العالم تريند

صهاينة يحذّرون من حرب استنزاف وورطة إستراتيجية خطيرة في غزة.. والجيش يخشى المراوحة بالمكان

فيما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، عن توسيع نطاق نشاطاته في منطقة خان يونس، يحذّر عددٌ متزايد من المراقبين الإسرائيليين من أن إسرائيل دخلت في “ورطة إستراتيجية خطيرة”، وأن وجهتها نحو حرب استنزاف طويلة.

في اليوم الرابع والثمانين للحرب على غزة، لم تحقق إسرائيل أهدافها الثلاثة المعلنة، رغم تدمير القطاع، وإغراقه بدماء ودموع سكانه. وفي الأثناء تزعم أنها تلقّت رسالة من “حماس” حول تليين مواقفها، بخلاف ما تعلنه، وسط إشارة لاستئناف التداول مع قطر في صفقة محتملة، لكن عائلات المحتجزين لم تعد واثقة أن هذه ليست مناورة لإسكاتها مجدداً.

ومع كل ذلك، تتزايد التساؤلات حول احتمالاتها جدواها وسلّم أولوياتها، والتشكيكات بحساباتها الحقيقية، خاصة أن أزمة الثقة بين الإسرائيليين وحكومتهم ورئيسها نتنياهو تتعمّق نتيجة الشكّ بأهليتها في إدارة هذه المواجهة، وبنظافة اعتباراتها من ناحية ترجيح مصالح فئوية مقابل مصالح عليا لهم.

هارئيل: خشية من اقتداء منظمات متطرفة بـ “حماس” والاجتماع في حرب واحدة وحسم إسرائيل تدريجياً، وفق رؤية قاسم سليماني، واضع نظرية “سوار النار”

يتصاعد الشكّ بنوايا وحسابات نتنياهو وزمرته في رفضهم القاطع بالتداول بسؤال اليوم التالي، بخلاف موقف الجيش والموقف الأمريكي.

منذ بداية الحرب، حذّرت الولايات المتحدة إسرائيل من مغامرة الاجتياح البري، ودعتها للتعلم من أخطائها في العراق وأفغانستان، ولكنها عادت ومَدَّتها بدعم عسكري ودبلوماسي ومالي غير مسبوق لحمايتها من أعدائها. وربما تجدّد واشنطن الآن محاولتها لإنقاذ إسرائيل من نفسها أيضاً، من خلال دفعها لوقف الاجتياح البري والانتقال لمرحلة ثالثة من الحرب، في ظل مؤشّرات تنذر بإطالة أمد الحرب، وربما اتساعها إقليمياً، وهي تتلقى، منذ أسبوعين، إشارات متزايدة من المستوى العسكري الإسرائيلي، مفادها أن الجيش قد غيّر رأيه وبات متطابقاً مع الرؤية الأمريكية، ويرغب بالانتقال لمرحلة جديدة أقلّ كثافة قتالية، ويريد خطة سياسية لليوم التالي، كي لا تصبح الحرب مفتوحة بلا نهاية. بعدما كان راغباً ومتحفزاً للحرب والتوغّل البري، في السابع والعشرين من أكتوبر، من أجل مسح العار الذي سبّبه “طوفان الأقصى”، لكن الخسائر العسكرية باتت باهظة، دون نجاح في تحقيق أهداف الحرب، وسط تصاعد التململ في الشارع، ورفض المستوى السياسي تحديد أفق لها. كل ذلك دفع الجيش لتغيير موقفه، وإن كان حالياً يقول إنه يوسّع القتال في جنوب القطاع. يتجلى ذلك في تحليلات عدد من المراقبين والمحلّلين العسكريين الذي ينطقون عملياً بلسان الجيش، وباتوا يشدّدون، في الأيام الأخيرة، على مخاوف الجيش من “المراوحة في المكان”، والتورّط في حرب دامية بلا مخرج، كما قال المحلل العسكري في القناة 12 العبرية نير دفوري، المعروف بمواقفه المتطابقة مع الجيش وروايته المعلنة.

مصيدة
عاموس هارئيل، محلل صحيفة “هآرتس” العسكرية، يعتبر واحداً من المحللين العسكريين الإسرائيليين الأكثر استقلالية ونقداً للمؤسسة العسكرية نسبياً، يحذّر، اليوم الجمعة، مما سبق وحذّر منه في الأيام الأخيرة، لكن بوضوح وقوة أكثر، من الآتي بقوله: “ينبغي قول حقيقة إن إسرائيل دخلت في ورطة إستراتيجية خطيرة نتيجة طوفان الأقصى”. منوهاً بأنه “في هذه المرحلة، من غير الواضح كيف يمكن الخروج منها”.

وبعد انتقاداته للرؤية الإستراتيجية الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، التي تجاهلت التهديدات المحيطة حتى تفاقمت، وغيّرت الواقع الإسرائيلي من أساسه، يؤكد: “هناك احتمال أن تُدار هنا حرب استنزاف طويلة على جبهتين، مع احتمال انفجار الشمال لحرب أخطر مع حزب الله، ربما تندرج في حرب أكبر مع إيران ومجروراتها العسكرية”.

سوار النار
ويشير لمشكلتين بقيتا بلا حل؛ القضية الفلسطينية، والنزاع مع “حزب الله”، وهما يعودان لمركز الواجهة الآن.

معرباً عن خشيته من أن السابع من أكتوبر سيدفع منظمات متطرفة أخرى في المنطقة للاقتداء بـ “حماس” والاجتماع في حرب واحدة وحسم إسرائيل تدريجياً، وفق رؤية الجنرال الراحل قاسم سليماني، واضع نظرية “سوار النار”، التي بدأت تتحقق بواسطة كتائب عسكرية موالية لطهران، وإن كانت تهديداته ما زالت محدودة.

كما ينتقد هارئيل استخفاف إسرائيل، في السنوات الأخيرة، بأعدائها، ظانة أنهم مستنزفون ومرتدعون، خاصة في الساحة الفلسطينية “حتى تحطّمت هذه الأوهام في السابع من أكتوبر”.

وبما يتعلق بالحرب على غزة، يرفض هارئيل رواية الجيش الإسرائيلي بقوله إنه لا يستخفّ بمكاسب الأخير في غزة حتى الآن، فإسرائيل متفوقة في نواح كثيرة، وروح القتال لدى الجنود مع الدعم الأمريكي السخي كل ذلك يمكّن الجيش من التفوّق في كل ساحة. لكنه يقول إنه، في المقابل، ينبغي الحذر من عدّ قتلى “حماس”، مشككاً بأرقامه، والأهم أنه يشير لاختلاف هذه الحرب عن حروب سابقة، من ناحية ازدحام مناطق القتال بالسكان، وتوزيع القدرات العسكرية في الأحياء، ففي كل بيت كان يجد الجيش سلاحاً.

محللون: الجيش الإسرائيلي غيّر رأيه وبات متطابقاً مع الرؤية الأمريكية، ويرغب بالانتقال لمرحلة جديدة أقلّ كثافة قتالية، ويريد خطة سياسية لليوم التالي

ويضيف منبهاً: “بالنسبة لحماس، فإن العامل الكاسر للمعادلة هو الأنفاق، التي فشلت إسرائيل في معرفة حجمها وذكائها”. مرجحاً أن “حماس” فوجئت من جاهزية إسرائيل للتوغّل العميق، ومن انهيار خطوطها الدفاعية في شمال القطاع بسرعة، لكن ما تبقى من قواتها يقاتل من خلال خلايا صغيرة تخرج من الأنفاق تضرب وتهرب، وما يزيد من عدد الإصابات في صفوف الجيش انتشاره الواسع ما يؤدي لاحتكاك كبير.

ورطة
و يرى هارئيل أن جيش الاحتلال يبني على مكسب متراكم تدريجي بطيء؛ تفجير المزيد من الأنفاق والسلاح وقتل المزيد من “المخرّبين”، آملاً أن يؤدي ذلك لتدمير قوة “حماس” العسكرية.

وفي ذات الوقت، يحذر هارئيل من الهوة بين الأمنيات وبين الواقع: “ضمن هذه المعادلة، وَزنُ الرأي العام الإسرائيلي هنا كبير، فبعضه متأثر سلباً من الخسائر البشرية المتزايدة، ورويداً رويداً يتراجع أثر المكاسب التدريجية عليه، حتى وإن واصلَ الناطق العسكري الحديث متحمساً عن نجاحات عينية. وتضاف هنا مصاعب أخرى: الحاجة للادخار بكميات الذخائر، احتياطاً لاندلاع حرب واسعة مكثفة في الشمال مع “حزب الله”، علاوة على أثقال متواصلة واستثنائية للحرب على الاقتصاد، وعلى الجاهزية النفسية للجنود، الذين يقاتلون منذ 80 يوماً، وكذلك تزايد الشكوك لدى الإسرائيليين”.

ويؤكد هارئيل أن اجتماع كل هذه الظروف يدفع نحو تأييد فكرة تغيير طبيعة الحرب، حتى لدى قيادة الجيش، وهذا ما ألمح له قائده هليفي، يوم الثلاثاء الماضي، بإشارته للاتجاه المطلوب بقوله: “لا توجد حلول سحرية وتقصير للطريق. سنصل لقيادة حماس إن كان خلال أسبوع أو شهور”.

لبنان الثانية
وهذا ما أكده المعلق البارز في القناة 13 الباحث عوفر شيلح، الذي يقول إن أهداف الحرب غير قابلة للتطبيق، وإن إستراتيجيتها مغلوطة وتحتاج لإعادة انتشار للمرحلة الثالثة، محذراً من التورط بوحل غزة، ومن استنساخ تجربة لبنان.

وهذا ما يحذر منه مراقبون إسرائيليون آخرون، منهم المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، الذي يواظب على القول، منذ مطلع الحرب، إن أهدافها غير واقعية، وإن إسرائيل لن ترى صورة انتصار فيها.

يكشف مراقبون إسرائيليون عن تعليمات نتنياهو للمؤسسة الأمنية بالبحث عن قادة حمائل ومخاتير لإدارة شؤون القطاع

اليوم، الجمعة، يرى بارنياع أن الولايات المتحدة هي القادرة على توفير سلّم للخروج من المأزق، منوهاً أن الحرب دائماً فظيعة، لكنها توفر فرصاً، وأن السابع من أكتوبر يمكن أن يفتح الباب أمام مبادرة أمريكية. ولذا يوجّه انتقادات لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن، بقوله إنه يروح ويغدو بذات النوايا، وذات الوسائل دون نجاح. ويفاضل بين بلينكن، صاحب المساعي العقيمة، ووزير الخارجية الراحل كيسنجر، الذي كان يأتي ويكرّس جهود الإقناع والضغط حتى يتوصّل لنتائج.

ويعرب زميله، المعلق في القناة 12، نداف أيال عن خوفه “من أن تنتصر إسرائيل في المواجهة العسكرية داخل القطاع، ولكن ليس في اليوم التالي”.

ويتفق أيال مع مراقبين آخرين بأن الجيش الإسرائيلي ينتظر المستوى السياسي في عدة نقاط: مسألة رفح، سؤال اليوم التالي، وتطبيق القرار الأممي 1701. ويكشف عن تعليمات نتنياهو للمؤسسة الأمنية بالبحث عن قادة حمائل ومخاتير لإدارة شؤون القطاع.

من جهته، ينضم بن درور يميني لانتقادات المراقبين السابقين لإلغاء مجلس الحرب المصغّر، ليلة البارحة، التداول في “اليوم التالي”، بضغط من حزب “الصهيونية الدينية”، الرافض لأي إدارة فلسطينية للقطاع، والمهدِّد بإسقاط الحكومة.

في مقاله في “يديعوت أحرونوت”، قال يميني، هو الآخر، إن “الوعود بتدمير “حماس” لا تتحقق، وإن الثمن باهظ، والسؤال يطلّ برأسه: هل هذا ممكن أصلاً؟”.

ويرى يميني أن الأسئلة المتصاعدة في الشارع الإسرائيلي مستحقة للوهلة الأولى، لكنها تدلل على فقدان الصبر. ويضيف محذراً من استمرار الحرب المفتوحة بلا أفق: “إذا فقدنا الصبر، وتورّطنا بحرب استنزاف، سيكون الثمن باهظاً أكثر”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى