«أم العبد» سورية هجّرتها الحرب وهجرها الأحبة
امرأة مثل «أم العبد» لا يمكن إلا أن تتوقف أمام قصتها التراجيدية، بين ملاحم القصص الأخرى في الحرب السورية، لكن «أم العبد» التي تجاوزت الخمسين عاماً عانت من الحرب السورية، لكنها لا تزال في حرب من نوع آخر، بعد أن فرضت عليها الأحداث أن تبقى تصارع الحياة وحيدة حتى الموت فقط من أجل أن تأكل.
«البيان» رصدت قصة معاناة «أم العبد» في الدرباسية في الشمال السوري، وتروي تفاصيل العذاب والألم لكل من هم أصبحوا ضحية الصراع المر الدائر في البلاد.
خرجت أم العبد في العام 2015 من ريف حلب بعد اشتداد المعارك بين المعارضة والنظام، تركت وراءها زوجاً مقتولاً وبيتاً، ومضت تاركة كل ذكرياتها هناك، انتقلت من منطقة إلى أخرى مع أولادها الثلاثة وابنتها، إلى أن بلغت بها المسافات الطويلة إلى مدينة الدرباسية في الحسكة. استقرت هناك من دون أن تعرف أحدا، بعد أن أمضت أياماً وليالي وأولادها في العراء.
نتيجة ظروف الحرب القاهرة، ذهب أولادها يعملون في أي صنعة في الدرباسية، لكن هذا العمل لم يكن يكفي لإطعام العائلة، وبقيت هذه الحالة الصعبة إلى أن قررت «أم العبد» أن تخرج من بيتها صباحاً تجمع النفايات من الشوارع لتبيعها لبعض المهتمين بهذا العمل، لم يكن يعرف أحد أين تذهب «أم العبد» في الصباح، لكن الحال لم يستمر، إذ اكتشف الابن الأكبر أن والدته تجمع النفايات، لتنشب بعد ذلك حرب تقريع وتوبيخ بحق الأم التي حاولت أن تقدم لأولادها شيئاً يبعدهم عن الذهاب لطرق أخرى.
فرض الأبناء على أمهم حظراً في الخروج من البيت، وتكفلوا هم بالعمل ليلا نهاراً حتى لا تلجأ أمهم إلى هذا العمل الصعب، وبالفعل استمرت الحال أشهراً، إلى أن تزوجت ابنة «أم العبد» بشاب من مدينة الدرباسية، وبعدها بأشهر قرر الأولاد الثلاثة الخروج من الدرباسية عن طريق التهريب إلى تركيا ومن ثم اللجوء إلى أوروبا، بعد أن رفضت والدتهم أن تذهب إلى أوروبا مع أولادها، وبعد عدة محاولات فاشلة قرر الأولاد الثلاثة أن يكملوا مشوارهم بعيداً عن أمهم، وبالفعل ذهبوا إلى تركيا. كانت الصدمة كبيرة على «أم العبد» لكنها بقيت تقاوم، باعتبار أن ابنتها الوحيدة ما زالت إلى جانبها ترى فيها ذاكرة الماضي ورائحة أولادها المهاجرين.
ونتيجة الأوضاع الصعبة في سوريا، قرر زوج ابنها أيضا أن يهاجر ويلتحق بأولاد «أم العبد» إلى ألمانيا، وهذا ما كان، وتمكن الزوج وزوجته من مغادرة سوريا إلى ألمانيا، دون أن تعلم «أم عبد» بذلك، كونها لن تقبل بذهاب ابنتها، لكن ابنتها وضعت لها مبلغاً من المال لدى أحد الجيران وأبلغتهم بقصة الهجرة.
حين عرفت «أم العبد» بالقصة، انهارت تماماً، ليقوم الجيران بإسعافها إلى أقرب المستوصفات، بقيت ثلاثة أيام في المستوصف لا تستطيع الحركة، وقد بقي بعض أهل الخير إلى جانبها، وما هي إلا أيام حتى استعادت عافيتها، لتجد نفسها وحيدة في مواجهة الحياة.
في الشهرين الأول والثاني من هجرة الأبناء، كانوا على اتصال مع أمهم عبر الجيران، لكن بعد مضي أشهر، أصبحت والدتهم طي النسيان، لتواجه الحياة وحيدة، دون من يعيلها، وتعمل ليل نهار مرة أخرى بجمع النفايات من أجل العيش، وترفض أن تتلقى المساعدات من أي طرف، بينما يلفها الألم من أولاد حملتهم وهناً على وهن، لكنهم ذهبوا بعيداً وتركوها وحيدة.