السقايين..حارة مصرية خلدت مهنة اندثرت وألهمت صناع الفن
كانت مهنة لها قيمتها في الحياة المصرية حتى القرن العشرين، وتركت أثراً ملهماً لكتاب وصناع الدراما والسينما والغناء، بل كانت مضربا للأمثال الشعبية.
“ما تروحش تبيع المية في حارة السقايين”
“كان هذا مثل شعبي يتداوله #المصريون، وبقي كذلك حتى الآن، ويعني عدم التورط في مناقشة من هم أكثر علما في أمر يخص علمهم أو مهنتهم، وكانت رواية “السقا مات” ليوسف السباعي وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم.
كان السقاؤون وهم الذين يتولون تزويد منازل #مصر بالمياه، فئة انتشرت في ربوع القطر حتى دخول المياه للمنازل في القرن العشرين، وكانت لهم حارة يتجمعون فيها وينطلقون منها إلى العمل وتوزيع المهام، سُميت باسم “حارة السقايين” وتقع في قلب العاصمة المصرية #القاهرة.
وأوضح أبو العلا خليل، وهو باحث في التاريخ إن (حارة السقايين) المتواجدة بالسيدة زينب كانت أحد النقاط الأربع التي يتجمع فيها السقاؤون الذين ينقلون الماء على ظهور الحمير بالقرب من المداخل الغربية لمدينة القاهرة.
وأضاف لـ”العربية.نت” أن السقائين كانوا ينقلون المياه على ظهورهم وعلى الحمير كي يوصلوها للسكان والمواطنين، سواء في منازلهم أو مراكز عملهم، ويسقون المارة في الشوارع.
وأشار إلى أن هناك جماعة تسمى “حاملي المياه على ظهور الحمير”، ينقلون المياه إلى باب البحر في القاهرة، وهناك جماعة أخرى تنقل المياه لحي باب اللوق، وأخرى أيضا تتوجه إلى قناطر السباع.
وتابع أن هؤلاء السقائين كانوا يحرصون على التواجد بالقرب من مصدر المياه، وكانوا يجلبون الماء الصالح للشرب من الخليج الذي يشق القاهرة خلال فترة الشهور الثلاثة التي تلي فيضان النيل، ويجلبون المياه من النيل بغير ذلك الوقت، وبعد حصول السقائين على حاجتهم من المياه يتوجهون إلى عملائهم ويصبون المياه في الخزانات.
أما نظام محاسبة المستهلكين، فكان يتم بعدة طرق، أبرزها أن يقوم السقاء بكتابة خطوط على باب منزل العميل أو المشترك بعدد قرب المياه التي أحضرها، أو يستخدم عقودا من الخرز الأزرق يسحب منها خرزة عن كل قربة مياه يقدمها، وعندما تنتهي كل خرزات العقد يحاسب عن العقد كاملا.
ونوه الباحث المصري إلى أنه ومع التطور الحضاري، فقد استعان السقاؤون بالبراميل بدلا من قرب المياه، وبالخيل بدلا من الحمير.
وكان هناك في الشوارع ما يسمى “بسقائي الكيزان” وهي جمع كوز لتقديم المياه إلى العطاشى من المارة، كما كان هناك من يسمى “سقا شربة”، وهو اسم السقاء الذي يحمل قربته ويسير في الطرقات وينادي على العطشى ويقول “يعوض الله”، فيسمعه من هو بحاجة للماء.
ويضيف الباحث أن السقائين وبحكم دخولهم المنازل واطلاعهم على أسرارها كانوا ينقلون الأخبار والأسرار، وينتظرهم المصريون للحصول على الماء والأخبار معا، لكونهم كانوا يدخلون منازل ولاة الأمر والمسؤولين عن الحكم، بل كانوا في بعض الأحيان ينقلون رسائل الغرام بين العشاق والمحبين، ومن هنا استلهم كتاب السينما والغناء رواياتهم وأغنياتهم، وغنى محمد منير وشريفة فاضل وسيد درويش لهم.
المهنة اندثرت
وفي العام 1865، وخلال عهد #الخديوي_اسماعيل، كان هذا العام هو بداية النهاية لمهنة السقائين واندثارها، فقد أقيمت محطة لضخ المياه بالقرب من قصر العيني عند فم الخليج بالقاهرة، ومدت أنابيب المياه إلى كل مناطق العاصمة عن طريق شبكة من الصنابير بالطرق العامة، ورويدا رويدا تضاءل عدد السقائين واندثروا بعد دخول المياه لكافة منازل مصر ومناطقها ومديرياتها.
وختم أبو العلا خليل أن تلك المهنة صارت جزءا من موروث مصري لم يتبق منه سوى اسم الحارة التي كانوا يتجمعون فيها، وأغنيات عن دورهم، ورواية “السقا مات” التي أصبحت عملا سينمائيا يحمل نفس الاسم.