قناة إسرائيلية تعرض مباريات المونديال للجمهور العربي
يشنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الفترة الأخيرة، حرباً ضروساً على الإعلام الإسرائيلي بشكل عام، ولا يتورع عن تصويره بأنه إعلام يساري ومعادٍ.
وبلغ هذا الهجوم أوجه الأسبوع الماضي، عندما استغلّ نتنياهو إقدام صحافية فلسطينية من الداخل على إعادة نشر تغريدة في “تويتر” عن الشهيد باسل الأعرج، رغم ضمها للعمل في هيئة البث الإسرائيلية، التي يفترض أن تبدأ عملها في 30 نيسان/أبريل، لتكريس نزع الشرعية عن الإعلام، الذي لا يسير وفق سياساته. وزاد نتنياهو الأمر بعدما افتعل، أمس السبت، أزمة ائتلافية مع وزير المالية في حكومته تهدد بحل الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات جديدة.
ومع أنّ الجدل الإسرائيلي الداخلي يتحدث ويتمحور حول تقييد حرية العمل الإعلامي في إسرائيل، بمفاهيم الخطاب الصهيوني، وحول شرعية العمل الإعلامي في الصحف والقنوات التي تعارض سياسات نتنياهو، وسرعته باتهام صحافيين إسرائيليين من قلب الإجماع الصهيوني بأنهم “يساريون متطرفون”، إلا أن هذا الجدل لا يعني بالضرورة، وفق آراء خبراء في الإعلام من الداخل الفلسطيني، أن الإعلام الإسرائيلي هو إعلام حر حقًا، أو غير مجند.
ويقول أستاذ الإعلام في الجامعات الفلسطينية عاطف سلامة: “لا أوافق على طرح أنّ الإعلام الإسرائيلي نزيه، ونتنياهو يريد أن يقيده ويهاجمه. هذه كلها مؤسسة واحدة وجميعها في خدمة نفس المشروع وبالتالي هو صراع بينهم. ولكن الإعلام نفسه ليس أقل إجرامًا من نتنياهو في حق الشعب العربي الفلسطيني، هم لا يختلفون كثيرا عن نتنياهو بمواقفهم في كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني، إن كان في المناطق المحتلة أو في الداخل. هو فقط مجرد صراع داخل إطار واحد على النفوذ والقوة. الإعلام يقوم بدوره الاحتلالي والإجرامي التعسفي تجاه الشعب الفلسطيني ومن هؤلاء الإعلاميين في إسرائيل يساريون”.
مع ذلك يلفت سلامة إلى وجود “خارجين عن السرب الإسرائيلي في الإعلام” ويقول: “من الجانب الفلسطيني والعربي وهو الذي يهمنا هناك بعض الاستثناءات القليلة مثل جدعون ليفي. ما الفرق بين مواقف نتنياهو وكل من يعمل في القناة الأولى الإسرائيلية في النهاية؟”.
ويضيف سلامة أنه “في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني لا يوجد فرق بين القناة الأولى وصحيفة (يديعوت أحرونوت) والقناة العاشرة الإسرائيلية وصحيفة (يسرائيل هيوم). لا يمكن أن يكون إعلامٌ حرّاً ما دام يدعم الاحتلال وقمع الآخر وسلب الأرض”.
أما الباحث والمحاضر في الإعلام، عبد الحكيم مفيد، فيوعز في حديث مع “العربي الجديد”، حرب نتنياهو على الإعلام أيضًا إلى حقيقة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، وتبدل النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية، ويرى أن ما يحدث اليوم في الإعلام الإسرائيلي: “مرده إلى حالة تاريخية إسرائيليًا بأن الإعلام يحسب على النخب التي حكمت إسرائيل في السابق، وكانت تعد على نخب حزب العمل، وعلى ما يسمى بالنخب البيضاء واليسارية. وقد قام نتنياهو باستثمار كل هذه الحقائق. نتنياهو استثمر ذلك. وفي عام 1998، قال جملته الشهيرة عن الإعلام والصحافيين (هم يخافون). هو يستعمل الهجوم على الإعلام بوعي تام أن مثل هذا الأمر يخدمه سياسياً أيضاً”.
وأضاف عبد الحيكم مفيد أن “استعمال مصطلح اليسار هنا ليست له علاقة بمفهوم الصراعات داخل المجتمع الإسرائيلي، صراعات النخب وصراعات المجموعات وصراعات الطوائف وصراعات سياسية. هذا هو واقع الحال ونحن نعلم أنه عندما يتعامل الإعلام الإسرائيلي مع قضايا أخرى، مثل القضايا الأمنية والسياسية والعرب، يتصرف ليس كمُجنَّد إنما كمُجَنِّد أيضا، لأنه جزء من المؤسسات العامة ومراكز قوة والقضاء والشرطة والأمن والاقتصاد والإعلام جزء منه. هذا هو مبنى مراكز القوة منذ عام 1948 حتى اليوم لم ينتهِ”.
وتتفق الإعلامية سناء حمود هي الأخرى مع هذا الموقف، وتضيف لـ”العربي الجديد” أنّ “قضية تصنيف الإعلام الإسرائيلي بأنه يساري مغلوطة من أساسها، والدلالة على ذلك اصطفاف الإعلام الإسرائيلي شبه المطلق إلى جانب سياسات الحكومة في كافة الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين، أو حتى خلال الأزمات السياسية على مستوى الإقليم، إلى درجة تبنيها القاموس اللغوي ذاته، فيصبح الجنود الإسرائيليون المعتدون (قواتنا) ومظاهر الاحتجاج لدى الفلسطينيين (أعمال شغب) والمقاوم الفلسطيني (مخرباً) وما إلى ذلك من خطاب منحاز تماماً”.
وتؤكد حمود أنه في السياق الإسرائيلي الداخلي، “واضح أن نتنياهو يسعى لإحكام قبضته على الإعلام الإسرائيلي، وهو ما يتمثل أيضا بإصراره على إبقاء العديد من الوزارات في قبضته ومن بينها وزارة الإعلام حتى فترة وجيزة، سعياً منه إلى تطويع العديد من المؤسسات تحت سلطته المباشرة لرسم وتنفيذ سياسات يمينية متطرفة”.
وبحسب سناء حمود فإننا لو “سلطنا الضوء على ما طرأ على الإعلام خلال السنتين الماضيتين منذ تشكيل حكومته وما هو متوقع خلال الفترة المقبلة لوجدنا تدخلات سافرة، وغير مسبوقة، ليس فقط في الإعلام الرسمي بل طاولت حتى الإعلام المستقل، حيث أنّه يسعى من خلال سن قانون جديد إلى استبدال هيئات إدارية مهنية بحكومية وإلغاء اشتراط الملكية الإسرائيلية على وسائل الإعلام المتلفزة في البلاد من خلال فتح الأبواب أمام مستثمرين أجانب من المتوقع أن يكونوا مقربين منه ومن توجهاته السياسية، لإسكات ما تبقى من الأصوات النقدية في إسرائيل، على غرار صحيفة (يسرائيل هيوم) التابعة للملياردير اليميني الأميركي المقرب من نتنياهو (شلدون إيديلسون) والتي توزع مجانا وتحتل أكثر من 50 بالمائة من نسبة القراء في البلاد، والتي لا يختلف اثنان على أنها ناطقة ليس بلسان حكومته فحسب بل بلسانه شخصيًا”.