العالم تريند

معهد إسرائيلي: تل أبيب تُزعزِع الوضع الراهن في الضفة.. حسم الصراع بالقوة مستحيل.. ومحمود عباس عامل في خفوت العنف

عربي تريند_ يحذر باحثان إسرائيليان مرموقان، خلفيتهما عسكرية، يعملان في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، من أن الحكومة الإسرائيلية تزعزع الوضع الراهن في الضفة الغربية، رغم التداعيات الخطيرة، ويشددان على استحالة حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بالقوة.

الدراسة: موشيه ديان كان يتوق إلى وجود سلطة احتلال غير مرئية قدر الإمكان، والسماح بحياة طبيعية للسكان الفلسطينيين، مع اتّباع سياسة معاقبة موزونة ومتطورة.

 يقول تامير هايمان وعيدن خدوري، في مقالهما المطوّل المشترك: “طيلة 40 عاماً، خلقت قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال التوازن الأمني المطلوب، في المنطقة التي تعيش فيها مجموعات سكانية متعادية إحداهما إلى جانب الأخرى”.

ويتابعان في مقارنة الحاضر بالماضي: “هكذا أيضاً منحت قيادة المنطقة الوسطى للمستوى السياسي مجالاً للمناورة ووقتاً، وحرّرته ليعمل في أمور أخرى. تعمل قيادة المنطقة الوسطى بمهنية وتواجه بنجاعة من حين لآخر عصياناً مدنياً وانتفاضات شعبية، وبالتزامن مع العمليات في الضفة الغربية. طوال السنين خلقت منظومة متوازنة وناجعة لمواجهة التحديات الخاصة الموجودة في هذا القطاع. وذلك على خلفية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني المعقد، والذي لا يوجد له اليوم حل يمكن رؤيته، مثلما لا توجد جاهزية لحل طويل المدى”.

ويناقش هايمان وخدوري عدداً من القضايا التي تجعل، برأيهما، المحافظة على الوضع الراهن في الضفة الغربية صعبة على ضوء إضعاف قيادة “المنطقة الوسطى” للجيش، وعلى رأسها نقل صلاحيات “الإدارة المدنية” لوزير الأمن الإضافي وزير المالية سموتريتش، وإخضاع حرس الحدود لوزير الأمن الوطني بن غفير. ويعتبران أن قيادة “المنطقة الوسطى” تختلف عن القيادات الأخرى لجيش الاحتلال بكونها مستقلة ولديها مجمل القدرات والصلاحيات للعمل في منطقة معينة مليئة بالسكان، من أجل الحفاظ على القانون والنظام وتوفير الأمن للسكان، ولمن يمرون في هذه المنطقة. ويقولان إن التوافق ما بين القوى، وفهم المسؤولية الشاملة وأساليب ممارسة المسؤولية يخلق تفرداً يمكن أن يؤدي تفكيكه إلى انخفاض جودة الاستجابة لتحديات السيطرة على الأرض و”العنف الفلسطيني”. ويحذّران من أن تآكل هذه الجودة يثير الأسف بصورة عامة، وهو خطير إزاء الوضع الخاص الذي تقف أمامه إسرائيل في هذه الساحة، في الوقت الذي تقف فيه المنظومة الفلسطينية أمام تغيير جذري على خلفية تعاقب الأجيال وصراع القوة في صفوف القيادة وتغيير متسارع في سياسة حكومة إسرائيل الحالية.

تعميق الاستيطان.. كارثة أمنية وتحديات سياسية

بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة مشروع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، والذي يضم اليوم أكثر من نصف مليون مستوطن، مع نقص الشرعية الدولية له، ومع إمكانية التصعيد الأمني نتيجة للاحتكاك المتزايد والعداوة بين المجموعات السكانية، يصعّب بلورة حلول سياسية قابلة للعيش وتحافظ على “الطابع الديمقراطي” واليهودي لدولة إسرائيل. كل هذا على خلفية الإصلاح القضائي، والذي من شأنه أن يقضي على الشرعية الدولية لإسرائيل في مواصلة المحافظة على الوضع القائم السياسي- الجغرافي في الضفة الغربية، وفي النهاية أن يقود إلى إنهائه، دون بديل ظاهر للعيان، باستثناء تصعيد أمني شديد.

الدراسة: المستوى السياسي الأمني انشغل في بلورة ردود للساحات التي اعتبرت تهديداً وجودياً لإسرائيل: سوريا، حزب الله، ولاحقاً إيران.

وضمن التحذير من خطورة خلط الحسابات، يقول الباحثان الإسرائيليان إن مجمل الخطوات الفعلية، والخطوات التي تلوح في الأفق في هذا الوقت، في أعقاب تطبيق توافقات مصدرها اعتبارات سياسية- ائتلافية، من شأنه أن يلحق كارثة أمنية بدولة إسرائيل، وفي الوقت ذاته أن يخلق أمامها تحديات سياسية ثقيلة.

اتفاقات أوسلو

وفي السياق العام يقول الباحثان الإسرائيليان أيضاً إن اتفاقات أوسلو، أو باسمها الرسمي “اتفاق المبادئ”، هي سلسلة اتفاقات وقعت من قبل إسرائيل و”م ت ف”، ما بين السنوات 1993 إلى 1995، بهدف إنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين بمصالحة سياسية وجغرافية. ويستذكران أنه على أساس “إعلان المبادئ بشأن الاتفاقات المؤقتة لحكم ذاتي”، الاتفاق الأول من بين اتفاقات أوسلو، شُكلت السلطة الفلسطينية، ونُقلت إليها صلاحيات في مجالات مدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك صلاحيات أمنية. ويضيفان: “هكذا، أصبحت السلطة الفلسطينية بنية تحتية تنظيمية لإدارة الكيان الفلسطيني (نوع من دولة على الطريق)، والتي لديها وزارات حكومية وصلاحيات عملية. كما يستذكران تقسيم الاتفاقات مناطق السلطة إلى 16 محافظة، منها 11 في الضفة الغربية. خلال ذلك قُسّمت الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ثلاث فئات، منطقة “أ”، والتي تشكل 18% من الضفة الغربية، تحت سيطرة مدنية وأمنية للسلطة الفلسطينية، ومنطقة “ب”، والتي تشكل 22% من الضفة الغربية، كمناطق تحت سيطرة مدنية للسلطة الفلسطينية وتحت سيطرة أمنية لإسرائيل، ومنطقة “ج” والتي تشكل 60% من الضفة الغربية تحت سيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية، وهي التي تضم المستوطنات.

التنسيق الأمني

ويستذكران أيضاً أنه في الأصل، نصّت اتفاقات أوسلو على إقامة 6 أجهزة أمنية للسلطة الفلسطينية، ولكن سرعات ما تطور 10-15 جهاز أمن منفصلاً. واقتضت هذه إقامة جهاز تنسيق أمني بين الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الفلسطينية هذه، بدأ بالعمل رسمياً في سنة 1996. خلال السنين، أثمر التنسيق الأمني إنجازات عديدة، ويشكّل وجوده مصلحة مهمة لكلا الطرفين، وبمساعدته يحافظون على الهدوء الأمني في الضفة الغربية. يتم معظم التنسيق على يد الإدارة المدنية، وهو يشمل بالأساس تنسيقاً على المستوى الميداني بين أجهزة المخابرات، وتنسيقاً بين أجهزة “الشاباك” المتوازية، وبين أجهزة الرقابة المدنية، من خلال تعاون مع قائد المنطقة الوسطى، الذي ينسق زمنياً هذه التنسيقات في مقر القيادة”.

حكومة نتنياهو السادسة

وينبّه الباحثان الإسرائيليان إلى أن سياسة حكومة الاحتلال الـ 37، كما تنعكس في الاتفاقات الائتلافية في مطلع العام، تنعكس في عدد من الخطوات التي ستؤثر بصورة دراماتيكية على سلوك قيادة “المنطقة الوسطى”، وفي أساسها: نقل الصلاحيات عن الإدارة المدنية للوزير في وزارة الأمن (باتسلئيل سموتريتش)، وإخضاع حرس الحدود لوزارة الأمن الوطني، وتوسيع مشروع الاستيطان اليهودي بوساطة “شرعنة الاستيطان الشاب”، أي اعتراف قانوني بالبؤر غير القانونية.

ويمضيان في تحذيرهما من تغيير الواقع في الأراضي الفلسطينية جذرياً: “كل هذا، على خلفية اقتراح “الإصلاح القانوني”، والذي لو تم تمريره كما هو سيعطي لحكومة إسرائيل قوة لتطبيق هذه السياسة عن طريق سن تشريعات ولوائح، لن يكون بالإمكان الاعتراض عليها أو فسخها. يدور الحديث عن خطوات من شأنها أن تغير جذرياً الواقع في الضفة الغربية، مثلما تشكل خلال السنوات الأخيرة”.

مغزى انتهاكات الاحتلال

ويشير هايمان وخدوري أنه في نهاية 56 عاماً من “السيطرة العسكرية الإسرائيلية” على الضفة الغربية، وإزاء الخطوات التي تنفذها الحكومة الـ37 وتنوي تنفيذها، مطلوب أن نفحص مغزاها، مثلما سيتم التعبير عنها على الأرض.

وقبل ذلك يحللان العناصر المختلفة التي مكنّت قيادة “المنطقة الوسطى” من المحافظة على الاستقرار النسبي على مرّ السنين، والتي من جانبها سهّلت على إسرائيل تطوير مشروع المستوطنات المزدهر، وكذلك مواجهة انتفاضتين فلسطينيتين “الانتفاضة الأولى والثانية”.

كما يتناول المقال الظروف التاريخية والخطوات التي شكّلت المنظومة القائمة في قيادة “المنطقة الوسطى”، وكذلك الأركان التي تمكن من تأسيس هذه المنظومة، وسط إشارة لتأثير خطوات الحكومة الحالية على مستقبل هذه المنظومة، وعلى قدرة قيادة المنطقة الوسطى على تنفيذ دورها.

الدراسة: غياب سياسة واضحة للمستوى السياسي اقتضى من القيادة العسكرية أن تفهم وتفسر نواياه بوساطة رسائل وتصريحات، لا عن طريق أوامر واضحة.

إدارة معركة دون هدف سياسي

وفي هذا المضمار يقولان إنه، خلافاً لباقي قيادات جيش الاحتلال، فإن لقيادة “المنطقة الوسطى” صلاحيات ومسؤوليات شاملة في الضفة الغربية، حيث تتوفر لها القدرة على استخدام القوة، وأيضاً جوانب من بناء القوة وتشكيل السياسات. ما دام الحديث يدور عن الضفة الغربية. وعن ذلك يضيفان: “بالطبع إلى جانب السلطة الفلسطينية المسيطرة على الفلسطينيين في مناطق “أ” و ”ب”، توجد لقيادة المنطقة الوسطى صلاحيات تشريع، وقضاء، وذراع تنفيذية، تشكل نوعاً من العالم المصغر لسلطات الدولة الثلاث، وتمكن سيادتها وتنفيذ خطوات إستراتيجية واسعة لا تحدث في قيادات أُخرى. هكذا، وخلافاً لباقي القيادات، والتي تشكل بالأساس عاملاً تنفيذياً، فإن قيادة المنطقة الوسطى هي صاحبة السيادة في منطقتها، وهي المسؤولة عن بلورة الأهداف التكتيكية والإستراتيجية على الأرض”.

ويقولان إنه، منذ بداية الاحتلال الذي يسميانه “السيطرة العسكرية”، كان التأكيد على إدارة المنطقة الوسطى، وليس على بلورة اتفاق سياسي طويل المدى. ويستذكران أن موشيه ديان، وزير الأمن في الفترة التي أعقبت حرب 1967، كان يتوق إلى وجود سلطة احتلال “غير مرئية” قدر الإمكان، والسماح بحياة طبيعية بقدر الإمكان للسكان الفلسطينيين مع اتّباع سياسة معاقبة موزونة ومتطورة.

 ويشيران أيضاً إلى أن هذه السياسة تم اتباعها من قبل وزراء الدفاع، طوال السنين، في محاولة لإقامة “حكم مستمر”، وتطبيق فلسفة عدم التدخل في الحياة الروتينية للسكان المحليين التي اتبعها ديان، قدر الإمكان في إطار السيطرة الأمنية.

إخماد حريق

وطبقاً لهايمان وخدوري، اعتبرت قيادة “المنطقة الوسطى” نفسها مسؤولة عن “إخماد الحريق”، وكبح “جهات محرضة”، مع تجنب خلق نقاط احتكاك ستوقد المقاومة تجاه إسرائيل في المجتمع الدولي. ويواصلان مقاربتهما المشتركة بالقول: “هكذا، فإن القيادة طورت رؤية تنظيمية عن الساحة نابعة من سياسة المستوى السياسي، والتي تضمنت عدداً من الجوانب الأساسية: توازنات أمام نشاطات الفلسطينيين، وتقليص ارتفاع ألسنة اللهب في حالات ونقاط احتكاك بهدف منع إشعال العنف، وتوازنات ما بين توسع المشروع الاستيطاني اليهودي، وبين مناطق تحت ملكية فلسطينية، وكذلك فصل السلطة الفلسطينية عن قطاع غزة في عهد ما بعد اتفاقات أوسلو”.

 ويدعيان أن الموقف الرسمي لحكومة الاحتلال، والذي، كما يبدو، لم يتغير منذ 1967 وحتى اليوم، يقول إن إسرائيل تضع يدها على المنطقة التي احتلتها، حيث جزء منها ورقة مساومة للتوصل إلى اتفاق سياسي لحل النزاع العربي– الإسرائيلي. وفي المقابل، يقولان إن المستوى السياسي الأمني الإسرائيلي انشغل في بلورة ردود للساحات التي اعتبرت تهديداً وجودياً لإسرائيل: سوريا، “حزب الله”، ولاحقاً إيران.

ويضيف الباحثان أنه وسط تجاهل وجود جهات إسرائيلية طمعت منذ اليوم الأول بضم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 أيضاً: «هكذا فإن القضية الفلسطينية بقيت تحت معالجة القادة الميدانيين بقيادة المنطقة الوسطى، من دون هدف سياسي بعيد المدى. في إطار إستراتيجية الحكم المستنير، تركزت الرسالة التي نقلت لقادة القيادة طوال السنين على منع التصعيد، وعلى: ضعوا بطانية على النار، واهتموا بأن تظل منخفضة».

وضمن مزاعمها، يعتبر الباحثان أن غياب سياسة واضحة للمستوى السياسي في دولة الاحتلال، طوال السنين، اقتضى من القيادة العسكرية أن تفهم وتفسر نواياه بوساطة رسائل وتصريحات متخذي القرارات، وليس عن طريق أوامر واضحة، على خلفية رسائل متناقضة في مرات عديدة، على رأسها التناقض ما بين توسيع مشروع المستوطنات، وبين المحافظة على فضاء الاحتمالات لحلول سياسية. ويقولان إنه داخل هذا الفضاء كانت القيادة تتوق لاستمرار “الوضع القائم” في الضفة الغربية على طول السنين، والذي جوهره المحافظة على الاستقرار الأمني في المنطقة، ومحاولة “شراء وقت” إلى أن تتبلور الظروف التي ستقود إلى حل سياسي بعيد المدى عبر المحافظة على فضاء الاحتمالات للمستوى السياسي تجاه الساحة الفلسطينية.

الدراسة: القيادة تتوق لاستمرار “الوضع القائم” في الضفة، والذي جوهره المحافظة على الاستقرار الأمني، ومحاولة “شراء وقت” إلى أن تتبلور الظروف التي ستقود إلى حل سياسي بعيد المدى.

رؤية استخدام القوة لدى قيادة “المنطقة الوسطى”

سجلت قيادة “المنطقة الوسطى” لصالحها نجاحاً لا بأس به في السيطرة على الضفة الغربية، طوال حوالي 56 عاماً، حوالي نصف هذا الوقت بمشاركة السلطة الفلسطينية، وبالتنسيق معها، أي أنها نجحت، بدرجة كبيرة، في جعل المنطقة مستقرة وفي كبح انتفاضات فلسطينية.

 ويزعمان أنه، بعد الانتفاضة الثانية، تبلورَ شيئاً فشيئاً في إسرائيل فهم بأن القوة ليست الوسيلة الوحيدة في محاربة العنف: في أساس هذه الرؤية كان التفكير بأن القوي فقط قادر على احتمال ضربات والرد عندما يجد ذلك مناسباً.

أي رد فوري وسريع هو تعبير عن ضغط وشعور إلزامي بالرد، حتى وإن كان ذلك ليس صحيحاً. بناءً على ذلك، فإن استخدام القوة وعدم استخدامها هي خطوات استكمالية في خلق وعي القوة لإسرائيل في حربها ضد العنف. هذا الفهم ينعكس أيضاً في التصريح الدارج: “إسرائيل سترد في المكان، وبالقوة التي تراها مناسبة”.

وطبقاً لمقال هايمان وخدوري، انعكست الرؤية المذكورة في أقوال قادت قيادة “المنطقة الوسطى”، بخصوص الحاجة للقيام بتوازنات ما بين استخدام قوة شديدة وبين كبح ذاتي والاستيعاب، بين الجزر والعصي. من جانب مطلوب العمل ضد التنظيمات بيد قاسية، مع التأكيد على المستوى الميداني لقيادة “المنطقة الوسطى”، وبالمقابل، يجب خلق عوامل كابحة اقتصادية واجتماعية تقلل الدافعية لدى التنظيمات.

وتزامناً مع دعوات إسرائيلية لشن عملية “سور واق” جديدة، يضيف الباحثان الإسرائيليان: “حظي الدمج ما بين عوامل ناعمة وقاسية، من أجل خلق توازن، بانتقاد في أوساط قادة الرأي العام، سياسيين وعسكريين، ومَن يميلون إلى مقاربة محافظة صقورية. بالنسبة لهم، فقط القوة العسكرية هي الأمر المهم في الحرب ضد انتفاضة شعبية، فثمة حالات عديدة طوال التاريخ أظهرت أن محاولة حسم معركة كهذه، وخاصة عندما يكون في الخلفية مطامح وطنية، بوساطة استخدام قوة عسكرية فقط، محكوم عليها بالفشل. ثمة مثال على ذلك نجده في تداعيات عملية “الدرع الواقي”، في سنة 2002، والتي جرت في أعقاب موجة عمليات فلسطينية. في الواقع كان للعملية نجاحات عديدة في ضرب البنى التحتية لـلتنظيمات، وفي تقليل عدد العمليات في الفترة التي تبعتها، كما أنها خلقت حرية مناورة لقوات الجيش في كل أرجاء الضفة الغربية. ولكن اقتضى الأمر ثلاث سنوات أخرى منذ انتهاء العملية وحتى إنهاء الانتفاضة الثانية”.

الدراسة: بعد الانتفاضة الثانية، تبلورَ فهم بأن القوة ليست الوسيلة الوحيدة في محاربة العنف.

دروس حملة السور الواقي

وحسب هايمان وخدوري، فإنه، من وجهة نظر قيادة “المنطقة الوسطى”، تطورت، خلال هذه السنوات، نظرية الأرجل الأربع، وتجمعت عوامل دفاعية؛ جدار الفصل، وعوامل مدنية؛ تطوير الاقتصاد الفلسطيني، إعادة الشرطة الفلسطينية للعمل، واستئناف التنسيق الأمني. وبرأيهما كانت هذه العوامل حاسمة لإنهاء الانتفاضة الثانية، وأثبتت أن المعركة العسكرية وحدها لا تكفي من أجل هزيمة العنف. علاوة على ذلك، حتى بعد إنهاء الانتفاضة الثانية، فإن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لم ينته.

ثمة عامل آخر في خفوت العنف في السنوات التي أعقبت ذلك، وهو، برأيهما، تعيين محمود عباس في منصب رئيس السلطة الفلسطينية، في سنة 2004، بعد موت ياسر عرفات، وتفضيله النضال الشعبي على العنف.

بالإضافة إلى خطوات سياسية نُفّذت في تلك السنوات، وعلى رأسها نشر “خارطة الطرق” لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، في حزيران 2002، ومبادرة جنيف التي نشرت في سنة 2003، ومؤتمر أنابوليس، في سنة 2007، والتي تطرقت إلى البعد الوطني للمواجهة، وكذلك أعطت أملاً لمجموعات كبيرة في المجتمع الفلسطيني. “في نهاية المطاف يتمركز النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني المعقد حول قضايا وطنية، وتطلعات قومية فلسطينية، تشكل أرضاً قيمية ومعنوية لصعود العنف. لهذا، فإن مواجهة عسكرية وحدها لا تكفي لوقف العنف”.

ويقولان إنه بعد العملية، كانت الرؤيا الرائدة في إدارة المعركة في “المناطق الفلسطينية” هي “مواجهة محدودة”، من خلال إدراك القيود على استخدام القوة النابعة من اتفاقات سياسية، أي أن حرية عمل قيادة “المنطقة الوسطى” في الضفة الغربية كانت محدودة.

ويخلص هايمان وخدوري للقول إنه من أجل الحفاظ على استقرار أمني في الضفة الغربية، ومنع تصعيد يتم تحريكه على أساس أيديولوجيا وطنية عميقة، يجب استخدام عوامل أخرى من القوة إلى جانب القوة العسكرية، واستخدام القوة الناعمة.

ويقولان إن هذه الرؤيا قد وجهّت قيادة “المنطقة الوسطى” للعمل حسب مبدئين رئيسيين؛ فصل السكان المدنيين عن عوامل العنف، واستخدام القوة المطلوبة طبقاً لهدف محدد وطبقاً للوضع، تطلّعاً لتقليل استخدام القوة إلى الحد الأدنى المطلوب. كل هذا من خلال الفهم بأن استخدام القوة الذي يتجاوز المطلوب يخلق تصعيداً أمنياً، وكذلك يناقض مبادئ قانونية وقيمية دولية.

مشروع الاستيطان

علاوة على تحذيرهما من منح سموتريتش وبن غفير صلاحيات أمنية يحذّر هايمان وخدوري من تبعات تسمين الاستيطان:

البنود 118 – 127 من الاتفاق الائتلافي بين الليكود و”الصهيونية الدينية” تنص على أن الحكومة ستعمل على فرض السيادة في الضفة الغربية، وتفصل طرقاً مختلفة لترسيخ مشروع الاستيطان وتوسيعه وتقويته. خلال ذلك ينص البند 119 من الاتفاق الائتلافي على أن الحكومة “ستتخذ، خلال 60 يوماً من تشكيلها، قراراً بشأن تسوية المستوطنات الشابة”، أي تسوية بؤر استيطانية غير قانونية أقيمت دون موافقة الدولة، وجزء منها على أراض خاصة لفلسطينيين. لهذا، ففي شباط 2023، تقرّرَ، في جلسة للحكومة، تسوية تسع مستوطنات في الضفة الغربية.

الدراسة: عامل آخر في خفوت العنف؛ تعيين محمود عباس في منصب رئيس السلطة الفلسطينية، في سنة 2004، بعد موت ياسر عرفات، وتفضيله النضال الشعبي على العنف.

وفي مقالهما، الذي نشر قبل ساعات من العدوان الأخير على جنين، يمضيان في تحذريهما بالقول إن تسوية البؤر الاستيطانية غير القانونية على أراضٍ فلسطينية بصورة أحادية الجانب سوف يزيد الاحتكاك بين السكان الفلسطينيين والسكان اليهود في المنطقة، ومن المتوقع أن يزيد إحباط السكان الفلسطينيين، في أعقاب التغيير في مكانة الضفة الغربية، بصورة ربما تقود إلى تصعيد أمني، وبالتأكيد تطرح تحديات أمام قيادة “المنطقة الوسطى” في الجيش.

عدم وضوح

ويزعم الباحثان الإسرائيليان أن هناك عدم وضوح في ما يتعلق بالهدف بعيد المدى لدولة الاحتلال إزاء الساحة الفلسطينية، في حين أن مشروع الاستيطان وتوسيعه يمنع أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق مستقبلي ومثبت لحقائق على الأرض.

 ويقولان أيضاً إن قيادة “المنطقة الوسطى” بقيت مسؤولة عن إدارة المعركة دون هدف سياسي واضح، على خلفية زيادة الاحتكاك بين المجموعات السكانية، وكذلك أيضاً تقوية عناصر تعمل على تسريع التصعيد.

ويتابعان: “هكذا فإن استمرار توسيع الاستيطان سيقود إلى زيادة النقد على إسرائيل، ونزع الشرعية عن استمرار السيطرة العسكرية على الضفة الغربية”.

وكان زملاء لهايمان وخدوري قد حذّرا، في الشهور الأخيرة، من نشوء ما يسمونه واقعاً ثنائي القومية، نتيجة تسمين الاستيطان، ويعتبرون ذلك بداية نهاية الحلم الصهيوني.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى