قصة العلاقة بين أم كلثوم وأحمد رامي
اصطحب محمد عبد الوهاب أّحمد رامي إلى أحد المسارح، فشاهدا فلاحين يرتديان جبة رمادية ويعتمران العمامة، وأمامهما في الوسط صبي لا يحرك ساكناً، كان يلف جسمه بعمامة ويغطيه بعمامة مشدودة على الرأس لا يحرك.
بدأ الصبي بتلاوة شيء من القرآن الكريم، ثم أخذ ينشد أبياتاً كان أحمد رامي قد كتبها قبل رحيله إلى فرنسا، كان الصوت يجسد الألم الفراق، وقد لحن الأبيات «أبو العلا» وطبعها على أسطوانة، وها هو الصبي يؤدي اللحن بأمانة، وفي أدق التفاصيل، ونهض أحمد رامي يصرخ مع الهاتفين، لقد بدأت رحلته مع أم كلثوم، منذ الآن، ولم يكن الصبي إلا فتاة ترتدي ثياب فتى…
رحلة إلى القاهرة
ولدت أم كلثوم في قرية «طماي الزهايرة» بالدلتا، والآخران هما والدها شيخ مسجد القرية وشقيقها، وفي اللقاء الأول بينهما «رامي وأم كلثوم» تطلب منه أن يكتب شعراً بالعامية، كي يفهمه الجميع فهي لم تستطع أن تغني الغناء السابق إلا بمساعدة الشيخ «أبي العلا»، وطلب الشيخ «أبو العلا» منها أن تذهب إلى القاهرة فرحلت إليها، وكان ذلك عام 1922، وبدأ أحمد رامي التعرّف إلى عائلتها، فكتب لها «خايف يكون حبّك لي شفقة» وغنتها بألحان صبري التجريدي، وفي نهاية الحفل جاءتها «صفية زغلول» زوجة رئيس الوزراء وطوقتها بذراعيها مهنئة.
سيرة
وتقصّ أم كلثوم بعض سيرة حياتها، فقد كان والداها يفضلان أن يرزقا بصبي، وكانت ولادتها ليلة القدر، فاعتبرت هبة من السماء، وعندما أرسلا «خالداً» إلى الكتاب، بكت وامتنعت عن الطعام، تريد الذهاب هي أيضاً، وحفظت القرآن ، وكانت ترغم أخيها على ترداد ما يدرسه على مسامعها، ولأن الوالد رأى ابنة الرسول الكريم في الحلم فقد سمّاها على اسمها.
ابنة العمدة اكتشفت جمال صوتها، فأخبرت أباها، الذي بدوره دعا بعض الأعيان، وتلت أم كلثوم بعض الآيات من القرآن الكريم، فاستحسنوا صوتها، ونالت على ذلك طبق مهلبية بالقشدة، وهو أول أجر تحظى به.
وسيطرت أم كلثوم على أحمد رامي، فكتب لها «إن كنت أسامح» وقد لحنها القصبجي، كما لم يلحّن من قبل، واستجاب الجمهور لصوتها الذي أصاب نقطة تدفق الألم، ونجحت الحفلة، وطبعت شركة «غراما فون» الأغنية، وأخذت أجراً عليها يقدر بـ 25 جنيهاً ووزّع منها أكثر من مليون نسخة.
وأمام هذا النجاح بدأت حملات التشهير والتعريض بها، واستخدمت منيرة المهدية نفوذها لتقود الصحافة حرباً عليها، واختارت أم كلثوم الصمت وردّت بالغناء، واستقبل الجمهور أغانيها بحماسة منقطعة النظير.
قطيعة
حدثت القطيعة بين أم كلثوم وأحمد رامي، فقد سرّب عبد الوهاب خبراً مفاده أن قصيدة «أخذت صوتك من روحي» قدّمت إليه، ورفضها، وجن جنون أم كلثوم، وابتعدت عن رامي، ليقاسي آلام الحبّ وعذابه، لكن الأمور عادت إلى مجاريها، بعد دخول أم كلثوم المستشفى لإجراء عملية جراحية، ويزورها أحمد رامي باكياً، طالباً السماح، وغنتّ أم كلثوم لأحمد رامي في حفل افتتاح الإذاعة المصرية «أخذت صوتك من روحي» وأصبح تقليداً أن تسمع الإذاعة في الخميس الأوّل من كلّ شهر، على صوت أم كلثوم، وتغص المقاهي من المحيط إلى الخليج، والناس تنصت إلى صوتها عبر الإذاعة.
وقد سألتها إحدى المذيعات عنه، فقالت: «إنه شاعري يحترق لينير طريقي»، ونجح فيلم «وداد» نجاحاً خارقاً، ودرّ عليها كثيراً من الأرباح، ودعي إليه أرقى الشخصيات، ووقف أحمد رامي يستقبل المدعوين، وبعد ذلك مباشرةً مات الملك فؤاد وتوّج فاروق، وغنت له «الملك بين يديك» لأحمد رامي، وتلحين السنباطي.
تحولات
تزوج أحمد رامي وأنجبت زوجته ثلاثة أطفال، وها هي تأخذ اثنين منهم وتغادر البيت بسبب أغنية «جددت حبك ليه» التي كتبها لها أحمد رامي. ويدخل القصر ويطلب إليها أن تطلق الكمنجاتي خلال عشرة أيام، وخلال ذلك يعلق الراديو أن الضباط الأحرار استولوا على السلطة، وغنّت أم كلثوم لضباط الثورة «مصر التي في خاطري وفي فمي» وهاج الجمهور مع الأغنية، وغنى عبد الوهاب «نشيد الحرية» التي منعها الملك فاروق غداة حرب فلسطين، وقد قال عبد الناصر «بإمكانكما أن توحدا الشعب، وهذا أكثر ما نحتاج إليه هذه الأيام».
تزوّجت أم كلثوم من طبيبها الدكتور الحفناوي، وجرت محاولة اغتيال عبد الناصر فغنّت له «أنت الغالي علينا»، وها هي تفتح إرسال إذاعة «صوت العرب»، لقد حشدت الشعب العربي بصوتها «فأرفع رأسك يا أخي العربي»، لقد غنّت في كلّ مكان وأنشدت «الفجر الجديد» احتفاء بالوحدة.
وداع
أعادت حرب أكتوبر إلى أم كلثوم شيئاً من العزة القومية وظلت أسابيع قعيدة الفراش وها هي القاهرة… العرب…جميعهم يودّعون الراحلة في مسجد عمر مكرم. لقد كانت أمة في شعب وشعباً في أمة… وبقي صوتها… هبة من الله لهذه الأمة.