لماذا لم يعد السيسي يخاف من غضب الشعب؟.. خبراء يجيبون
في أقل من شهر رفعت الحكومة المصرية أسعار 12 خدمة وسلعة أساسية آخرها البنزين والسولار والبوتغاز والمازوت بنسب تتراوح من 40 إلى 66 بالمائة، قد سبقها رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق 250 بالمائة، والكهرباء 26 بالمائة ومياه الشرب 46 بالمائة، وغيرها من ارتفاعات بتراخيص السيارات بنسبة 200 بالمائة واستخراج جوازات السفر 150 بالمائة، وتعريفة التاكسي والمواصلات الداخلية بنسبة 30 بالمائة.
ورغم ارتباط هذه الزيادات بحياة المواطن البسيط، إلا أن القرارات مرت بهدوء، باستثناء اعتراضات شهدتها القاهرة ردا على ارتفاع أسعار مترو الأنفاق، وهو ما علق عليه الخبير الاقتصادي الأممي إبراهيم نوار بصفحته على “فيسبوك” بالغيبوبة الاجتماعية.
وأضاف: “الناس في مصر أصبحوا مغمى عليهم اجتماعيا بسبب صدمات الأسعار المتكررة والتقلبات اليومية للأسواق”. وأردف قائلا: “مع زيادة حالة الإغماء الاجتماعي واتساع نطاقها، ستزيد محاولات الهروب من الواقع بالمخدرات، أو الانتقام من الواقع بالجريمة، أو الانتقام من النفس بالانتحار”.
وما ِأشار إليه نوار كان مثار تساؤلات لعدد من الخبراء والمحليين عن أسباب الجرأة التي يتحرك بها رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي في أخطر الملفات التي كان يخشاها سابقوه من الرؤساء، وكانت أحد أسباب الثورة على مبارك، ولماذا لم يعد السيسي يخشى من ردة فعل الشعب المصري، الذي أصبح على موعد كل صباح مع ارتفاع جديد بالأسعار.
من جانبه، أكد المتخصص بعلم الاجتماع السياسي سيف المرصفاوي لـ “عربي21” أن “السيسي مهد الطريق جيدا خلال السنوات الماضية لاتخاذ مثل هذه القرارات، وكانت البداية بشيطنة الإخوان المسلمين ومواجهتها بكل السبل الأمنية الإجرامية أو القضائية وكذلك الاقتصادية، والإعلامية، باعتبارها القوة الأكثر تأثيرا بالشارع المصري، ثم جَيّش كل وسائل وإمكانيات الدولة لمواجهة الأصوات المعارضة الأخرى واتهامها بدعم الإرهاب”.
وأضاف المرصفاوي أن “السيسي يؤسس لمدرسة جديدة في الديكتاتورية تقوم على الجرأة والسرعة، بصرف النظر عن ردود الأفعال، معتمدا على آلة إعلامية تستطيع تشويه أي مخالف له حتى لو كان من مؤيديه، إضافة لجهاز أمني شرس يستمتع بالانتهاكات، ولديه شهوة غير طبيعة للدم”.
وأشار إلى أن “نجاح السيسي في شل حركة الإخوان، ثم ما جرى مع رموز سياسية وعسكرية من المفترض أن لها قوة في مواجهته، كسامي عنان وعبد المنعم أبو الفتوح، ثم فصائل المعارضة المخالفة له، وأخيرا تنحية وزير الدفاع المحصن بحكم الدستور، كل هذا منحه قوة بطش جعلت الشعب كامنا ويكتفي بالاعتراض داخل الغرف المغلقة فقط”.
واستكمل المرصفاوي قائلا إن “أخطر ما أسسه السيسي في الحالة المصرية الجديدة، ليس فقط السكوت، بل وكذلك انتظار البلاء بشيء من الرضا، بعد أن قسم الشعب، ورغم أن الجميع في الهم سواء، فالمعارضون له منذ البداية يشمتون مثلا في الذين دعموه ويكتوون الآن بنيرانه، علما بأن الزيادات على الجميع، ولعل هذا أخطر ما طرأ على الحالة المصرية الراهنة”.
إلى ذلك، قال الباحث السياسي الدكتور أسامة أمجد لـ”عربي21″ إن “السيسي استطاع خلال السنوات الماضية أن يشكل الحياة السياسية حسب هواه بعد أن تخلص من كل شركائه في انقلاب تموز/ يوليو 2013، ثم خلق كتلة صلبة له من المنتفعين والأمنيين داخل البرلمان، وأزاح كل من يمكن أن ينافسه، وفي النهاية فرض الأمر الواقع على الشعب الذي لم يعد يقتنع بأية مبررات يقدمها له السيسي كما كان يحدث بالماضي”.
ونوه إلى أن “السيسي بعد الفوز في الولاية الثانية ثم إزاحة وزير الدفاع المحصن، يرتب لولاية ثالثة، إما بتعديل دستوري أم من خلال تكرار التجربة الروسية بإيجاد محلل له كما كان يفعل بوتين، وهو ما يمكن أن يكون اختبارا حقيقيا لمن تبقى من المعارضة المصرية، التي عليها تجاوز خلافاتها بشكل حقيقي وليس شكليا حتى تستطيع مواجهة القادم من السيسي، والذي بلا شك سيكون أسوأ”.
وعن غياب ردود الفعل الشعبية تجاه استمرار الزيادة بالأسعار، أكد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر عبد الحليم العشري لـ “عربي21” أن “الشعب المصري يعيش حالة من الخوف لم يشهدها من قبل، وما زال شكل الدم الذي سال خلال السنوات الماضية حاضرا في ذهنه بشكل كبير”.
وأوضح أن “القبضة الأمنية القوية للسيسي لم تجعل بيتا بمصر إلا وله مصاب بسببها، إما بالاعتقال أو القتل والتشريد والهجرة، وهو ما جعل الشعب يكفر بالثورات باعتبارها السبب في كل ما يجري له”، مشيرا إلى أن قاعدة “الضغط يولد الانفجار” حاضرة في المشهد، ولكن تحتاج لوقود يشعلها.
واختتم العشري بالقول إن “هذا الوقود يتمثل في القيادات السياسية والشعبية والدينية التي لها مكانة لدى الشعب، ولعل الهدف الأساسي للسيسي الآن عدم إيجاد هذه الشخصيات لعدم خلق الوقود الذي يخشاه، إلا أن الثورات أيضا أصبحت لا تحتاج إلى من يدعو لها وإنما أصبحت تشتعل بالدفع الذاتي”.