طوارئ المشافي الجزائرية… مناوبات ليلية بلا أطباء ومرضى يبحثون عن علاج
وجد الثلاثيني الجزائري محمد عقون نفسه مجبرا على الانتظار في طابور طويل، لإجراء فحص مستعجل في المركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا الحكومي بوسط العاصمة الجزائرية، بعد ارتفاع حاد في نسبة السكري في دمه قبل الإفطار أدى إلى إغماءة نقله على إثرها أهله إلى المشفى غير أنهم فوجئوا بزحام شديد وغياب للأطباء، في مصلحة الاستعجالات التابعة للمشفى (قسم الطوارئ)، في ظاهرة متصاعدة بعد إضراب الأطباء “المقيمين” وفق تأكيد البروفيسور محمد غرينيك رئيس مصلحة الاستعجالات في مشفى مصطفى باشا، الذي يعد من أكبر المؤسسات العلاجية في الجزائر، والذي قال لـ”العربي الجديد”: “لا يتوفر في المناوبة الليلية سوى طبيبين يستقبلان ما بين 400 و450 من مرضى السكري وضغط الدم ومرضى القلب وضيق التنفس وضحايا حوادث المرور الذين يتوافدون على طوارئ المستشفى يوميا”، وهو ما يتكرر بمستشفى مايو بباب الواد غربي العاصمة الجزائر اذ يستقبل 100 مريض يوميا في الليل في ظل وجود طبيبين أو ثلاثة أطباء لاستقبال المرضى على مستوى مصالح الأنف والأذن والحنجرة والتوليد وطب الأطفال بحسب تأكيد يحيى دهار مدير المستشفى لـ”العربي الجديد”، فيما يستقبل مستشفى بارني بحسين داي شرقي العاصمة 200 مريض يوميا ويعاني من نفس الظاهرة كما يقول الأمين العام للمستشفى محمد براهيمي.
مقاطعة المناوبة الليلية
صعد الأطباء الذين لا يزالون قيد الدراسة في التخصص “المقيمون” من احتجاجاتهم بالتوقف نهائيا عن ضمان المناوبات الليلية في المستشفيات ومقاطعة الدوام ابتداء من 29 إبريل/ نيسان 2018 وحتى الآن، بعد توقفهم عن العمل الجزئي في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ويعيد المكلف في الإعلام بالتنسيقية الوطنية للأطباء المقيمين حمزة بوطالب أسباب إضرابهم إلى رفض الحكومة تنفيذ مطالبهم في إلغاء الخدمة المدنية (العمل في مستشفيات الجنوب لسنتين بعد إنهاء دراسة التخصص)، وعدم التجاوب مع مطالبهم بحق الإعفاء من الخدمة العسكرية، ومساواة الطبيبة بباقي العاملات في الدولة في الحصول على إجازة الأمومة، إضافة إلى حق التجميع العائلي للأسرة المكونة من زوجين أطباء، إضافة إلى تحسين التكوين وتوفير أدوات العمل داخل المستشفيات وتوفير الحماية أثناء المناوبة الليلية.
وبدأ إضراب الأطباء المقيمون، وهم من أكملوا دراسة الطب 7 سنوات وما زالوا بصدد دراسة التخصص، بتوقفهم عن العمل يوما واحدا في الأسبوع، ثم يومين، ثم أصبح إضرابا كاملا، بينما قاموا بمسيرات في وهران، ثم العاصمة، ثم قسنطينة، واعتصامين بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، كما يؤكد المتحدث باسم تنسيقية الأطباء المقيمين الجزائريين، محمد طيلب في تصريحات لـ”العربي الجديد”، مشيرا إلى أن مقاطعة المناوبة الليلية في كل المستشفيات هدفه لفت انتباه وزارة الصحة والضغط عليها لتلبية مطالب الأطباء.
ويعتمد نظام المناوبة الليلية في المستشفيات الجزائرية على الأطباء المقيمين بنسبة 80% وفق البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية للوقاية وترقية وتطوير البحث (جمعية غير حكومية تقوم بندوات دراسية للتوعية على مخاطر الأمراض المزمنة وكيفية الوقاية منها) والذي يؤكد لـ”العربي الجديد” أن مقاطعة هؤلاء الأطباء لنظام المناوبة الليلية أدخل المستشفيات الكبرى في مشاكل مع المرضى”.
وتلزم المادة 7 من المرسوم التنفيذي 09-393 الصادر في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 الممارسين الطبيين العامين في إطار المهام المخولة لهم بـ”الاستعداد الدائم للعمل، القيام بالمداومة التنظيمية داخل المؤسسات الصحية”.
وتنظم المادة 38 قدرا أدنى من الخدمة الإجبارية من قانون العمل الجزائري رقم 90-02 الصادر في فبراير 1990 في 16 مجالا ومنها المصالح الاستشفائية، المناوبة ومصالح الاستعجالات وتوزيع الأدوية، غير أن المكلف بالإعلام في تنسيقية الأطباء المقيمين، حمزة بوطالب يقول إنهم غير معنيين بهذا القانون باعتباره يشمل الأطباء العامين بينما هم أطباء قيد الدراسة في إطار التخصص، مضيفا أنهم لا يتحملون مسؤولية تأزم الوضع داخل المستشفيات خلال شهر رمضان، قائلا “وزارة الصحة هي المسؤولة عن الوضع، لأنها لم تستجب لمطالبنا، رغم أن إضرابنا عن العمل دخل شهره السابع، إلا أن الوزارة لم تجد حلولا للأزمة ” كما أضاف، غير أن رئيس عمادة الأطباء الجزائريين الدكتور بقاط بركاني محمد يدحض حديث بوطالب بالقول:” الأطباء المقيمون هم في الأصل أطباء عامون لأنهم أكملوا دراسة سبع سنوات التي تجعل منهم أطباء قبل أخصائيين وبالتالي فإن نظام المناوبة يعنيهم”.
وتعد المناوبة الليلية (24 ساعة عمل والراحة يومين) واجبة على كل مستخدمي الصحة سواء أطباء عامون أو أخصائيون، بحسب المرسوم التنفيذي رقم 97 – 437 الصادر في الجريدة الرسمية في نوفمبر/تشرين الثاني 1997 ويمكن لمدير المستشفى أن يستعين بالأخصائيين الذين يشتغلون لحسابهم الخاص للقيام بالمناوبة وفق ما أكده رئيس عمادة الأطباء.
معاناة المرضى
يتنقل المرضى من مشفى إلى آخر بحثا عن أطباء للعلاج بحسب تأكيد رئيس جمعية مرضى السكري فيصل أوحدة والذي قال لـ”العربي الجديد”، إن مقاطعة الأطباء المقيمين للمناوبة الليلية عقد وزاد من معاناة المرضى، إذ لا يداوم غير طبيبين أو ثلاثة أطباء في مشافي المدن الكبرى ليلا، بينما وضع المشافي في المحافظات الجنوبية أسوأ، قائلا إنه تنقل إلى أحد مشافي ولاية غرداية (تبعد 600 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة) في رمضان فوجد هذا المشفى متوقفا عن الاهتمام بالمرضى، لاسيما مرضى السكري بسبب غياب الأطباء بشكل تام، مضيفا لـ”العربي الجديد” أنه وقف على نقص وسائل العمل كأدوات قياس نسبة السكري في الدم وأجهزة الكشف بالأشعة.
لكن نقص أدوات العمل في مشافي الجنوب يعد من بين الأسباب التي أدت إلى الإضراب ورفض الأطباء المقيمين للخدمة المدنية بحسب الدكتور حمزة بوطالب، والذي أشار إلى أنهم طالبوا بتوفير الوسائل التي تساعدهم على ممارسة مهامهم، كونها لمصلحة المرضى، والتي يصفها البروفيسور خياطي بالضائعة، قائلا “إن الأوضاع داخل الطوارئ تشهد ضغطا لنقص الأطباء، داعيا وزارة الصحة لإيجاد حلول سريعة وإنهاء الأزمة”.
ودعت الوزارة قبل بداية شهر رمضان الأطباء المقيمين البالغ عددهم 15000 إلى التعقل والعودة للعمل تجنبا للوقوع في مشاكل مع المرضى بحسب المستشار الإعلامي بوزارة الصحة سليم بلقسام، مشيرا إلى أنه لا يجوز للأطباء المقيمين رفض المناوبة، ولجأت وزارة الصحة فور إعلان الأطباء المقيمين المقاطعة لتسخير الأطباء المتخصصين في كل من طبّ النساء والتوليد وأمراض القلب والجراحة العامة وضيق التنفس، لتغطية العجز لكن الأمر لم يحل وفق ما وثقته جولة ميدانية لمعد التحقيق في ثلاثة من أكبر مشافي العاصمة المزدحمة في ليل رمضان.
رفض إلغاء الخدمة
تؤكد تنسيقية الأطباء المقيمين أن نظام الخدمة المدنية فشل لعدم توفر أدوات العمل كأجهزة الكشف بالأشعة ومعدات التخدير والتعقيم في المناطق النائية، وهو ما يؤكده بوطالب، مشيرا إلى أن الأطباء المقيمين لا تتعدى أجرتهم الشهرية 50 ألف دينار جزائري (430 دولارا) وهو مبلغ زهيد، قد يذهب في ايجار شقة إذا لم يتوفر سكن وظيفي في الجنوب إلى جانب مشكلة أخرى متمثلة في أن الأطباء لم يتضح إن كانوا يتبعون إلى وزارة الصحة أو وزارة التعليم العالي.
وتنص المادة 4 من المرسوم لتنفيذي رقم 11-236 المؤرخ في 3 يوليو2011 الذي يتضمن القانون الأساسي للطبيب المقيم الذي صدر في العدد 38 من الجريدة الرسمية صفحة 14 سنة 2011 أن الأطباء المقيمين الذين يزاولون دراسة التخصص ينتمون لكلية الطب وتسيرهم المؤسسة الاستشفائية التي ينتمون إليها فيما يخص العلاج والرواتب والعطل، كما تسيرهم الكليات الطبية فيما يخص البيداغوجيا.
وقال وزير الصحة البروفيسور مختار حزبلاوي في رده على أسئلة أعضاء مجلس الأمة يوم 27 مايو 2018 إن الخدمة المدنية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها توفر الخدمات الصحية والعلاجية في المناطق ذات التغطية الصحية الضعيفة.
إجراءات عقابية
اتخذت وزارة الصحة إجراء عقابيا في 21 يناير/كانون الثاني 2018 تمثل في اقتطاع 90% من أجور الأطباء المضربين، ولم تكتفِ بهذا الحد بل لجأت للمحكمة الإدارية لإبطال شرعية الإضراب لكن الأمر لم يثن الأطباء في التراجع عن مطالبهم بحسب تأكيد الأطباء المضربين الذين التقاهم معد التحقيق، ولم يؤد الإجراء العقابي المتخذ ضد الأطباء المقيمين بخصم أجورهم إلى عودتهم إلى العمل، بل زاد من تأجيج الصراع أكثر، بحسب تأكيد الطبيبة وعضو التنسيقية الوطنية الأطباء المقيمين مريم حجاب التي قالت لـ”العربي الجديد” إن محاولات ردع الأطباء لم تأت بنتيجة بل زادت الوضع تعقيدا، مضيفة أنه كان من الأفضل للوزارة أن تفتح الحوار الجاد بدل العقاب، في خصم الأجور “رغم أننا كنا نضمن الحد الأدنى من الخدمة”.