تونسيون يطلقون حملة #مش_بالسيف للسماح لهم بالإفطار العلني في رمضان
عاد الجدل مرة أخرى مع دخول أول أيام شهر رمضان المبارك، إلى تونس، بشأن الإفطار العلني، بين من ينادي بضرورة التصدي إلى هذه الممارسة، وتطبيق القانون على المتجاوزين باعتبار أن رمضان مناسبة للتعبد والالتزام بشعيرة الصوم، ومن يدعو إلى ضرورة حماية حرية الأفراد وضمان حقهم في ممارسة معتقداتهم. خرجت مجموعة من الناشطين في حملة “مش بالسيف” (ليس بالإكراه)، للسنة الثانية على التوالي، إلى الشارع، في تونس العاصمة، للمطالبة بحرية الإفطار علناً، وعدم إغلاق المقاهي والمطاعم في شهر رمضان الكريم، وتكريس حرية الضمير، وفق قولهم. ونظَّم نشطاء الحملة وقفةً احتجاجية، الأحد 27 مايو/أيار 2018، أمام وزارة السياحة وسط العاصمة، للمطالبة بافتتاح المقاهي والمطاعم و”الحق” في المجاهرة بالإفطار. وخلال التظاهرة تناول المشاركون الطعام والشراب، وردَّدوا شعارات من قبيل “حلوا القهاوي” (افتحوا المقاهي).
“الأمن استفزنا فأردنا استفزازهم”
وقال عبدالكريم عبدالله، أحد المشاركين في مسيرة “مش بالسيف”، ومكون مجموعة “فاطر” على تويتر والفيسبوك، في تصريح لـ”عربي بوست”، إن “الأمن استفزَّ المفطرين بمداهمة المقاهي المفتوحة، وإيقاف المفطرين، خلال السنتين الماضيتين، لذلك قررنا مقاومتهم باستفزازهم والإفطار أمامهم، والمطالبة بالسماح لنا بذلك”. وأقرَّ عبدالله بأن المفطرين في تونس هم أقلية، ولهم أسبابهم للإفطار، ويكونون عادة إما مرضى ومجبرين على الإفطار، أو يعملون ولا يمكنهم بدء يومهم دون شرب القهوة والتدخين. وكانت وزارة الداخلية قد منحت ترخيصاً للوقفة الاحتجاجية “مش بالسيف”، التي تنظمها جمعية “المفكرين الأحرار” المدافعة عن المفطرين، لكنها طلبت لاحقاً من منظمي التظاهرة إلغاءها “لدواعٍ أمنية”، إلا أن المشاركين أصروا على التمسك بحقهم في التظاهر.
حملة تتواصل للعام الثاني على التوالي
الحملة انطلقت السنة الماضية، على إثر صدور أحكام بالسجن ضد أربعة أشخاص تعلقت بهم تهمة “المجاهرة بالفحش”، بعد أن قامت قوات الأمن بإيقافهم وهم يتناولون الطعام ويدخنون في إحدى الحدائق العامة، في شهر رمضان. هذا العام تعقّد الوضع أكثر مع تصريح وزير الداخلية بضرورة احترام الأقلية للأغلبية الصائمة في تونس، وتطبيق أمر قانوني، ما جعل ائتلافاً من 30 جمعية يردّ عليه بتنظيم وقفة احتجاجية، في 27 مايو/أيار 2018، للمطالبة باحترام حرية الإفطار في رمضان. وانطلقت مجدداً الحملة تحت نفس الوسم #موش_بالسيف، في شبكات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بفتح جميع المقاهي والمطاعم، على اعتبار أن الأكل والشرب في الطريق العام حرية شخصية، والعقيدة والإيمان حرية شخصية وروحية، وتونس للجميع بغض النظر عن الأديان. في هذا الشأن كتبت الناشطة اليسارية أسرار بن جويرة في حسابها الخاص على “فيسبوك”، مساندة لحملة “مفطري رمضان” في تونس: “قهوتي الصباح، قهوتك العشية.. رمضانكم حرية”، وتلتها فيما بعد بمنشورات داعمة للمفطرين.
أمر قانوني يقضي بإغلاق المقاهي خلال شهر رمضان
يأتي ذلك بعد قرار وزارة الداخلية باستئناف العمل بأمر قانوني صادر منذ 1981، يقضي بغلق المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية خلال شهر رمضان، وقد قال وزير الداخلية التونسي، لطفي برهام، خلال جلسة مسائلة أمام البرلمان، بتاريخ 18 مايو/أيار 2018، إن وزارته ستقوم بحماية شعائر الأغلبية المسلمة في تونس خلال شهر رمضان، وستطبق القانون، وتغلق كافة المقاهي في نهار رمضان، مضيفاً خلال رده على استفسار النواب داخل البرلمان التونسي، أنه على الأقلية أن تحترم شعائر الأغلبية المسلمة.
جمعيات حقوقية على الخط
وأمام هذا الجدل المتكرِّر، أطلقت جمعية حركة المفكرين الأحرار الحملة مجدداً، ودعت عبر صفحتها في موقع فيسبوك إلى المشاركة في المسيرة التي انتظمت يوم الأحد 27 مايو/أيار 2018، تحت شعار “كلنا من أجل دولة علمانية، كلنا من أجل تونس أفضل” للمطالبة بفتح المقاهي والمطاعم والأكل والشرب في الطريق العام كحرية شخصية، وبمدنية الدولة. ودعت جمعيات حقوقية تونسية في رسالة الرئاسات التونسية الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس نواب الشعب) إلى حماية “حرية الضمير والمعتقد”، بالإضافة إلى حرية المجاهرة بالإفطار في رمضان، ودعا الائتلاف المدني من أجل الحُريات الفردية في رسالته التي وجهها إلى السلطات التونسية، السلطات للامتناع عن انتهاك الحقوق الفردية تحت أي مبررات. وقال منسق الائتلاف المدني من أجل الحريات، الذي يدعم الحملة، جابر واجة، في تصريح لـ”عربي بوست”، إن الائتلاف المكون من حوالي 37 جمعية ومنظمة وطنية ودولية، يساند حملة “مش بالسيف”، ومع احترام حقوق المواطنين وعدم التمييز بينهم، لا على أساس المعتقد ولا الجنس ولا اللون.
“أقليّة معزولة لا تأثير لها”
وقدّر عدد المحتجين بالعشرات، حسب مقاطع فيديو نشرها رواد شبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلام محلية. وأكد الإعلامي والمدون التونسي زياد الهاني، في تصريح لـ”عربي بوست”، أن الناشطين المطالبين بالمجاهرة بالإفطار هم في حقيقة الأمر قلة معزولة، لا تأثير لهم، وهم ينكرون على تونس هويتها العربية والإسلامية، وقال: “أنصحهم بالتجول في المدن والقرى التونسية ليروا كيف ترتفع مآذن المساجد بلغة عربية أصيلة، وليتأكدوا من أن تونس، وبرغم كل الحضارات التي تعاقبت عليها بقيت عربية إسلامية”. وأضاف الهاني أن مطالب هذه الحملة، التي تُعتبر تعدياً على قدسية هذا الشهر المبارك، وعلى عموم التونسيين، لا علاقة لها بحرية الضمير.
تونسيون يرفضون
ونشر رواد شبكات التواصل الاجتماعي منشورات منددة بالمظاهرة التي نفذها المفطرون، وطالبوهم باحترام المعتقدات التونسية ومقدساتهم. في هذا الشأن اعتبر النائب عن حركة مشروع تونس المعارضة حسونة الناصفي، في تصريح لـ”عربي بوست”، أن مطلب السماح لبعض المفطرين بالمجاهرة بالإفطار غير معقول ولا يستقيم، دينياً ولا أخلاقياً، وما كان على نشطاء الحملة التظاهر أمام عموم الشعب المسلم، والأكل والشرب في نهار شهر رمضان. وأضاف أن الأخلاق التي نشأ عليها التونسيون لا تسمح بذلك، كذلك الدين والسلوك، وعلى المفطرين أن يستتروا. واعتبر النائب عن حركة النهضة، بشير الخليفي أن نشطاء الحملة لم يحترموا مشاعر عموم التونسيين، والمسلمين، ويقومون باستفزاز مشاعر الآخرين من خلال وقفتهم الاحتجاجية التي أكلوا خلالها. فيما شدَّد الناشط الحقوقي الصادق بن مهنى في تصريح لـ”عربي بوست”، على أنه يدعم حقوق الإنسان والحقوق الفردية مهما كان نوعها، بما فيها الإفطار العلني خلال شهر رمضان. وبالرغم من أن بعض المطاعم ومقاهي الفنادق تبقى مفتوحة خلال شهر رمضان، فإن الغالبية الكبرى تغلق أبوابها ولا تستمر في العمل إلا ليلاً.