طائرات غزة الورقية الحارقة تربك إسرائيل عسكريا وتقلق سكانها
أربكت الطائرات الورقية الحارقة، التي يطلقها فلسطينيون من قطاع غزة باتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع، إسرائيل على الصعيد العسكري وأثارت موجة قلق واسعة في صفوف الإسرائيليين، بسبب عدم قدرة حكومتهم على وقفها أو تقليص أضرارها.
وتشير معطيات رسمية إسرائيلية إلى أنه تم إطلاق أكثر من 600 طائرة ورقية حارقة من غزة باتجاه إسرائيل، خلال الشهرين الماضيين.
واستنادا إلى المعطيات الصادرة عن مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي، تم أسقطت نحو 450-500 من هذه الطائرات الورقية.
وأفادت ذات البيانات أن ما تبقى من طائرات سقط بالفعل بإسرائيل وتسبب بنحو 198 حريقا أتت على 2500 هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، ما أسفر عن خسائر مادية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.
وتستند فكرة الطائرات الورقية الحارقة على ربط فتيل من القماش المُغمور بالمواد الحارقة، كالبنزين والكاز، في ذيل الطائرات الورقية، وإشعال النيران فيها قبيل إطلاقها.
ويستخدم الفلسطينيون هذه الطائرات في محاولة للفت الأنظار إلى ما يجري في غزة من تردي للأوضاع الاقتصادية.
وخلافا للصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية تجاه إسرائيل وعادة ما تجد التنديد والاستنكار من المجتمع الدولي فإن الطائرات الورقية ما زالت بدون أي استنكار دولي باستثناء ما صدر عن المبعوث الأمريكي للاتفاقيات الدولية، جيسون غرينبلات، الذي وصفها في الخامس من الشهر الجاري بأنها “أسلحة عشوائية”.
وكتب غرينبلات في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”: “طائرات حماس الورقية المقاتلة ليست ألعابا غير مؤذية أو تعبيرات مجازية للحرية، بل هي حرب دعائية وأسلحة عشوائية”.
أنطوان شلحت، المحلل والخبير في الشؤون الإسرائيلية قال للأناضول، إن “هذه الطائرات تتسبب بحالة من الإرباك في إسرائيل، فمن ناحية فإنها سلاح جديد وغير متوقع ومن ناحية ثانية فإن أضرارها كبيرة”.
وأضاف شلحت: “الضرر الذي تتسبب به الطائرات الورقية مزدوج فهي من ناحية تسبب الحرائق وتنتج عنها أضرار مادية إسرائيل قادرة على تحملها ولكنها أيضا تسبب حالة من عدم الأمان والقلق في صفوف الإسرائيليين خاصة في المناطق المحاذية لقطاع غزة، وهو ما يزعج إسرائيل بشكل كبير ويحرج حكومتها”.
وخلال جولة لصحفيين نظمها مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي، الخميس الماضي، كشف ناداف ليفين، قائد الوحدة المختصة بالتعامل مع الطائرات الورقية في الجيش الإسرائيلي، عن أنه “تم اعتراض الطائرات الورقية من قبل طائرات إسرائيلية بدون طيار عالية المتانة والتي يمكن أن تصل سرعتها إلى أكثر من 150 كيلومترا في الساعة”.
وأضاف ليفين: “تم حشد جنود احتياط متخصصين بالطائرات بدون طيار ونجحوا في تقليل الحرائق خلال الأسبوع الماضي”.
ويعتقد شلحت أن الحكومة الإسرائيلية تواجه إشكالية كبيرة في تصوير الطائرات الورقية على أنها “إرهاب”.
وقال “إسرائيل لم تنجح في تأليب الموقف الدولي ضد الطائرات الورقية من خلال تصويرها على أنها إرهاب أو انها تشكل خطرا كبيرا على الشعب الإسرائيلي”.
وأشار إلى أنه من الواضح أن إسرائيل تواجه مشكلة مع الطائرات الورقية، لكنه استبعد أن تستخدمها كذريعة أو مسوغ لشن حرب جديدة على قطاع غزة.
ويتوعد مسؤولون إسرائيليون باغتيال الفلسطينيين الذين يقفون خلف إطلاق الطائرات الورقية.
ولفت شلحت إلى أن إحدى الوسائل التي يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي لوقف الطائرات هو استهداف الأشخاص الذين يطلقونها، لكن حتى الآن لا يوجد قرار رسمي إسرائيلي معلن باغتيال موجهي هذه الطائرات.
والسبت الماضي، أعلنت إسرائيل للمرة الأولى أن طائراتها استهدفت فلسطينيين كانوا يعدون طائرات ورقية لإطلاقها، دون أن يسفر ذلك عن وقوع إصابات.
وعلى الرغم من أن التكلفة المادية لتصنيع الطائرات الورقية متدينة جداً وقد تصل إلى مبلغ أقل من دولار أمريكي واحد فقط للطائرة الواحدة، إلا أنها تكبّد الجانب الإسرائيلي خسائر تقدّر بملايين الدولارات.
واعتبر بعض المراقبين الأمنيين فكرة الطائرات الورقية المشتعلة، “آداة مبتكرة للمقاومة السلمية (الشعبية)”.
وفي الجولة الصحفية جنوبي إسرائيل، قال داني رحاميم، من سكان تجمع (ناحال عوز) الإسرائيلي المتاخم للقطاع، إن “الطائرات الورقية تبرز كيف يمكن لجهاز بسيط وغير مكلف أن يسبب الكثير من الضرر”.
وتشتكي إسرائيل من أن المجتمع الدولي، بما في ذلك وسائل الإعلام الدولية، لا يتعامل بجدية مع الطائرات الورقية.
وقال مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي، في بيان سابق له، إنه “عندما تمت الكتابة عنها (الطائرات الورقية)، كانت هناك مقارنات ساخرة بينها وبين الطائرات الإسرائيلية المقاتلة من أجل التأكيد على الافتقار الظاهر للتناظر بين الجانبين وتقليل أهمية الموجة الجديدة من الإرهاب التي تؤثر على المنطقة الملاصق لغزة”.
وخلافا للخسائر الاقتصادية التي تسببت بها هذه الطائرات الورقية الحارقة، فإن لم يسجل حتى الآن وقوع أي قتلى إسرائيليين نتيجة لها.
ولكن إسرائيل التي لطالما تباهت بتطوير منظومات لاعتراض الصواريخ والقذائف، لا تجد حلال نهائيا للطائرات الورقية الحارقة، إلا أن رئيس الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، يولي ادشتاين، أعرب عن ثقته بأن تكنولوجيا بلاده ستجد حلا قريبا للمشكلة.
وقال ادشتاين، في تصريحات له الأربعاء، بعد إطلاعه على طائرة ورقية في مستوطنة سديروت (جنوب)، إن “الطائرات الورقية هي إرهاب بكل معنى الكلمة، ويجب علينا محاربتها بيد قوية، أنا متأكد من أنه بالتكنولوجيا الإسرائيلية سنجد حلا قريبا لهذه المشكلة”.
وفي السياق، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد اردان، الخميس في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، إن “الطائرت الورقية الإرهابية ليست لعبة أطفال بل قاتلة”.
وأضاف أردان “أتوقع أن يحبط الجيش منصات إطلاق الطائرات وإذا علموا أنها ترقى إلى قنبلة موقوتة، فلا شك لدي في أن الردع سيزداد وأن عدد هجمات الطائرات الورقية سينخفض”.
أما وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنيت، فقال الجمعة في تغريدة على “تويتر”، إنه “منذ أن سلمت إسرائيل غزة إلى الفلسطينيين عام 2005، أطلقوا علينا الصواريخ وشقوا الأنفاق والآن يريدون إحراق إسرائيل، إنه إرهاب بالحريق وإسرائيل ستنتصر”.
وبحسب موقع “واللا” العبري، فإن الطائرات الورقية الحارقة تسببت باحتراق مساحات زراعية تقدّر بأكثر من ضعفي ونصف المساحة التي التهمتها النيران في حريق الكرمل عام 2010 (أكثر من 30 ألف دونم- باعتبار الدونم يساوي ألف متر مربع)؛ شمالي البلاد.
ويطلق صانعي الطائرات الورقية المشتعلة، الذين باتت أعدادهم تتجاوز المئات، اسم “وحدة الزواري” على أنفسهم، نسبة إلى مهندس الطيران التونسي الذي أعلنت السلطات التونسية، بـ15 ديسمبر/ كانون أول 2016، اغتياله بمدينة صفاقس، جنوبي البلاد.
واتهمت حركة “حماس″ إسرائيل باغتيال “محمد الزواري”، الذي أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، أنه كان عضوا فيها.
وبدأت “وحدة الزواري” في العمل بشكل عفوي فردي من قبل عدد من الثوار لا يتجاوز عددهم الخمسة، بعد أيام من مسيرة “العودة وكسر الحصار”، والتي انطلقت فعالياتها في 30 مارس/ آذار الماضي.
وفي إطار مسيرات “العودة” يتجمهر آلاف الفلسطينيين، في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948.
ويقمع جيش الاحتلال الإسرائيلي تلك فعاليات مسيرة العودة السلمية بالقوة، ما أسفر عن استشهاد 127 فلسطينياً وإصابة أكثر من 13 ألف و600 آخرين.