سيرة جديدة لدا فينشي.. ما المشترك بينه وبين ستيف جوبز؟
“إن الورق هو تقنية رائعة حقاً لتخزين المعلومات”.. هذا ما قاله #والترإيزاكسون، مؤلف السيرة الذاتية المميزة لكل من #ستيفجوبز وألبرت آينشتاين وبنجامين فرانكلين، وأخيراً ليوناردو #دا_فينشي، الصادرة في أكتوبر الجاري عن سايمون وشوستر بنيويورك.
قبل خمس مئة سنة كان الشعور نفسه المتعلق بقيمة الورق كذاكرة كونية لدى ليوناردو دا فينشي، فمنذ طفولته التي نشأ فيها كابن غير شرعي لوالده كاتب العدل إلى وفاته بعد شهرة واسعة، عمل ليوناردو على تسويد عشرات الدفاتر بالرسومات والملاحظات والأسئلة والرسومات المبتكرة، هذه العادة كانت قد توجت في نهاية المطاف بأعمال فنية شهيرة، منها الموناليزا، العشاء الأخير، والرجل الفيتروفي.
ولا تزال حوالي 7000 صفحة من دفاتر ذلك الفنان العظيم موجوة إلى اليوم، وقد تكبد والتر إيزاكسون المشاق بالسفر إلى العديد من المدن، من فينيسيا إلى فلورنسا وميلانو وباريس ولندن وسياتل لدراسة هذه الآثار الخالدة، ويقول عن شعوره بعد القيام بذلك: “لقد شعرت بعلاقة شخصية مع دا فينشي”.
وفي حوار مع مجلة “بلومبرغ بيزنس ويك”، كشف والتر إيزاكسون عن أسرار هذه العبقرية التي تميز بها رجل مثل دا فينشي وما الذي يجعلها ملهمة إلى اليوم.
س: ما الذي جذبك إلى دا فينشي كموضوع للدراسة؟
ج: أنا مهتم دائما بالعبقرية الإبداعية، وقد أدركت أن واحدة من فهم أسرار الإبداع تمكن في الفضول والشغف الذي يسبر أغوار موضوعات متنوعة، ولعل دا فينشي مثالاً واضحاً على ذلك. فالرجل قد أزاح المسافة بين العلوم والفن، فعمله الشهير الرجل الفيتروفي مثلا، هو بورتريه شخصي، يعكس دقة تجاعيد الشعر والتظليل التام، وفي رسوماته عموما نجد هذه الدقة في النسب الصحيحة لجسم الإنسان. وهو قبل أن ينجز هذا العمل قام بـ 230 من عمليات القياس سبقت الشروع في الرسم، لذا فإن عمله يعكس الدقة العلمية المذهلة، بالإضافة إلى كونه عملاً جمالياً مكتملاً.
س: في كتابك حول دا فينشي كنت قد استندت إلى الكثير من الدوريات والدفاتر المتعلقة بالرجل، ومنها 7000 صفحة لا تزال موجودة، هل كان هناك أي شيء غير عادي ومستغرب لفت نظرك؟
ج: كانت هناك صفحة واحدة كتبت عنها في الكتاب، عندما تتبعت كل شيء من الخربشة العشوائية؛ من تشكيل الغيوم إلى الطبيعة، إلى المحارب القديم الذي كان يستهوي دا فينشي رسمه، ومن ثم الهضاب الشاهقة المدهشة. وفي نهاية تلك الملاحظات على الصفحة التي جاءت وهو في الثلاثينات من عمره، فقد كتب عن وصفة لصبغ الشعر باللون الأسمر المائل للصفرة، التي تتم بغلي الجوز في الزيت. هنا يكمن ذلك العبقري الذي يفعل كل هذه الأشياء الرائعة، لكنه مع ذلك لم يتخلص من القلق بشأن قليل من الشعر الأبيض في رأسه. وقد فكرت أن هذا الرجل إنسان بحق.
س: بخلاف العديد من المبتكرين الخلاقين، فإن دا فينشي يبدو غير منعزل، ويبدو أنه كان يستمتع بأن يكون جزءاً من المشهد!
ج: كان دا فينشي محط تقدير كبير في حياته سواء كمهندس أو فنان، وكان شعوره طيباً جداً مع الناس ويرتاح لهم. لقد أحب أن يكون جزءاً من بلاط دوق ميلانو، حيث كان محاطاً من قبل علماء الرياضيات وصناع السحر والمهندسين المعماريين والفنانين، من الطبقة المبجلة المبدعة، وقد كانت البيئة العامة في أواخر القرن الرابع عشر، مماثلة لمنطقة خليج كاليفورنيا في السبعينات من القرن العشرين، عندما كانوا يخترقون أجهزة الكمبيوتر الشخصية والإنترنت.
س: ونحن نتحدث عن الحاضر، هل هناك من الخلاقين المعاصرين الذين يذكرونك بدا فينشي؟
ج: نعم، هناك الكثير من أوجه الشبه بينه وستيف جوبز، أولاً وقبل كل شيء في إيمانهما بالربط بين العلوم والفنون. فالجمال والتصميم والهندسة كلها ذات معنى واحد بالنسبة لهما. كذلك فإن جيف بيزوس الرئيس التنفيذي لأمازون، يهتم بالسفر إلى الفضاء ورواية القصص والذكاء الاصطناعي وتجارة التجزئة، فهو أيضا مثل دا فينشي يظهر نضارة في الجمع بين العديد من المجالات.
س: يبدو أن ثمة شيئا سيكون عليك أن تعود إليه مراراً وتكراراً: الفضول الذي كان يتمتع به دا فينشي بخصوص كل شيء تقريباً.
ج: واحد من الدروس التي ينبغي تعلمها من ليوناردو هو محاولة احتضان العديد من مجالات المعرفة والعاطفة في قالب واحد. ففي كثير من الأحيان، نحن لا نصبح مبدعين لأن نظرتنا تكون ضيقة جداً. بالنسبة لدا فينشي فهو لم يكن سوى متسائل، ومندهش، مثلا: كيف يبدو لسان طائر نقار الخشب؟ وهو يريد أن يعرف الإجابة ليس لأن ذلك سيساعده على بناء آلة للطيران أو رسم أفضل لوحة، ولكن لمجرد الفضول فحسب. كل هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور الروحي بأنماط الطبيعة. وحتى لو أن ذلك لم يقدك إلى رسم لوحة كالموناليزا، فإنه سوف يقودك إلى حياة خصبة على الأقل.
س: هذه هي المرة الأولى التي تدرج فيها فصلاً في السيرة الذاتية التي تكتبها للعباقرة، يسلط الضوء على الدروس التي يمكن أن نتعلمها من الموضوع المطروح. لماذا فعلت ذلك هنا مع دا فينشي؟
ج: بخلاف أينشتاين، فإن دا فينشي لم يكن عقلاً جباراً لا يمكن مجاراته، فقد كان إنساناً طبيعياً، يماطل ويؤجل المشاريع ولا يكملها، وهذا يعلمنا كيف نوازن مسألة أن نكون مثاليين ومنتجين في الوقت نفسه.
س: ما هي النقاط أو الوجبة الجاهزة التي يمكن أن تقدمها للمهتمين بمجال الأعمال؟
ج: ادفع نفسك لكي تكون أكثر يقظة وتفهم النقاط والمبادئ الأساسية في مجال الأعمال التجارية ومسائل الجمال، فحتى الأجزاء التي لا تُرى مباشرة تتطلب أن تكون جميلة وأن نهتم بها. لقد حافظ ليوناردو على الموناليزا لمدة 14 عاماً وهو يدرك أن أي ضربة فرشاة جديدة قد تجعل ابتسامة تلك المرأة في اللوحة أكثر جمالاً. وهنا فإذا كان أي واحد منا في حياته يحاول أن يصبح أكثر يقظة ولو بمقدار ضئيل، ولديه حب استطلاع أكثر بعجائب الطبيعة، وقدر بسيط من الالتزام بالقيم الجمالية، فإنه لن يحقق نجاحاً في مجال الأعمال فحسب، بل في حياته عموماً، حيث ستكون له حياة أفضل.
س: إذا كنت سوف تتحدث لدا فينشي فما هو السؤال الذي سوف تطرحه عليه؟
ج: كنت سأسأله: ما هو سؤالك الأول الذي ستطرحه علينا اليوم؟ وما الذي تريد أن تعرفه عن المستقبل؟