قصة ملياردير عربي بدأ رحلة الثراء بـ 3 قروش
من ثلاثة قروش وتاجر في الشارع يفرش بضاعته على الأرض، أو يتجول بها على ظهر حمار، إلى واحد من كبار الأثرياء في السودان، في ثروة تقدر بمليارات الجنيهات السودانية أو ملايين الدولارات يرفض التصريح بها.
هكذا كانت رحلة ليست بالسهلة لرجل الأعمال السوداني، بابكر حامد موسى، الملقب بـ “ود الجبل” الذي رحل فجر يوم السبت بمستشفى بالعاصمة الأردنية عمّان.
الثلاثة قروش كان قد استلمها من أهل بيته لم ينفقها واشترى بها على الفور ليموناً، قام ببيعه في الحلة، ومن ثم صار يُدوّر المال إلى أن صار معه 15 قرشاً، اشترى بها حماراً يمكن التنقل به ونقل البضائع، هذه السيرة الأولى للثراء.
وقد وصفته قناة الشروق السودانية في نعي عاجل له بأنه “واحد من الشخصيات التي أسهمت في الاقتصاد الوطني، والكثير من المجالات، وأنه رجل بر وإحسان، وأنه حمل صورة الشخصية السودانية البسيطة بعلاقات مع كافة الأوساط في المجتمع الرياضية والفنية وغيرها، وأنه عصامي بنى نفسه بنفسه”.
النشأة والبدايات
اكتسب لقبه (ود الجبل) من مكان مولده “جبيل الطينة” بمنطقة الجموعية، حيث نشأ وسط أسرة بسيطة، تملك بعضاً من البهائم والضأن والإبل، وقد حاول في سن صغيرة أن يتعلم التجارة بنقل البضائع بالحمار، كما حاول جمع البيض والحمام والدجاج وبيعها في سوق أم درمان، وحرص على أن يتم ذلك بعيداً عن أعين والده، معتمداً على تشكيل خبرته الشخصية.
تبدأ رحلته من الحلة إلى أم درمان محملاً بمنتجات القرية، ومن ثم يعود إليها حاملاً بعض الأغراض الصغيرة ليبيعها للأهالي، إلى أن أصبح تاجراً متجولاً مشهوراً في المنطقة، وصار يتاجر في الخضراوات وقصب السكر، ومن ثم قرر أن يبدأ رحلة فرش البضائع في الأسواق الكبيرة ليدخل تجارة الأواني المنزلية والصواني والأكواب.
في ميدان الأمم المتحدة
يروي ود الجبل في حوار صحافي كان قد أجراه مع الصحافي، خالد ساتي، أنه في عام 1965 وصل ما يعرف – سابقاً – بميدان الأمم المتحدة في قلب العاصمة #الخرطوم، ليعمل بالتجارة هناك بفرش بضائعه في الشارع “الواطة”، لكنه تعرض للمضايقات من قبل السلطات، فاتجه لفتح بقالة خاصة به، بجوار مقابر فاروق الشهيرة بالخرطوم لم تمكث سوى عامين.
ومع عبور السبعينيات من القرن الماضي ودخول صرافات العملة الأجنبية في البلاد، دخل ود الجبل هذا المجال، وأنشأ صرافة خاصة به، ولم يستمر فيها لأن السلطات أوقفت عمل الصرافات، فعاد من جديد لتجارته التقليدية، وسجل أول شركة باسمه “بابكو” مأخوذة من اسمه الأول بابكر وتخصصت في التجارة والمقاولات ليصبح من المستوردين للعديد من السلع، ومن ثم أنشأ شركة أخرى باسم “ود الجبل”.
تجارة العملة
لكن الصورة الذهنية لود الجبل عند الناس وثراءه ارتبط بتجارة العملة، حيث عمل في تجارة العملة الأجنبية وصرف الجنيه مقابل الدولار والعكس، سواء عبر الصرافات أو بالسوق السوداء مع تدهور سعر الصرف للعملة المحلية.
ويروي في شهادة صحافية، أنه صار أمام عين السلطات دائما، وحتى بعد أن ترك تجارة العملة كان يتعرض للقبض أحياناً، حتى إنه اشتكى مرة بشكل مباشر، لرئيس الوزراء السابق الصادق المهدي.
وفي السنوات الأولى لعهد الرئيس، عمر البشير، تم اعتقاله 18 يوماً في إطار حملة الحكومة على تجار العملة في السوق الموازية.
ويروي ولد الجبل أنه كثيراً ما طورد بالشائعات في تجارته برهن العقارات مقابل تسليف المال أو العملات أو غيرها، غير أنه يؤكد بأنه كان يحب العمل الواضح في التعامل، ولم يكن يستغل حاجة الناس لأي سبب كان.
محدودية التعليم
أما المسألة الأخرى بالإضافة لتجارة العملة التي ميزت ود الجبل، فهي تعليمه المحدود، فقد كان بسيط التعليم لم يتجاوز السنة الأولى الابتدائية وبعض السنوات في الخلوة، حيث يدرس مبادئ العقيدة بشكل خاص.
غير أنه يتمتع بقدرة حسابية مذهلة دون الحاجة للآلة الحاسبة، وذكر مرة أنه يستطيع أن يجري العمليات في رأسه مباشرة، وأنه اكتسب ذلك بخبرته وعمله المتواصل في التجارة.
وكان يشعر بالندم أحياناً أنه لم يكمل تعليمه رغم ثرائه وشهرته الكبيرة في البلاد، ويربط سبب كراهيته للمدرسة بأنه تعرض للضرب الشديد، بسبب عدم قدرته على قراءة رسالة في طفولته عرضها عليها والده، فقام بضربه، ما جعله يترك الدراسة مبكراً.
لكن مقابل ذلك فإنه يرى أن والده غرس فيه الوضوح والأمانة، وفي المقابل فإن أمه كانت نبعاً للحنان، وقد أكسبته تلك الصفة بالشفقة على الناس ومساعدتهم.
هل كان يتوقع الثراء؟
عن رحلته في الحياة وهل كان يتوقع أن يكون من أثرياء البلاد، يقول إنه لم يكن يتوقع ذلك، لكنه في لحظة ما اكتشف أن ذلك ممكن، “إذ بإمكانه أن يطور قدراته وهذا يحتاج إلى وقت وذكاء، وتوفيق من الله”، وقد كان.
أما أول مليون جمعه في حياته، فيروي في حوارات صحافية وتلفزيونية، أن ذلك حصل في السبعينيات من القرن الماضي.
ويرفض أن يصرح بحجم ثروته، ويرى أن التاجر لا يكشف عن رأس ماله للناس، ويؤكد أنه يرتبط بعلاقات جيدة مع باقي التجار المشهورين في البلاد ويقول إن سر نماء ماله الصدقة والحرص على الزكاة.
وفي عام 2012 دعا الكاتب عبدالباقي الظافر إلى استلهام قصة ود الجبل وكفاحه في إنتاج مسلسل سوداني يستوحي حياته، وكتب: “تجربة حاج بابكر التي تقوم على التدرج الطبيعي، والقدرة على تطويع الظروف القاهرة، ربما تكون درساً جيداً يفيد كثيراً من الشباب”.
ومرة وصفه الرئيس السوداني عمر البشير أثناء زيارة له بمنزله، بأنه شاهده في الماضي – قبل أن يصبح رئيساً – حيث كان يزوره في السوق وكان ماله كثيراً لدرجة أنه يحزم أوراق العملة بالحبال المحلية التي تستخدم في نسيج العناقريب “السراير”.