غموض وخوف وإحباط مع إعلان النظام الجديد للثانوية العامة في مصر
تتأهب أسرة محمد بأكملها لبداية مرحلة جديدة يصحبها التوتر والشد العصبي، كحال الكثير من الأسر المصرية، رحلة تمتد لثلاث سنوات تستعد لها الأسرة قبيل صيف العام الأول في المرحلة الثانوية، فمصير محمد سيتحدد بدءاً من تلك اللحظة.
حالة من الخوف والجدل سيطرت على أولياء أمور طلاب المرحلة الثانوية في مصر بعد إعلان وزارة التربية والتعليم عن تطبيق نظام الثانوية العامة التراكمية مطلع سبتمبر العام الجاري، والتي تعتمد على اختبار الطالب 12 امتحاناً خلال “3 سنوات”، إضافة إلى اعتبار مجموع الامتحانات الـ12 هو الطريق الوحيد للالتحاق بالجامعة المرجوة ما تراه بعض الأسر أمراً مرهقاً سيزيد من أعبائها في الدروس الخصوصية.
محمد دياب يحلم ليل نهار بالالتحاق بكلية الطب، بعد أن وضع هدفه أمام عينيه منذ بداية المرحلة الإعدادية، دائماً ما كان يتابع باستمرار تغير أنظمة التعليم وخصوصاً الثانوية العامة، فالتجارب التي تجريها وزارة التربية والتعليم في مصر على أنظمة التعليم ما تزال تصيب الطلاب بخيبة أمل وإحباط، والصدمة في بعض الأحيان
وبالرغم من أن العديد من هذه التجارب أثبتت فشلها لاسيما بعد خروج مصر من تقرير منتدى دافوس عام 2017 في التعليم، في الوقت الذي جاءت مصر فيه في المرتبة 129 في جودة التعليم، في تقرير مؤشر التنافسية العالمية من أصل 137 مرتبة، ومع هذا لم يتحسن نظام التعليم ولم تحدّث المناهج لمواكبة التطور المعلوماتي الهائل الذي يعيشه الطلاب في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي وفيض المعلومات على المواقع الإلكترونية، وبات مطالباً من الطلاب أن يستسلموا لهذه الدائرة المفرغة التي تدور بها منظومة التعليم المصري.
النظام الجديد لن يقضي على الدروس الخصوصية..
يرى محمد أن النظام الجديد لن يقضي على الدروس الخصوصية بل سيعمل على زيادة معدلاتها، بيد أنه استطاع بالكاد حجز مقعد فارغ في إحدى مجموعات التقوية والمعنية بتأهيل الطلاب للعام الدراسي الجديد، ولا يعلم إن كان النظام في صالح الطالب أم ضده لاسيما مع عدم توفر معلومات كافية عنه من قبل الوزارة.
وصرح محمد لـ”عربي بوست”، “أحبطت بشكل كبير بعد أن عرفت النظام الجديد ولا أعلم ما الذي ينبغي علي فعله، بعد أن قمت بحجز مكاني في الدروس التحضيرية للعام المقبل، ليس هذه الإشكالية الوحيدة ولكن الأزمة الحقيقة تكمن وراء المعلومات المتضاربة وغير المكتملة عن النظام حتى الآن،
متابعاً “لا أعلم عنه سوى أننا سنتسلم لوحاً إلكترونياً (تابلت) وستكون الامتحانات عن طريقه، هل سيكون هناك تغيير في المناهج، هل هناك تقييمات، هل ستكون الجامعات بالمجموع أم بالقدرات، أسئلة كثيرة تدور في رأسي وتحدد مستقبلي لا أجد لها جواباً”.
والدة محمد التي بدأت ومنذ الصف الثالث الإعدادي بالادخار لتجمع ما يكفي محمد من مصروفات أثناء مرحلة الثانوية العامة حالها كحال الآلاف من الأسر المصرية التي تتأهب لمرحلة الثانوية العامة لتتحمل ما تستلزمه من مصروفات الدروس الخصوصية، تخشى أن يضيع مجهود ابنها هباءً في ظل نظام جديد مبهم لا يجدي نفعاً مثل كل الأنظمة الفائتة التي طبقتها الوزارة وقامت بالتراجع عنها لاحقاً” على حد وصفها.
نظام التعليم الجديد الذي يعتمد على التراكمية في الدرجات ليس فقط ما يثير تخوف أولياء الأمور، لكن جزءاً أساسياً من مخاوفهم يكمن وراء توقعات بزيادة مصروفات التعليم وخاصة التعليم الحكومي الذي يعتمد عليه محدودو ومتوسطو الدخل في تعليم أبنائهم، بعد تصريح وزير التعليم باحتمالية زيادة المصروفات حيث قال في تصريحات له
خبراء تربيون ينتقدون النظام
لم يلق نظام التعليم الجديد المتوقع تطبيقه في سبتمبر العام الجاري استحساناً لدى الخبراء التربويين، سامي نصار عميد معهد الدراسات التربوية السابق علق على النظام قائلاً في تصريح لعربي بوست “لا نستطيع التطوير أو التغيير دون العمل على النهوض بالمرحلة ذاتها وتقويمها والتفكير فى تطوير الامتحان، والتطوير لا يعني أن تضع وزارة التربية والتعليم نظام تقويم لا يتسق مع استراتيجيات التعليم الحالية، فكان من الأولى تغيير المناهج العقيمة التي لا تتناسب مع الطلاب وفكرهم”
نظام الأمتحانات الذى بدا غريباً لأولياء الأمور والأساتذة، أبدى منه “نصار”، تعجباً قائلاً: إن الامتحان الإلكتروني يحتاج إلى تدريب الطلاب عليه بشكل يسمح لهم أن يخوضوا الامتحان النهائي بهذا النظام، لافتاً إلى أن هذا النظام من الامتحانات يعتمد على عدم وجود إجابة بعينها، وإنما يعتمد على ربط الطالب بين أكثر من موضوع فى إجابته واستنتاجه لهذه الإجابات.
رد الوزارة
من جانبه قال الدكتور حازم راشد، أستاذ المناهج ووكيل كلية التربية لشئون خدمة المجتمع بجامعة عين شمس ومدير مركز المناهج السابق في تصريح له على موقع اليوم السابع، إن مجرد التفكير في حل أزمة الثانوية العامة يعد موقفاً إيجابياً يستحق الإشادة به.
مضيفّاً أن مشكلة الثانوية العامة جذرية ممتدة لعشرات السنوات السابقة وتستفحل من وقت لآخر، ولكن لا بد وأن يكون التغيير في الجوهر وليس الشكل، لافتاً إلى أن مشكلة الدروس الخصوصية يمكن القضاء عليها في الثانوية التراكمية إذا شمل التطوير كافة عناصر المنظومة وليس التقويم فقط.
رفض واستنكار
وعقب الإعلان عن النظام تشكلت حملات وائتلافات لأولياء الأمور للتعرف على النتائج الأولية لحملة “رأي المجتمع”، التي تم إطلاقها لمناقشة ما تم عرضه من أفكار ومقترحات تخص نظام التعليم الثانوي الجديد أو المعدل المزمع تطبيقه العام المقبل، والتي شاركت فيها جميع فئات المجتمع من محافظات مصر بنسب مختلفة على مستوى 27 محافظة، وجاءت أعلى نسبة مشاركة أولياء الأمور بنسبة 79% من إجمالي التصويت، والطلاب بنسبة 11.70%، والمعلمين بنسبة 6.10%، والخبراء والمهتمين بنسبة 3.20% من إجمالي التصويت.
وتم التصويت على مدى تناسب وموائمة المناهج المصرية مع أفكار النظام الجديد من حيث التطبيق، حيث جاءت نسبة رفض مناسبة المناهج لتطبيق التجربة بنسبة 93.7% بأنها غير مناسبة، و2.1% مناسبة و4.2% ربما تناسب.
وقالت الأغلبية الرافضة، إن المناهج كارثية ولا يمكن تطبيقها على التجربة الجديدة من حيث الكم والكيف ويجب تغيير المناهج أولاً، ويرى البعض الآخر بتقليل الحشو الزائد أولاً ومراجعة المناهج وتنقيحها بما يتناسب مع المدة الزمنية للتدريس والمرحلة العمرية للطلاب قبل الشروع في التغيير.
مؤسسة صفحة “اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم” عبير أحمد أكدت هي الأخرى على حالة الارتباك والاستياء والغضب بين أولياء الأمور والتي ظهرت من خلال تعليقات ومنشورات أولياء الأمور على الصفحة.
وعلقت عبير في منشور لها “إن التصريحات الخاصة بنظام التعليم الجديد كانت متضاربة الأمر الذي أوحى لنا بشكل مؤكد أن النظام سيكون بمثابة تجربة تنجح أو تفشل، ففي 15 مارس نشر مجلس الوزراء كتيباً بعنوان “كتاب دوري إلى جميع الوزراء”، يتضمن جزءٌ منه تطبيق نظام الثانوية التراكمية “ثانوية التابلت” بداية من سبتمبر المقبل، تلاه نفي من وزارة التربية والتعليم، ثم انتشرت تصريحات لمجلس الوزراء عن وجود نظام جديد سيتم تطبيقه في سبتمبر المقبل خاص بالثانوية العامة، وهو ما أربك أولياء الأمور.