قصة لاعب كرة قدم أفل نجمه فانتحر برصاصة داخل الملعب
على الرغم من أنه ألّف أحد أجمل الكتب في تاريخ كرة القدم، وعلى الرغم من أنه ينحدر من إحدى بلدان أميركا الجنوبية التي تعشق تلك اللعبة، وهي الأورغواي، إلا أن الصحافي والروائي والكاتب إدواردو غاليانو، يعترف بأنه صاحب أسوأ قدم رَكَلت الكرة.
غاليانو الذي غاب عن عالمنا، سنة 2015، وولد عام 1940، يعتبر أحد أهم كتّاب اليسار في أميركا اللاتينية، وأغلب مؤلفاته تركت صدى عالمياً، خاصة أنها ترجمت إلى أشهر لغات العالم، ومنها العربية التي عرّفت القارئ على قامته الأدبية، في كتب مختلفة، من مثل “ذاكرة النار” بأجزائه الثلاثة، وكتاب “الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية”، وكذلك كتابه المدوّي عن كرة القدم، والموسوم بـ”كرة القدم في الشمس والظل”.
في كتابه الذي يغطي، بطريقته الخاصة، مونديالات كرة القدم حتى مونديال عام 1994، ويتحدث فيه عن تعريفاته الخاصة باللاعب وحارس المرمى والحكم والمشجّع والهدف والمدرّب والملعب، وينقل فيه تاريخ كرة القدم، وكيف كان الصينيون يصنعونها من الجِلد ويحشونها بالقنّب، فيما صنعها المصريون القدامى، الفراعنة، من القش أو من قشور الحبوب، في مقابل قيام الإغريق والرومان بصناعة كرة القدم من مثانة الجاموس، ثم نفخها وحشوها، ينشئ غاليانو تقاطعاً ما، بين الرياضي والسياسي، في كتابه المذكور، حتى لتبدو اللعبة كما لو أنها انعكاس شفّاف لقضايا دولية.
يضحكنا غاليانو، عن غير قصد منه في كتابه المذكور، وهو الأديب المسكون بسخرية مرّة تقودها براعة قلم وثقافة موسوعية تاريخية قل نظيرها، خاصة في كتابه “ذاكرة النار” الذي جمع بين الوثيقة التاريخية، والفكر السياسي، والأسلوب الأدبي، إلى درجة يصرّح هو نفسه، بأنه لا يعلم إلى أي الأجناس الأدبية ينتمي كتابه!
يعترف غاليانو في كتابه عن كرة القدم، أنه كان صاحب “أسوأ قدم متخشّبة شهدتها ملاعب الأحياء في بلادي”. إلا أنه وقبل هذا الاعتراف، “يتلاعب” بالقارئ، حينما يفتتح كتابه بالقول عن نفسه إنه كان “جيداً” وكان “ماهراً” في كرة القدم. ليفاجئ القارئَ، بأنه كان كذلك، “في الليل فقط، أثناء نومي!”.
قصة انتحار لاعب كرة قدم في الملعب!
نعرف من كتاب غاليانو، أن كرة القدم كانت “لعبة الرعاع” ثم أصبحت “لعبة الأرستقراطيين” كما يقول. ويتحدث عن أنها لعبة كانت تخلّف عدداً كبيرا من الضحايا، في قرون سابقة، ذلك أنها كانت تعلب جماعياً بكثافة هائلة: “فقد كان شعبٌ بكامله، يتبادل ركل كرة القدم، ضد شعب آخر، ويدفعونها بالأقدام والقبضات نحو الهدف الذي كان في ذلك الحين، عَجَلة طاحونة قديمة”.
ويبدو أن المباراة كانت تستمر أياماً عديدة، مخلفة قتلى بين اللاعبين أو المتابعين، حتى اضطر الملك إدوارد الثالث، في عام 1349، إلى اعتبار لعبة كرة القدم “حماقة ليست لها أي فائدة”. أمّا الملك هنري الرابع، فقد أصدر مرسوماً ضد كرة القدم، عام 1410، وفعل الملك هنري السادس، الشيء ذاته، عام 1547.
ونعرف من “كرة القدم في الشمس والظل” أن ليوناردو دافنشي، كان من المتحمسين للعبة كرة القدم. أمّا ميكافيللي الشهير فقد كان من ممارسي تلك اللعبة التي كانت تضم (27) لاعباً في الملعب، كما يقول غاليانو.
وينقل غاليانو، إحدى القصص الحزينة من تاريخ كرة القدم في بلاده، الأورغواي، فيتحدث عن لاعب انتحر وسط الملعب الخالي من الجمهور، لأنه تم الاستغناء عنه وأفل نجمه ورافقه الحظ العاثر، فلم يعد بوسعه تسجيل أي هدف، وكانت “تفلت منه حتى السلحفاة، في الدفاع!”. فأطلق اللاعب “أبدون بورتي” النار على نفسه، سنة 1918، وفي يده الأخرى رسالة توضح سبب فعلته.
وكان بورتي، بحسب غاليانو، لاعب دفاع في نادي “ناسيونال” في الأورغواي، الذي لعب له أكثر من 200 مباراة، خلال أربع سنوات، متمتعاً بحب الجمهور الذي كان يصفّق ويصفّر له، إعجاباً وحماساً.
ويقول غاليانو، إنه تم إخراج بورتي، من الفريق الرسمي، بعدما أفل نجمه، فأخذ اللاعب يلحّ على فريقه ليعاود ضمّه إليه. ويؤكد المؤلف أن اللاعب لم يحقق أي شيء بعودته لفريقه، إذ بقي سوء الحظ يلاحقه، وصار الناس يسخرون منه في إشارتهم إلى أنه حتى السلحفاة تفرّ منه، إذا كان هو في الدفاع!
فتخلّص بورتي مما كان يعانيه، جراء أفول نجمه وعجزه عن القيام بشيء يحبّب الجماهير به، مجدداً، فأطلق على نفسه رصاصة ولقي مصرعه، وحيداً، في ظلام الليل، واختار المكان الذي كان يلعب فيه، وهو منتصف الملعب، وكانت الأضواء مطفأة و”لم يسمع أحد صوت الطلقة”، يؤكد غاليانو الذي قال إنهم وجدوا جثته عند الفجر، والمسدس بيده، ويده الأخرى تحمل رسالة.