سائقة سيارة أجرة تونسية.. ثلاثة عقود من الصمود بمهنة رجالية
بابتسامة لا تفارق محياها، تتوقف سائقة سيارة الأجرة في أحد شوارع العاصمة التونسية، لتطل منها برأسها مشيرة لزبائنها بالصعود، قبل أن تضغط زر تشغيل عداد الأجرة، وتنطلق بذات الوجه المشرق.
خدّوجة بن سليمان، تونسية اختارت مجالا كان حكرا على الرجال، متحدية جميع ما تطرحه مهنة مماثلة من صعوبات، لتختار بذلك كسر المألوف، وصنع مسيرة مهنية استثنائية تستمر منذ 32 عاما.
** يوميات مشحونة نوادرا وصعوبات
في تمام الساعة السادسة من صباح كل يوم، تغادر خدوجة منزلها بمحافظة منوبة غرب العاصمة التونسية، لتبدأ يوما جديدا مفعما -كغيره- بالنوادر، وبالصعوبات أيضا.
رحلة عمل يومية دأبت خدوجة القيام بها منذ 32 عاما، وتنتهي في الثالثة أو الرابعة مساء، لتعود في نهاية اليوم إلى منزلها، محمّلة بقصص جديدة ونوادر غالبا ما لا تخلو منها رحلاتها عبر مختلف مناطق العاصمة.
وفي حديث مع الأناضول، تقول خدوجة: “أردت -مثل غيري من نساء هذا المجال- إظهار أن المرأة التونسية والعربية عموما، قادرة على أن تكون فاعلة في مختلف القطاعات المهنية”.
وأضافت أنه “لا شيء يمنع المرأة من أن تمتهن جميع المهن حتى تلك التي يعتبرها البعض صعبة، أو احتكرها الرجال”.
وبعودتها إلى البدايات، وتحديدا إلى سنوات عملها الأولى (منتصف ثمانينات القرن الماضي)، حين كان البعض يرفض ركوب سيارتها، وخصوصا الرجال وكبار السّن منهم، ممن كانوا يعتقدون أنها لا تتقن السياقة، وأن الرحلة معها غير مضمونة العواقب.
مواقف غالبا ما تدفعها إلى إبرام اتفاق “طريف” كما تقول معهم، لتقترح عليهم إيصالهم إلى وجهتهم، وفي حال عدم رضاهم عن الرحلة، فإنها لا تتقاضى أجرا عن عملها.أسلوب قالت إنها وجدت نفسها مضطرة لتبنيه، في محاولة لتغيير الصورة النمطية التي كان الناس يحملونها، حينها، عن النساء ممن يقررن اكتساح عالم يعتبرونه حكرا على الرجال.
ففي الفترة التي بدأت فيها خدوجة عملها، لم يكن هناك الكثير من النساء ممن يجرؤن على خوض مغامرة مماثلة، ما جعلها بمثابة “نشاز″ يكسر مشهد سيارات الأجرة الصفراء التي تزدحم بها شوارع العاصمة التونسية.
لكن، وبمرور الوقت، أضحى وجود إمرأة وراء مقود سيارة أجرة من الأمور العادية في مختلف أنحاء تونس، غير أن المهنة بالنسبة للنساء لا تزال تحتفظ ببعض المخاطر.
** “مهنة شاقة بحاجة لتأمين أكبر”
صعوبات بالجملة تواجهها مهنة سياقة سيارات الأجرة، وفق خدوجة التي تابعت:”هذه المهنة ليست هيّنة بل شاقّة وتتطلب يقظة كبيرة”.
وأضافت: “أنا أجهل هوية الركاب، وأحيانا أخشى أن يصعد شخص تحوم حوله شبهات، وقد أكون معرضة لعملية سطو أو اعتداء، وهذا ما يجعلني في أحيان كثيرة أنتقي زبائني، ولا أشتغل لساعات متأخرة من الليل”.
مهنة تتطلب “نفسا عميقا وصبرا كبيرا”، وهذا ما يجعل الاستمرار فيها أمر صعب، ويتطلّب عزيمة وإرادة قوية.
وطالبت خدوجة السلطات المعنية بـ”اهتمام أكبر بسائقي التاكسي، وبتأمين عملهم بشكل اكبر أيضا”.
** مغامرة تحوّلت لـ”غرام”
حين قررت خدوجة اكتساح عالم سيارات الأجرة ببلادها، لم يكن هناك الكثير من التونسيات ممّن اتخذن قرارا مماثلا.
“هناك نساء تونسيات سبقنني في هذا العمل لكن العدد في تلك الفترة كان ضئيلا جدا”، تقول خدوجة، “وهو ما دفعني وشجعني لخوض غمار هذه التجربة التي أعتبر أنها بمثابة المغامرة والتحدي، قبل أن تتوالى السنوات لتصبح مهنتي كل شيء في حياتي”.
ودعت السيدة التونسية جميع النساء إلى اختيار المجال الذي يعشقن مهما كانت صعوبته، وأن يتحّدين نظرة المجتمع وعدم الاهتمام بما يقوله الآخرون، والتركيز على تحقيق النجاح في ما يقمن به.
وتابعت: “طالما تعمل المرأة بإخلاص وإتقان بحثا عن قوت يومها، فهي ستنجح حتما وتحقق ذاتها، وهذه رسالتي لكل نساء تونس والعالم في عيدهن”.
ومنذ 1945، تحتفي نساء العالم في 8 مارس/ آذار من كل عام، بما حققنه من مكتسبات، وذلك في اليوم العالمي للمرأة.
** صورة نمطية
ورغم النجاح الذي حققته خدوجة في عملها، إلا أنّها لم تتخلص حتى اليوم من تلك النظرة النمطية التي يرمقها بها بعض الرجال.
نظرة تعتبرها خدوجة “بدائية”، ولم ترتق إلى درجة احترام المرأة باعتبارها كيانا ذا أهمية من حيث أدوارها في أسرتها وفي مجتمعها بشكل عام”.
وبذات الاستياء: “أغلب الرجال يعتبرون أن المرأة التي تقود سيارة عموما تجهل قواعد الطريق، ما يجعلهم لا يتقبّلون حتى مجرد أن تتجاوزهم في الطريق، بل يرون في ذلك تعديا على كرامتهم”، وفق تعبيرها.
وبخصوص علاقتها ببقية سائقات الأجرة ببلادها، قالت إنه لا يجمعها بهن “سوى الطريق، في ظل غياب جمعيات أو هياكل مدنية يلتقين من خلالها أو يتواصلن بشأن مسائل تهم قطاعهم أو تخص حقوقهن”.
أما عن تفاعل النساء مع عملها، فتقول إنهن يسعدن كثيرا حين يكتشفن أن السائق إمرأة، ويتحدثن معها دون تحفظ، بل يحدث وأن تنشأ مع الكثير منهم علاقات صداقة تستمر لوقت طويل.
الأناضول