قطع الإنترنت في الجزائر.. مصداقية للبكالوريا وضرر للاقتصاد
يسود الجزائر جدل حول قطع السلطات خدمة الإنترنت خلال امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة)، لمنع محاولات الغش عبر تسريب مواضيع الامتحانات.
ومنذ 2016، عمدت الجزائر إلى قطع الإنترنت خلال هذه الامتحانات، بعد تسريب ونشر امتحانات على شبكات التواصل الاجتماعي قبل إجرائها.
في ذلك العام، ألغت السلطات جزئيا امتحانات الثانوية العامة وأعادت إجراءها بسبب عمليات التسريب.
واعتبر مغردون على منصات التواصل الاجتماعي، أن السلطات لم تراعِ مصالح المواطنين والشركات المحلية والأجنبية العاملة في البلاد، التي صار الإنترنت من صميم عملها.
** حديث الخسائر
هون رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، في مؤتمر صحافي، السبت، من تأثير قطع الإنترنت على الشركات واحتمال تعرضها لخسائر.
واعتبر أن الحديث عن خسائر للشركات هو “أمر مبالغ فيه”، وأن هذا الإجراء “كان حتميا لحماية مصداقية امتحانات الباكالويا”.
وأضاف أويحيى، أن الشركات الجزائرية ليست مدرجة في بورصة “وول ستريت” بنيويورك، في إشارة إلى البورصة الجزائرية التي تعاني من ركود.
ومنذ إطلاقها في 1997، ظلت البورصة الجزائرية جسدا بلا روح، واقتصرت على خمس شركات فقط مدرجة فيها.
وقبل أيام أعلنت وزيرتا التربية (التعليم) نورية بن غبريط، والبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، هدى إيمان فرعون، قطع خدمة الإنترنت الأرضي والجوال خلال امتحانات الباكالوريا، لمدة ساعة خلال كل امتحان.
وتجرى امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) بين الأربعاء الماضي واليوم الإثنين، بمعدل اختبارين يوميا.
وتقدم أكثر من 700 ألف طالب وطالبة لأداء الامتحانات، وتم تخصيص أكثر من 18 ألف شرطي لتأمينها، وآلاف من أفراد الدرك الوطني (قوة تابعة لوزارة الدفاع)، بحسب وزارة التربية.
** دعوة للتكيف
ووفق وزيرة التربية فإن قطع خدمات الإنترنت يهدف إلى منع محاولات غش خلال امتحانات البكالوريا، وتفادي تسريب مواضيع الامتحانات ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وقللت “بن غبريط”، من الأثر الاقتصادي، وقالت إن عملية قطع الإنترنت معلنة مسبقا، وما على الشركات والأفراد إلا التكيف مع الوضع، وهو ظرفي لا يتعدى ساعة من كل امتحان.
وفي اليوم الأول من الامتحان، قالت الوزيرة إن شخصا نشر موضوع امتحان اللغة العربية بعد إعادة تشغيل الإنترنت، وتجري الشرطة تحقيقات لتحديد هويته.
ويوجد بالجزائر نحو 34 مليون مشترك في خدمة الإنترنت الجوال، وحوالي 4 ملايين مشترك في الإنترنت الثابت (الأرضي)، الذي تحتكره شركة “اتصالات الجزائر” الحكومية، ويبلغ عدد سكان الجزائر أكثر من 41 مليون نسمة.
وينشط في البلد العربي ثلاث شركات مشغلة للهاتف الجوال هي: “موبيليس″ (حكومية)، “أوريدو” (قطرية) و”جازي” (روسية بالشراكة مع الحكومة الجزائرية التي تستحوذ على 51 بالمائة من رأس المال).
وفي 20 يونيو/ حزيران الجاري، تداول نشطاء على “فيسبوك”، فيديو لحالة فوضى في مطار هواري بومدين الدولي بالعاصمة، الأكبر في البلاد، بسبب تعطل عملية الحجز والتسجيل للرحلات الدولية؛ جراء قطع الإنترنت.
** إلغاء البكالوريا!
ويواجه قطع الإنترنت انتقادات عديدة، بسبب تأثيره على الاقتصاد.
وقال رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين (مستقلة)، الطاهر بولنوار، على حسابه في “فيسبوك”، إن “إلغاء البكالوريا أقل ضررا على التنمية الوطنية من قطع الإنترنت… ولكن عندما ننظم الامتحانات بعقليات بالية”.
وأفاد مراسل الأناضول بأن قطع الإنترنت تجاوز فعليا الساعة، على عكس ما أعلنته السلطات.
وعلى سبيل المثال، امتد قطع الإنترنت، السبت الماضي، من 08:00 بالتوقيت المحلي (07:00 ت.غ) إلى 11:00 بالتوقيت المحلي (10:00 ت.غ)، أي دام ثلاث ساعات.
** 30 مليون دولار خسائر
الخبير في مجال الاتصالات والتكنولوجيات الرقمية، يوسف بوشريم، قال إن “الحكومة كانت لها حلول عديدة غير قطع الإنترنت وتعطيل مصالح المواطنين والشركات”.
وتابع بوشريم، في حديث للأناضول، أن “الإنترنت هو تقنية يمكن بواسطتها محاربة الغش في امتحانات البكالوريا، وليس قطع الإنترنت لمحاربة الغش”.
وأوضح أنه “توجد تقنيات لتعطيل الشبكة فقط في محيط أماكن إجراء الامتحان، وتقنيات أخرى تكتشف أي موضوع يتم نشره على الشبكات الاجتماعية بمجرد تنزيله”.
وأضاف أنه أجرى عملية حسابية تقريبية للخسائر المحتملة لقطع ساعة من الإنترنت خلال كل امتحان (11 امتحانا خلال 5 أيام) بالنظر إلى المشتركين في الإنترنت الجوال وأسعار تسويق الخدمة.
وأردف بوشريم، أن “العملية أظهرت أن ساعة واحدة من قطع الإنترنت خلال أيام إجراء الامتحانات ينجم عنها خسائر بنحو 3.5 مليار دينار على الأقل، أي حوالي 30 مليون دولار”.
وأوضح أن “الأفراد والشركات تعرضوا لخسائر جراء هذا القطع، وخاصة وكالات السياحة والأسفار وشركات الطيران، بعد أن تعذر عليها إجراء عمليات الحجز والتسجيل”.
وأشار الخبير الجزائري إلى أن الشركات المشغلة للهاتف الجوال تشتري الإنترنت من “اتصالات الجزائر”، ولم تعلن الأخيرة أي طريقة لتعويض هذه الشركات.
بدورهم لم يعلن مشغلو الهاتف الجوال عن أية آلية لتعويض الزبائن المقدر عددهم بعشرات الملايين.
واعتبر بوشريم، أن “السلطات الجزائرية متناقضة فهي تقطع الخدمة، ودعت بالمقابل إلى تنظيم ملتقى بعنوان (الجزائر مدينة ذكية)، وهو مشروع لتنظيم جميع مناحي الحياة في العاصمة عموده الفقري الإنترنت”.
واعتبر أن “لجوء السلطات إلى قطع الإنترنت هو اعتراف ضمني من طرفها بعجزها عن التحكم في هذه التكنولوجيا”.
وتساءل مستنكرا: “كيف لها إذن أن تتحكم في الجرائم الإلكترونية (؟!)”.
** طلب تعويض
فيما طلب رئيس الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة)، مصطفى زبدي، من مشغلي الهواتف الجوال واتصالات الجزائر (الإنترنت الأرضي) “تعويض الزبائن عن الـ 11 ساعة التي قطع خلالها الإنترنت”.
وقال زبدي، للأناضول، إن “الجمعية تطالب الحكومة بإيجاد البدائل لإجراء امتحان الباكالوريا في جو هادئ نظرا لأهميته الكبيرة، وفي الوقت نفسه تفادي قطع الإنترنت”.
وكشف أن الجمعية أجرت استفتاء على صفحتها في “فيسبوك” بشأن قطع الإنترنت خلال امتحانات الباكالوريا، فأعرب 85 بالمائة عن رفضهم، بينما وافقت النسبة المتبقية.