الرقص يجتاح مدارس مصر برعاية المسؤولين.. ما السبب؟
للمرة الرابعة خلال 10 أيام؛ تثير احتفالات طلاب المدارس والجامعات المصرية الجدل لما تخللها من أفعال تتنافي وقيمة العملية التعليمية؛ حيث استعانت مدرستان بالقاهرة والجيزة، براقصات لإحياء الحفلات، فيما رقص طلاب بجامعة “المنصورة” على الأغاني الشعبية، وظهر مقطع فيديو لمدرس يعلم تلميذا للدق على الطبلة.
واستعانت إدارة مدرسة “مودرن سكول” بالقاهرة، بخمس راقصات لإحياء حفل تكريم الطلاب المتفوقين، أمس السبت.
والأربعاء الماضي، شهد اليوم الرياضي لمدرسة الشهيد أحمد عبد العزيز الابتدائية ببولاق الدكرور بالجيزة، فقرة لمدرس يعلم أحد التلاميذ طريقة الدق على “الطبلة”.
والخميس، الأول من آذار/مارس الجاري، جلبت مديرة مدرسة “ليسيه الهرم”، ثلاث راقصات لإحياء حفل تكريم الطلاب المفوقين، وقامت وزارة التربية والتعليم، باستبعاد مديرة المدرسة.
وفي نفس اليوم، تحوّل مدرج بكلية الحقوق جامعة المنصورة (وسط الدلتا)، لصالة رقص شعبي، بحضور عميد الكلية، وأساتذتها، وذلك أثناء حفل تنصيب اتحاد الكلية.
وكان قد سبق تلك الوقائع أحداثا متشابهة، وانتشرت مقاطع فيديو مصورة لمدرس تاريخ بالمرحلة الإعدادية، يقوم بالتدريس على الأغاني الشعبية.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، ظهر مقطع فيديو لطالبات بدمياط (شمال الدلتا) وهن يرقصن على إيقاع الأغاني الشعبية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اعتمد معلم كيمياء على الإيحاءات الجنسية لتبسيط المعلومة للطلاب بمركز تعليمي بالشيخ زايد بالجيزة.
وبداية العام الدراسي 2017، رقصت طالبات جامعة القاهرة، رقصة “الزومبا” أمام وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، ورئيس الجامعة عثمان الخشت.
وفي أيار/مايو الماضي، استخدم مدرس فلسفة فقرات من السيرك للشرح كالتنورة مستعينا بمدربة تحمل ثعبانا بزي راقصة.
وفي آذار/مارس الماضي، ظهر مدير مدرسة حدائق المعادي القومية بالقاهرة وهو يرقص مع التلاميذ.
وفي تعليقه على بعض تلك الوقائع قال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، أحمد خيري، إن الوزارة تبحث عن بدائل لرفع الوعى الثقافي بين الطلاب بالمدارس.
انهيار العملية التربوية
وفي تحليلها لانتشار ظاهرة الرقص بالمدارس أو المؤسسات التعليمية والعلمية برعاة المسئولين عن التربية والتعليم، أكدت الباحثة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة فاطمة عبد الرؤوف، أن “ما يحدث هو بمثابة إعلان حالة انهيار التربية بهذه المؤسسات”، مشيرة إلى أن “تلك الحالة سبقتها تصدعات وشقوق كثيرة بهذا البناء التربوي المتهالك والذي لا يملك فلسفة واضحة للبناء والتربية”.
ووصفت عبدالرؤوف، بحديثها لـ”عربي21“، الحالة التعليمية والتربوية بقولها، إنها “مؤسسات تقدم تعليم رديء للغاية وفقط، مؤسسات تخلت عن بناء حلم للأطفال والشباب، مؤسسات تخلت عن بناء قيم رفيعة راقية يرى الشباب والأطفال من خلالها الحياة”.
وأضافت “ولأن الطفل والشاب لابد له من ثقافة ما تملأ هذا الجانب من وجدانه فكانت ثقافة الرقص والاستعانة براقصات محترفات وثقافة أغاني المهرجانات واشتراك الشباب بالرقص على أنغامها؛ أصبح هناك تناغم بين المؤسسة التعليمية وصالات الأفراح وما يقدمه الإعلام العربي من برامج وحوارات تحتفي بثقافة الرقص وتعلن عن المسابقات فيه وتحتفي البرامج الحوارية بالراقصات”.
وقطعت الكاتبة المصرية، بأنه “لو استمرت عملية الانهيار بهذه الوتيرة المتسارعة فربما نشهد قريبا مسابقات رقص رسمية معترف بها أو يتم استضافة الراقصات بالبرامج الثقافية للجامعات للحديث عن تجاربهن الملهمة”.
وأوضحت أنه “من الملاحظ أن الجامعات الدولية والمدارس الخاصة الأكثر شهرة هي من تبدأ بعملية زعزعة القيم بمجتمعنا وإحلال ثقافة مستهترة بديلة ومن ثم تتبعها باقي الجامعات والمدارس حتى تلك الإقليمية ذات الطابع الريفي المحافظ”، معتبرة أنه “أمر بالغ الخطورة”.
وانتقدت “انهيار المنظومة التعليمية وربطها بالإعلام الرخيص وثقافة الشارع المبتذلة حتى لا يتبقى منظومة واحدة تغرد خارج سرب إهدار طاقة شبابنا وتحويلهم لكائنات مستهلكة للفن الرخيص”.
صبيان الاستعمار
ويرى الباحث محمد عزب، أن تلك الحالة تكشف عورات الواقع الذي نعيشه من انهيار للمنظومة الأخلاقية والقيمية وضعف الولاء للمجتمع والانتماء للوطن، مذكرا بمقولة المفكر الدكتور عبد الوهاب المسسي، عن “الرقص والجسد”، والتي قال فيها إن “الإنسان الجسماني الاستهلاكي المنشغل بتحقيق متعته الشخصية يدور بدائرة ضيقة للغاية خارج أي منظومات قيمية اجتماعية أو أخلاقية, ولذا نجد أن ولاءآته للمجتمع وللأسرة تتآكل بالتدريج, كما أن انتماء مثل هذا الشخص لوطنه ضعيف للغاية إن لم يكن منعدما”.
وبحديثه لـ”عربي21″، قال عزب، إن “واقعة استدعاء راقصات شرقية بحفل مدرسي لا ينعزل عن حلقات الطعن بثوابت الدين مثل ما يقوم به (يوسف زيدان) و(إسلام بحيري) وغيرهما، بجانب تسليط الضوء على ما يسمى (الفالانتين) وما تبعه من واقعة القبلات بين طالب وطالبة وسط تصفيق الطلاب”.
وأضاف أنه “يتم استدعاء خطة (مخابرات عبد الناصر) القديمة؛ لصرف الشباب عن اعتناق العقيدة الإسلامية بإشاعة فتن الشبهات وفتن الشهوات”، مشيرا إلى أن “ما يحدث بمصر لا يمكن أخذه بمعزل عما يجري بالسعودية أيضا من علمنة عبر هيئة الترفية وإقامة الحفلات الغنائية والاختلاط”.
وأكد عزب، أن “كل هذا ينبئ عن تغييرات حادة ببنية المجتمع القيمية والأخلاقية خلال سنوات الانقلاب العجاف”، موضحا أن “ما فشل فيه الاستعمار من العبث بالهوية؛ لن ينجح فيه صبيانه بالوكالة”.
ويعتقد أن وقائع الرقص بالمدارس “ستظل حادثة معزولة جرت بمدرسة خاصة لجمهور متقبل لهذا النمط من الحياة العلماني”، مضيفا “ولا أظن أن ولي أمر محترم يرسل ابنه لمثل تلك مدرسة”، مؤكدا أنه “لم تفلح جيوش قنوات (التت) و(دلع) و(شعبي) وغيرها من قنوات الرقص عبر سنوات في صرف الناس عن الانحياز للتوجه الإسلامي بأكثر من استحقاق انتخابي”.