لماذا قال الشعراوي عن أحمد شوقي: رضي الله عنه؟
قريش أرادت أن يهجو «حسان بن ثابت» النبى.. فلما أبصره قال: لما رأيت أنواره سطعت وضعت من خيفتى كفى على بصرى
كعب بن زهير «المهدر دمه»: إن الرسول لسيف يستضاء به.. مهند من سيوف الله مسلول.. فمنحه النبى بردته الشريفة تكريمًا له
البوصيرى بعد أن كتب «البردة».. النبى آتاه فى المنام.. ومسح على جسمه فتعافى من الشلل
أمير الشعراء.. شيخ الأزهر زاره فى مرضه.. بأمر من الرسول.. والشعراوى يقول عنه: أحمد شوقى رضى الله
كثيرون هم الشعراء الذين تسابقوا على نظم الشعر فى مدح الملوك والحكام عبر العصور والأزمان تقربًا وتوددًا إليهم، وطمعًا فى الإغداق عليهم بالأموال، فكان لهم ما أرادوا من حظ الدنيا، وعرضها الزائل، لكن قلة قليلة هم الذي حظوا بما هو أعظم من كل كنوز الدنيا، وارتقوا إلى مكانة لم يرتقِ إليها غيرهم من شعراء، بأشعارهم التي نطقت بمدح وحب النبي صلى الله عليه وسلم، فنالوا عظيم الشرف، بأن اقترن ذكرهم بذكره، وظهرت لهم من البشارات في الدنيا على عظيم الأجر في الآخرة.
حسان بن ثابت شاعر الرسول
حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، له العديد من الأشعار والقصائد، وهو من الذين عمروا في الحياة، عاش 60 سنة في الجاهلية، ومثلها في الإسلام.
عندما أرسلت قريش قبل إسلامه ليهجو الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقف على ربوة ينتظره، لينظر إلى صفة من صفاته ليهجوه بها، ومر عليه، فلما رآه انشرح صدره ورجع إلى القوم، وقال لهم: اللهم إني أشهدك أني أشهد أنه رسول الله، قالوا: ماذا دهاك، ما لهذا أرسلناك فأجابهم بقوله:
لما رأيت أنواره سطعت وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفًا على بصري من حسن صورته
فلست أنظره… إلا على قدري
غلبت على أساليبه الشعرية الاستعانة بصيغ القرآن وتشبيهاته، واتسم أسلوبه بالرقة واللين والدماثة، وهو أكثر ما يظهر في شعر الدعوة إلى توحيد الله وتنزيهه، وتهجين عبادة الأوثان، ووصف الشعائر الإسلامية، وذكر مآثرها وبيان عقاب المشركين وبعض ما مدح به الرسول أصحابه أو رثاهم به قوله:
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
وحين توفي النبي، قال مرثيته التي يبكيه فيها، منها:
بطيبة رسمٌ للرسولِ ومعهدُ
منيرٌ، وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمةٍ
بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ
وكان النبي يثني على شعر حسان، ويحثه على ذلك ويدعو له: “اللهم أيده بروح القدس”، وعطف عليه وقرَّبه منه، وقسم له من الغنائم والعطايا، وكان يقول له: “اهجُ قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل”، فأرسل إلى عبد الله ابن رواحة فقال: “اهجهم”، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت.
فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنَبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحقَ! لأفرينَّهم بلساني فرْيَ الأديم.. فقال رسول الله : “لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا، حتى يلخص لك نسبي”.
فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق!! لأسلنَّك منهم كما تسل الشعرة من العجين.. قالت عائشة: فسمعت رسول الله يقول لحسان: “إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله”، وقالت: سمعت رسول الله يقول: “هجاهم حسان، فشفى واشتفى”.
كعب بن زهير.. من هجاء الرسول إلى مادحه
كان كعب بن زهير ممن اشتهر بين شعراء العرب في الجاهلية، وأدرك الإسلام، وهجا النبي صلى الله عليه وسلم، فأهدر دمه، وهام على وجهه في الصحراء، يبحث عن قبيلة تجيره من القتل، لكن القبائل كلها، بما فيها قبيلته “بني ربيعة بن المزني”، رفضت أن تجيره، فنصحه أخوه بأن يذهب إلى النبي بالمدينة معتذرًا، فهو يقبل العذر ومن شيمه العفو.
فأقبل على مسجد الرسول، ووضع كفه في كفه وهو لا يعرفه، وقال: إن كعب بن زهير أتاك تائبًا مسلمًا فهل أنت قابل منه؟ أجابه: نعم. قال: فأنا كعب. فوثب رجل من الأنصار قائلاً: دعني يا نبي الله أضرب عنقه، فكفه النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
فقام كعب، وأنشد قصيدته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعتذر فيها له عما بدر منه، وطلب فيها العفو عنه، وختمها بمدحه صلى الله عليه وسلم وبمدح المهاجرين رضي الله عنهم واستهلها قائلاً:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيّم إثرها لم يعف مكبولُ
فأمر النبي من في المسجد كي يسمعوا، فحين وصل كعب لقوله:
إن الرسول لسيف يستضاءُ به مهندٌ من سيوفِ الله مسلولُ
فقام النبي وخلع البردة التي كان يرتديها ومنحها لكعب مكافأةً له لجمال شعره، ثم حسن إسلامه وأخذ يصدر شعره عن مواعظ وحكم متأثرًا بحكم القرآن وظهرت المعاني الإسلامية في شعره من أن الله هو رازق لعباده وغير ذلك.
ويقال إن معاوية بن أبي سفيان عرض عليه في خلافته شراء البردة منه بعشرة آلاف درهم، فرد عليه: ما كنت أوثر بثوب رسول الله أحدًا، فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم.
وهناك رواية تقول، إن البردة دفنت مع معاوية في قبره، لكن هناك روايات تؤكد أن الأمويين والعباسيين ومن بعدهم العثمانيين ارتدى جميع خلفائهم بردة النبي “الكعبية” (نسبة لكعب بن زهير) حتى بقيت في قصور بني عثمان حتى يومنا هذا.
البوصيرى.. صاحب البردة
ألهمت البردة الشعراء في كتابة القصائد في مدح النبي، وكان أبرزهم البوصيري الذي كتب قصيدته “البردة”، بعد أن رأى في المنام أن الرسول يمسح على وجهه بيده وباركه، وخلع عليه بردته.
وقد ذاع صيتها بين النّاس وهي تتألف من 160 بيتًا.
يقول فيها البوصيري:
محمد سيد الكونين والثقليـ ـن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
يقول البوصيري: كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما اقترحه عليّ الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج (الشلل النصفي) فأبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وقررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة، فانتبهت ووجدتُ فيّ نهضة، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحدًا، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا.
أحمد شوقى.. رضى الله عنه
عارض أمير الشعراء، أحمد شوقي قصيدة البردة بقصيدته نهج البردة (والمعارضة في الشعر تعني المحاكاة بأن تنظم قصيدة على ذات نسق قصيدة أخرى والموضوع ذاته والبحر الموسيقي ذاته والقافية أيضًا).
وقصيدة نهج البردة، من أطول قصائد شوقي، إذ تبلغ مائة وتسعين بيتًا، نسجها أمير الشعراء على أمواج البحر البسيط، وأفاضت فيها مشاعرها الفياضة تجاه الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان مطلع قصيدته:
ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
لزمت باب أمير الأنبياء ومن يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
علّقت من مدحه حبلًا أعز به في يوم لا عزّ بالأنساب والرحم
محمد صفوة الباري، ورحمته وبغية الله من خلق ومن نسم
لما مرض أمير الشعراء مرضًا شديدًا في أيامه ا?خيرة، فوجئ بخادمه يخبره أن فضيلة الشيخ محمد ا?حمدى الظواهري شيخ الجامع ا?زهر يريد لقاءه، فهب شوقي واقفًا، وهرول للقاء ا?مام ا?كبر، فلما قابله ورحب به سأله عن سبب تشريفه بالزيارة.
فكان جواب شيخ ا?زهر: جئتك مأمورًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد زارني النبي الليلة الماضية، وأمرني أن آتي إليك، وأخبرك أنه صلى الله عليه وسلم في انتظارك.
وبعدها بأيام قليلة توفي شوقي، ومنذ وفاته لم يكن الشيخ محمد متولي الشعراوي يذكره إلّا ويقول: لا تقولوا شوقي -رحمه الله-، ولكن قولوا : شوقي -رضي الله عنه-؛ فوالله لم يمدح النبي شاعر مثل ما مدحه شوقي بداية من سيدنا حسان بن ثابت وكعب بن زهير -رضي الله عنهما- إلى يومنا هذا حين قال:
أبا الزهراء قد جاوزت قدري
بمدحك بيد أن ليَ انتسابًا
فما عرف البلاغةَ ذو بيان
إذا لم يتخذك له كتابًا
مدحت المالكين فزدت قدرًا
وحين مدحتك اقتدت السحابا
يضيف الشيخ الشعراوى -رحمه الله-: ولم يدافع ويشرح ويوضح حقائق الإسلام مثل شوقي، وهو الذي جمع مبادئ الإسلام في بيت واحد فقال:
الدين يسر والخلافة بيعة
والأمر شورى والحقوق قضاء