باليوم العالمي لحرية الصحافة .. لماذا بقيت مصر بذيل القائمة؟
يأتي احتفال الأمم المتحدة في الثالث من أيار/ مايو الجاري باليوم العالمي للصحافة، في ظل أزمة شديدة تعيشها الحريات الإعلامية بمصر، زادت حدتها خلال النصف الأول من العام الجاري، ما دفع بمصر لتحتل مركزا متأخرا جدا في قائمة تقرير الدول الأكثر احتراما للحريات الإعلامية.
وطبقا لتقارير صحفية صادرة عن المركز العربي للحريات الإعلامية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، فإن التضييق على الصحافة تجاوز منع النشر وحجب المواقع ومنع المقالات والتوسع في الحبس، لمعاقبة المصادر السياسية التي تدلي بتصريحات صحفية، كما حدث مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، الذي حكمت عليه محكمة عسكرية مؤخرا بالسجن 5 سنوات لإدلائه بتصريحات لموقع “هاف بوست”.
وطبقا للتقارير ذاتها، فإن حالة جنينة كانت الأكثر فجاجة، حيث تم اعتقال الصحفي الذي أجرى الحوار والمصدر السياسي في وقت واحد، وكذلك ما جرى مع أم زبيدة التي ظهرت على قناة “بي بي سي” في فيلم تسجيلي عن الاختفاء القسري، وتحدثت عن ابنتها المختفية، فتم اعتقالها مع محاميها الناشط القانوني عزت غنيم، وأخيرا اعتقال رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح على خلفية لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة أجراه خلال وجوده بالعاصمة البريطانية.
من جانبه، عبر عضو مجلس نقابة الصحفيين ومقرر لجنة الحريات سابقا، خالد البلشي، عن حال الصحافة المصرية بقوله: “نفسي اشتغل صحافة مرة أخرى”، والبلشي الذي حصل مؤخرا على جائزة مانديلا للدفاع عن الصحفيين، أكد أن الدولة توسعت بشكل كبير في حبس الصحفيين، كما توسعت في غلق المواقع الإلكترونية وحجب أخرى، دون سند من القانون.
وأضاف البلشي، في عدة تدوينات على صفحته بـ”فيسبوك”، أن موقف النظام المصري الرافض لقرار اليونسكو بمنح المصور المعتقل محمود شوكان جائزة العام للصحافة العالمية يعكس وجهة نظر الحكومة المصرية في التعاطي مع الحريات الإعلامية.
من جانبه، يؤكد أستاذ الإعلام المصري، إبراهيم أبو المكارم، لـ”عربي21″، أن حالة الحريات الإعلامية شهدت تراجعا كبيرا في الفترة التي تلت انقلاب تموز/ يوليو 2013، وهو ما تمثل في غلق وسائل الإعلام المعارضة للانقلاب، ثم اعتقال الرموز الإعلامية والصحفيين البارزين الذين أعلنوا رفضهم للانقلاب، ثم زادت حدة المواجهة مع الصحافة باقتحام مبنى نقابة الصحفيين، في سابقة هي الأولى من نوعها خلال مظاهرات رفض التنازل عن تيران وصنافير، وإحالة نقيب الصحفيين وعدد من أعضاء المجلس للمحاكمة.
ويشير أبو المكارم إلى أن السيسي وضع على رأس الهيئات المعنية بالإعلام مجموعة من أتباعه، مثل مكرم محمد أحمد وضياء رشوان وكرم جبر وعبد المحسن سلامة، كما قام وبشكل معلن بشراء القنوات الفضائية البارزة عن طريق المخابرات العامة، ووسع من سيطرة الشؤون المعنوية والمخابرات الحربية على الصحف، سواء من خلال الإدارة أو التحرير.
ويضيف أبو المكارم أن هذه السيطرة جعلت المواطن المصري فريسة لإعلام موجه، كما حجبت هذه السيطرة الأصوات التي كانت تخالف سياسات الانقلاب، وهو ما عبر عنه السيسي خلال الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة بقوله، إنه كان يتمنى أن يكون معه إعلام مثل إعلام جمال عبد الناصر.
ويضيف الكاتب الصحفي المهتم بالدفاع عن حرية الصحافة، حسن البحيري، لـ “عربي21″، أن الأشهر الأولى من العام الجاري شهدت اعتقال ما لا يقل عن 50 من العاملين في الحقل الإعلامي، ما يقفز بالعدد الإجمالي للصحفيين المعتقلين لما يقرب من 120 صحفيا ومصورا ومعدا ومراسلا.
ويشير إلى أن التقارير الدولية المعنية بالحريات الإعلامية وضعت مصر في مقدمة القائمة السوداء في حرية الصحافة، سواء من حيث السيطرة على الصحف أو حجب المواقع أو اعتقال الصحفيين ومحاكمتهم بتهم مفبركة، وكذلك الإصرار على معاقبة صحفيين بعينهم مثل هشام جعفر وإبراهيم الدراوي ومحمود حسين ومجدي أحمد حسين ومعتز ودنان وعادل صبري.
ويضيف البحيري أن الأخطر في الحالة الإعلامية الحالية هو غياب التوازن الذي كان موجودا في السابق بين المؤسسات المعنية بالصحافة والإعلام، حيث أصبحت الهيئة الوطنية للإعلام، التي يرأسها مكرم محمد أحمد، هي الخصم والحكم ضد الصحفيين في وقت واحد، بينما غاب دور نقابة الصحفيين بعد سيطرة الأجهزة الأمنية على مجلس نقابتها، موضحا أن هناك أعضاء في مجلس النقابة، من بينهم نقيب الصحفيين، قاموا بالإبلاغ عن الصحفيين المهتمين بالدفاع عن زملائهم المعتقلين، كما حدث مع أحمد أبو زيد وأحمد عبد العزيز وحسام السويفي.
وتوقع البحيري أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الانتهاكات للحريات الإعلامية والصحفية، في ظل رغبة نظام السيسي بأن يكون هو الصوت الوحيد الذي يسيطر على عقول المصريين، ولأن المجتمع الدولي لا يقوم بواجبه ضد هذه الانتهاكات، فليس هناك من يقف أمام استمراره بهذه السياسية.