية تتجه إلى آسيا للصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وهي قوى كبرى في الاقتصاد العالمي” .
وبين أن “فكرة مشروع مدينة الحرير تتمثل في إنشاء منطقة تجارية حرة مستقلة، وتكون خاضعة للسيادة الكويتية كلياً مع تمتعها بالاستقلال إدارياً ومالياً وتشريعياً”.
ومضى بالقول: “تعتمد استراتيجية تنفيذ المشروع على استغلال الجزر الكويتية من خلال تمويل احتياجاته من أسواق المال، ورؤوس الأموال الخاصة إضافة إلى مساهمة الدولة في تمويل هذا المشروع″.
ويقع مشروع “مدينة الحرير” في منطقة الصبية، شمال شرق الكويت على مساحة تقدر بواقع 250 كيلومتراً مربعاً، ومن المتوقع أن يستغرق إنشاؤها نحو 25 عاماً تقريباً بكلفة تقدر بنحو 86 مليار دولار أمريكي”.
ويتضمن المشروع الذي سيتسع لنحو 700 ألف نسمة، إنشاء برج بطول 1001 متر “250 طابقاً”، ويكون مزوداً بأحدث التقنيات المعمارية الملائمة للمناخ، ويشمل سبعة مجمعات، تضم مكاتب ومرافق وفنادق ومطاعم وأماكن ترفيهية، وسيكون أحد أطول الأبراج في العالم، ويتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات في مشروع المدينة نحو 100 مليار دولار أمريكي.
من جهته، ارتأى الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور، أن “توقيع أمير الكويت والرئيس الصيني شي جين بينغ على سبع اتفاقيات للتعاون بين البلدين له عدة نتائج إيجابية، على رأسها تغيير مسارات الواردات، وتخفيف تكلفة الاستيراد؛ فضلاً عن نقل التكنولوجيا إلى الكويت”.
وقال إن “تلك الاتفاقيات تهدف إلى تعزيز روابط الصداقة والتعاون بينهما، خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي للوصول بالعلاقات الكويتية-الصينية إلى آفاق أرحب وأوسع″.
من جانبه، قال رجل الأعمال عبد السلام العوضي، إن “الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شك أن الشراكة معها تحقق تقدماً ملموساً للدول الصغيرة والناشئة”.
وأضاف: “نحتاج لهذا العملاق الاقتصادي في تطوير مشاريع الجزر والاستثمار بالمدن في الشمال وتطوير الموانئ وإنشاء طريق الحرير”.
أما رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات “أساسات” العالمية، مشاري المرشاد، فقال إن “التحالفات الاقتصادية مع الصين خطوة إيجابية، فالصين تعتبر قوة اقتصادية عالمية، تتميز بالكفاءة العالية وقلّة التكاليف، والكويت بحاجة إلى توفير العناية اللازمة والضرورية لهذه الاستثمارات الصينية والدولية، وتوفير التسهيلات التي يحتاجها المستثمر الأجنبي”.
وتابع أن “إحياء مشروع طريق الحرير، سيجعل الكويت محطة رئيسة لتوصيل البضائع والسلع من الصين وجمهوريات آسيا الوسطى إلى أوروبا ودول القرن الإفريقي وبالعكس، وسيحول البلاد إلى ملتقى تجاري ضخم، ونواة شبكة خطوط حديد عنكبوتية تبدأ من الصين وتنتهي في القدس مروراً بآسيا الوسطى”.
ويوجد حالياً في الكويت أكثر من 40 شركة، ومؤسسة صينية تشرف على ما يقرب من 80 مشروعاً في مجالات النفط والبنية التحتية والاتصالات والمال وغيرها.
وبحسب تصريحات لسفير الصين لدى الكويت، وانغ دي، الأسبوع الماضي، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 12 مليار دولار في 2017، و4 مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري.
ولدى الكويت استثمارات في الصين تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في الكويت 750 مليون دولار في 2017، وتركز معظمها في الشركات النفطية.
وقال وانغ، إن “إجمالي عقود المقاولات المتراكمة التي حصلت عليها الشركات الصينية في الكويت بلغ 20 مليار دولار، منها 3.6 مليار دولار في السنة الماضية”.
وتبني الكويت والصين مشروعاً مشتركاً يضم مصفاة لتكرير النفط، ومجمعاً لصناعة البتروكيماويات في غوانغدونغ بالصين، تبلغ كلفته نحو تسعة مليارات دولار.