ما الذي استفاده نظام الأسد من “مماطلة” ترامب بالضربة؟
قال خبراء عسكريون إن تأخير الضربة العسكرية، التي هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد النظام السوري، يكشف عن محاولة “البحث عن مخرج” بعد ظهور معطيات يمكن أن تشعل فتيل حرب، فضلا عن استفادة النظام من هذا التأخير.
وكان ترامب أطلق تهديدات الاثنين الماضي بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وسعى لحشد حلفاء للمشاركة فيها أعلن عن مدة زمنية سيتخذ فيها القرار أقصاها 48 ساعة، ردا على مجزرة السلاح الكيماوي في بلدة دوما بالغوطة الشرقية.
لكن ترامب عاد بعد انقضاء الحد الأقصى للمدة التي حددها، وقال إنه لم يحدد موعدا للضربة “وربما قريبا وربما ليس كذلك”، وهو ما عده مراقبون تراجعا.
وعاد الرئيس الأمريكي أمس للقول إنه سيبحث مع مستشاريه العسكريين مسألة النظام السوري، و”سنتخذ قرارا في وقت قريب”، لكن الاجتماع انتهى مساء أمس دون قرارات تذكر.
وما يدلل على “المماطلة” الأمريكية من وجهة نظر الخبراء العسكريين أيضا تصريحات وزير الدفاع جيمس ماتيس، التي قال فيها إن بلاده ترغب في تجنب التصعيد العسكري بسبب الضربة، بالإضافة إلى البحث عن “دليل فعلي” لاستخدام الكيماوي، مع وصول مفتشي وكالة حظر الأسلحة الكيماوية.
إعادة تموضع
الخبير العسكري العميد الركن صبحي ناظم توفيق قال إن التراجعات الأمريكية في تصريحات ترامب وماتيس وغيرهم، تدل على أن هناك حالة من “المماطلة وشراء الوقت” لتجنب تنفيذ ضربة عسكرية.
وأوضح توفيق لـ”عربي21″ أن الولايات المتحدة أخذت على ما يبدو الموقف الروسي الرافض لعمل عسكري بشكل جدي، وعادت خطوة للوراء بعد تصريحات “متهورة لترامب”، كانت تشير إلى أن الضربة قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ على الأرض.
وأضاف: “الرد والتحذيرات الروسية وصلت إلى واشنطن، ويبدو أنها فهمت الرسالة من أن عملا عسكريا متسرعا، سيدفع بالأمور نحو التصعيد وربما نشوب حرب واستهداف متبادل بين الدولتين”.
وبشأن استفادة النظام السوري من “المماطلة” الأمريكية قال الخبير العسكري، إن النظام استفاد من تأخير وقوع الضربة في جانبين؛ الأول إعلامي بعد أن ظهرت أمريكا بمظهر “القيادة المتهورة التي تريد الضرب دون تفكير بالعواقب وقامت بالتراجع سريعا”.
والجانب الثاني بحسب توفيق: “استفادت دمشق من الناحية العسكرية بتوفير وقت كاف لإفراغ القيادات نحو قواعد عسكرية مؤمنة، وإفراغ المخازن وإخلاء المقرات إلى مواقع أكثر أمانا لتقليل الخسائر إلى أكبر قدر ممكن”.
وتابع: “هناك حديث عن إفراغ مقر ديوان رئاسة الجمهورية وأركان الجيش والمخابرات، بالإضافة إلى عمليات تخف وتغيير مواقع كما كان يفعل النظام العراقي، إبان فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين في مثل هذه الحالات”.
مفاجآت بوجه واشنطن
من جانبه قال المحلل العسكري العميد أمين حطيط، إن التسرع الذي قامت به الحلقة الضيقة حول ترامب لتنفيذ عمل عسكري، تركها أمام معطيات مفاجئة دفعها لإطلاق سلسلة تصريحات تتراجع فيها.
وأوضح حطيط لـ”عربي21″ أن الضربة كانت مقررة صباح الأربعاء، لكن كان هناك خشية من تدحرج الأمور وخروجها عن نطاق السيطرة لتصل النيران إلى “حليفتها إسرائيل” الأمر الذي دفعها للتراجع.
وأضاف أن: “أمريكا خشيت من رشقات صاروخية كبيرة لا تحتملها، علاوة على استهداف قواعدها العسكرية في سوريا والعراق، الأمر الذي سيخلف كلفة بشرية كبيرة من جنودها”.
وتابع: “هناك تسريبات وصلت من أطراف أوروبية بأن مناطق النفط ومضيق هرمز لن تكون بأمان الأمر الذي دفع القيادات العسكرية للتروي”، مشيرا إلى إن “واشنطن قادرة على بدء الحرب، لكن ربما لن تتمكن من وقفها بالطريقة التي تريدها وسيكبدها الأمر خسائر استراتيجية بالغة التأثير في المنطقة”.
وشدد حطيط على أن تمسك الولايات المتحدة على لسان وزير الدفاع جيمس ماتيس بتوجه محققي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى سوريا، يعني “بداية النزول عن الشجرة”، مؤكدا أن الضربة إذا لم تنفذ خلال الساعات المقبلة فستكون قد “طويت وتآكلت ولم يعد لها قيمتها”.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة لو كانت تريد تنفيذ عمل عسكري مشابه لقصف مطار الشعيرات قرب حمص العام الماضي لفعلت، لكنها كانت تبحث عن تحالف عسكري وحاولت حشد دول خلفها، لكن هذا الأمر “لا يمكن أن يتم بيوم وليلة، ويحتاج لاتصالات ومشاورات وترتيبات تأخذ وقتا زمنيا”.
ورأى أن لائحة الأهداف التي تريد أمريكا ضربها “كانت معلومة لدى النظام وحلفائه وقاموا بتدابير تخفف الخسائر أو ما يسمى عسكريا بالحماية سلبية، تشمل تغيير بعض المواقع وتحرك قيادات وقطع عسكرية، وكل ما يمكن أن يكون هدفا لواشنطن”.