انتحار وإغماءات بالثانوية العامة.. هل ينتهي كابوس طلاب مصر؟
شهدت مصر منذ بدء امتحانات الثانوية العامة الأحد الماضي، حالتي انتحار ومئات الإغماءات وآلاف الغيابات عن دخول الامتحان، بين طلاب الثانوية العامة، بسبب القلق الذي يسيطر عليهم.
وأقدم طالبان على الانتحار في الإسكندرية وكفر الشيخ، خوفا من الرسوب في الثانوية العامة، وعدم الاستعداد جيدا للامتحانات.
وأكد أقاربهما أنهما تعرضا لضغط عصبي وتوتر شديد قبل الامتحانات.
وتم نقل عشرات الطلاب للمستشفيات قبل الامتحانات وأثنائها، بسبب إصابتهم بإغماء أو تشنجات عصبية وحالات نفسية، فيما تغيب آلاف الطلاب جراء خوفهم من الامتحانات.
وأثارت الحوادث تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التوتر، وإلى متى ستظل الثانوية العامة كابوسا يطارد الطلاب؟ ولماذا يضغط أولياء الأمور على أولادهم لهذه الدرجة لتجاوز الامتحانات؟
غش بالقوة
وفي مشهد يعكس القلق الذي يسيطر على الطلاب وأقاربهم من الامتحانات، أصبح معتادا رؤية أولياء الأمور يتجمعون أمام المدارس لانتظار أبنائهم حتى انتهائهم من أداء الامتحان للاطمئنان عليهم.
وفي الجيزة، تسلق بعض الأهالي أسوار لجان الامتحانات للتواصل مع أبنائهم أثناء الامتحان، وتلقينهم الإجابات.
وفي كفر الشيخ، حاول بعض الأهالي اقتحام إحدى اللجان لتلقين أبنائهم الإجابات بالقوة، وأحدثوا حالة من الشغب، ما استدعى قوات الشرطة للتدخل والسيطرة على الوضع.
أرقام صادمة
وكانت دراسة رسمية نشرت في نيسان/ أبريل الماضي أن 21.5 في المئة من طلاب المرحلة الثانوية في مصر تراودهم فكرة الانتحار، بينما يعاني 29.3 في المئة، أعراضا نفسية، بينها القلق والتوتر والاكتئاب، وأن 19.5 في المئة بلغوا حد إيذاء النفس.
وأوضحت الدراسة أن 33.4 في المئة من الطلاب لجأوا للعلاج لدى طبيب نفسي، فيما لجأ 19.9 في المئة إلى الصيدلي، ولجأ 15 في المئة لنصائح الأصدقاء.
ولم تذكر الدراسة لماذا يفكر هذا العدد الكبير من الطلاب في الانتحار، بينما يقول خبراء إن الضغوط التي تمارسها أسر أبنائهم حتى يحصلوا على درجات عالية في الثانوية العامة تؤهلهم لدخول الكليات التي يرغبون فيها تؤدي إلى إصابة كثير من الطلاب بأمراض نفسية.
“بعبع الثانوية”
وفسر أستاذ الطب النفسي يسري عبد الحميد، ما يحدث بأن المجتمع ينظر للثانوية بمبالغة شديدة باعتبارها “بعبعا” ومفترق طرق.
وأضاف عبد الحميد، في تصريحات لـ”عربي21″، أن الحكومة مسؤولة عن إشاعة مناخ من التوتر في البلاد أثناء الثانوية العامة، عبر التحدث عن أهميته، والتحذير من المخالفة في الامتحانات، وتشديد قواعد القبول في الجامعات.
وأضاف أن وسائل الإعلام تساهم أيضا عبر التركيز على الامتحانات ونشر صور وفيديوهات من أمام المدارس والتحدث باستمرار عن الامتحانات بالتفاصيل كافة.
وأوضح أن الأسرة لها دور كبير في تخفيف الضغط العصبي عن الطلاب عن طريق التحلي بالهدوء، وعدم التحدث أمامهم كثيرا عن الامتحان، وبث جو من الطمأنينة في البيت، ومساعدة الأبناء على المذاكرة عبر تجنب أي توتر أو خلافات أسرية والتقليل من الزيارات العائلية في أوقات الامتحانات.
وتوقع عبد الحميد أن يقل الخوف من الثانوية العامة إذا ما نجحت الحكومة في تطبيق النظام الجديد للامتحانات، بأن تكون هناك طرق جديدة ومتعددة للتقييم بعيدا عن نظام الامتحان الواحد الذي يتوقف عليه مصير الطالب ومستقبله التعليمي والمهني.
ثقب أسود
وحول حالات الانتحار والإغماءات التي حدثت لمئات الطلاب بسبب خوفهم من امتحان الثانوية العامة قال مساعد وزير التعليم الأسبق طارق نور الدين إنه لا ينكر أحد أن الثانوية العامة هي بالفعل “بعبع” للطلاب ولأولياء أمورهم، مضيفا أنه في الوقت ذاته ربما كانت هناك أسباب أخرى أدت إلى الانتحار أو الإغماءات.
وأوضح أن القلق الذي يسيطر على البيوت سببه أن امتحان الثانوية امتحان الفرصة الواحدة، الذي يهدد بضياع مدخرات ومجهود الأسرة بأكملها طوال أكثر من عام كامل، مؤكدا أن هذا التوتر لن ينتهي إلا بتغيير نظام التقييم، واعتماد التقييم التراكمي للأنشطة والأبحاث والحضور والمشاركات طوال السنة الدراسية، بحيث يصبح امتحان نهاية العام تحصيل حاصل، ولا يتوقف عليه مصير الطالب.
من جانبه، قال الخبير التربوي عادل منير، إن الثانوية العامة في مصر تعد بمثابة “ثقب أسود” يبتلع طموح وأحلام ملايين الشباب منذ عقود طويلة.
وأضاف منير، في تصريحات لـ”عربي21″ أن الأهالي الذين يحاولون تسلق أسوار المدارس أو يستخدمون مكبرات الصوت لتلقين أبنائهم الإجابات الصحيحة يريدون أن يعبروا من هذا الامتحان الذي يمثل لهم عنق الزجاجة بأي طريقة، وبأي ثمن، حتى لا تضيع عليهم المبالغ الطائلة التي دفعوها في الدروس الخصوصية، ويخسروا العناء والجهد الذي تكبدوه لشهور طويلة.
وشدد على أن الثانوية العامة ستظل كذلك ما دام الامتحان يتم بالطريقة المتبعة ذاتها منذ عشرات السنين، بحيث يكون امتحان الفرصة الواحدة والورقة الواحدة والوقت الواحد.