كيف صنع “المودودي” من معتلة نفسيا رمزا صحويا إسلاميا؟
الإعلان مؤخرا عن مقتل سالي آن جونز (48 عاماً)، مغنية الراب البريطانية في مدينة الرقة السورية، والتي تحول اسمها إلى “أم حسين” بعد أن هاجرت إلى تنظيم داعش في 2013.
سلط الضوء من جديد على ظاهرة “النسوية الغربية الجهادية”، وهجرة الأوروبيات والأميركيات إلى ما يسمى “دولة الخلافة” التي أعلن عنها البغدادي في 2014.
يذكر أن سالي جونز وأخواتها لسن سوى نموذج متأخر لحالات نسوية مبكرة، فهناك من شقت الطريق لمثيلاتها الغربيات المبهورات بالأصولية، وذلك منذ أكثر من نصف قرن.
في كتاب لافت للكاتبة الأميركية ديبورا بايكر حمل عنوان “المهتدية قصة منفى وتطرف”، تناولت فيه خفايا قصة مارغريت ماركوس اليهودية الأميركية التي اعتنقت الإسلام، بعد رحلة مراسلات جمعتها بأبي الأعلى المودودي مؤسس حزب “الجماعة الإسلامية” في باكستان والأب الروحي للجهادية العالمية والإسلام السياسي، إلى أن انتهى بها المطاف بمغادرة الولايات المتحدة وتمضية ما تبقى من حياتها في مدينة لاهور بباكستان، مشاركة المودودي نفسه في تحقيق مشروعه بإنشاء الدولة الإسلامية العالمية وصولا إلى “الخلافة”.
مارغريت أو “بغي” وهو اسم التودد لها أو “المهتدية” مريم جميلة كما أصبح اسمها بعد اعتناقها الإسلام بتشجيع من المودودي في عام 1961 في مقر البعثة الإسلامية في مدينة بروكلين الأميركية غداة عيد ميلادها الـ27.
جعلت من حكايتها لدى جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وكذلك الجماعة الإسلامية الباكستانية “أيقونة”، حيث بدا انتقاد شخص وافد من الغرب للحداثة بطريقة واضحة ومنطقية عملا ثوريا، ومكسبا لمشروع الصحوة الإسلامية المناهضة للغرب.
لينجح رموز تيار الإسلام السياسي في تصعيد نجم “مريم جميلة” بالترويج لكتبها ومقالاتها وطباعتها وترجمتها إلى لغات مختلفة مقابل التعتيم على حقيقة المهتدية مريم جميلة أو “بغي” الأميركية حتى تعقبت حكايتها الكاتبة الأميركية “ديبورا” والتقاءها ببطلة القصة “مريم جميلة” قبل وفاتها في 2007 وأسرة المودودي ذاتها.
من هي مريم جميلة؟
مع ذروة معاناة اليهود الأوروبيين وتنامي التطرف المسيحي القومي ضد اليهود الذي كانت أبرز صوره النازية، منذ القرن الـ19 والمنتصف الأول من القرن 20، قضت “بغي” طفولتها مع والديها هربرت ومايرا ماركوس في الولايات المتحدة في أجواء محتقنة بالاضطهاد الغربي المسيحي لليهود، لتتلقى من رفاقها بالمدرسة أوصافا معادية وبالأخص في أعياد “الفصح” ومنها “قاتلة المسيح”.
لتبدأ بسبب ذلك رحلتها مع اضطراب الهوية والنزعة إلى مناهضة الحداثة الغربية وبروح تطهيرية مثالية حتى قبل دخولها إلى الإسلام، ولتتقلب حينها ما بين صنوف التطرف تارة باتباع تعاليم الدين اليهودي لدرجة تمنت فيها أنها ولدت بين “اليهود الأورثوذوكس المتشددين”، وبين الإلحاد في مراهقتها حتى وجدت في الحركات المتطرفة الإسلاموية وسيلة لحل مشاكلها الشخصية.
الاضطراب النفسي والسلوكي لدى الطفلة “بغي” دفع أسرتها إلى إخضاعها للعلاج النفسي لأكثر من مرة، لتصل إلى مرحلة اضطر والداها إلى إيداعها في “معهد نيويورك للأمراض النفسية” والتي قضت فيه 15 شهرا، قبل أن يتم نقلها إلى مستشفى “هدسون ويفر” الحكومي للأمراض العقلية لعلاج حالة الفصام التي تعانيها والتي أخرجت منه لعدم استجابتها للخيارات العلاجية بحسب تقرير المستشفى.
وبسبب مرضها أوقفت مريم الجميلة عن استكمال دراستها الجامعية في سنتها الأولى، لتعجز كذلك بسبب حالتها النفسية عن الانخراط في أي وظيفة تتقاضى من خلالها دخلا ماديا مستقلا.
اقتنعت مارغريت كوسيلة لحل أزمتها النفسية بقدرة اليهود والعرب على التعاون وتوطيد عصر ذهبي جديد كما كان سائدا في إسبانيا بالقرون الوسطى، قبل أن تتبدل وجهة نظرها بتبني قضية اللاجئين الفلسطينيين وذلك إلى ما قبل إعلان دولة إسرائيل في 1948، والاهتمام أكثر بالتاريخ والشعر والأدب العربي حتى إنه قرأت كتاب محمد أسد “الطريق إلى مكة”.
سيد قطب والقاهرة
ومن هنا بدأت رحلة “بغي” مع المراكز الإسلامية المتواجدة بالولايات المتحدة ومراسلة رموز وقيادات التيار الإسلامي الراديكالي، فقبل أن تصل “بغي” إلى المودودي تواصلت مع سعيد رمضان صهر حسن البنا الذي كان يعيش حينها في منفاه السويسري، والذي بدوره قام بتعريفها بسيد قطب وشقيقته أمينة في القاهرة، لتتواصل عبر الرسائل مع قطب في سجنه الأول بعهد جمال عبد الناصر, والذي بدوره دعاها إلى التعرف على أبو الأعلى المودودي ومراسلته بدءاً من عام 1961.
تقول بغي في إحدى رسائلها لشقيقتها: “أدركت للمرة الأولى كم كنت عالقة في هذا العالم المظلم بين فترتي الطفولة والبلوغ وحيدة في غرفتي وسط كتبي تعيسة ومحبطة من دون أصدقاء، ومن ثم فتح مولانا المودودي باب الأمل وأظهر لي كيف يمكنني الإفلات من المصير الشنيع الذي ينتظرني إذا ما بقيت في أميركا ومع اقترابي سن 28 تملكني إحساس بأن دعوته قد وصلت في الوقت المناسب”.
بعد مضي عام من مراسلة المودودي، وعبر سفينة شحن يونانية، هاجرت مارغريت ماركوس ذات الـ28 عاما إلى المودودي في باكستان وتحديدا إلى مدينة لاهور لتغدو فردا من أسرة المودودي إلى جانب زوجته وأبنائه وبناته “9”، وابنته المتبناة، بعد عام من تشجيع المودودي على اعتناقها للإسلام في مقر البعثة الإسلامية في مدينة بروكلين الأميركية.
لتأتي هجرتها بعد 3 سنوات من خروجها من “مستشفى هدسون ريفر الحكومي” للأمراض النفسية، كتبت إلى “مولانا” المودودي أنها إذا لم تجد وظيفة في وقت قريب فإنها ستدرج في قائمة مستحقي الإعانات الحكومية أو تواجه احتمال إخخالها المصح العقلي مدى العمر، وهي التي لم تجد أملا في إعادة التأهيل, ورأت أنه دون دعم والديها سيكون مصيرها الضياع.
فكتبت إلى أبي الأعلى المودودي تقول: “بعد رفضي قبول دعوتكم الكريمة لوقت طويل، هل يأتي هذا القبول متأخرا الآن؟”.
المدينة المنورة
وجاء رد المودودي في رسالته: “إنني أدعوك إلى تفهم حسن ضيافتي بروحية سكان المدينة المنورة من المسلمين الأوائل الذين استضافوا إخوة لهم بالدين واحتضنوهم كما أتمنى عليك أن تستجيبي بروحية مهاجرة مماثلة إدراكا منك بأن روابط الإيمان أوثق وأقوى من علاقات اللحم”.
وفي رسالة بعثتها إلى شقيقتها قبل عام من مغادرتها الولايات المتحدة ونشرتها لاحقا في كتابها “بحث عن الحقيقة”، أشارت إلى المودودي بكونه “أخلص من راسلها”، لتتحول وجهة مارغريت بعد تردد نحو باكستان، وكتبت إلى “مولانا” أبي الأعلى المودودي تقول: “إن قطب هو من كبار المعجبين بك وقد أوصاني بقراءة كتبك على وجه خاص”.
بعد رحلة بحرية طويلة قطعتها بغي مصطحبة معها أقراص “الكومبازين” المانعة للهذيان وصلت “المهتدية” إلى لاهور وتحديدا إلى منزل المودودي، مرسلة أولى صورها إلى والديها نشرتها حينها إحدى الصحف وهي تقف متدثرة بجلباب وبرقع شديدي السواد، ولا يرى منها سوى اليدين والقدمين وكتبت إلى والديها حينها: “تلك ستكون الملابس التي سأرتديها من اليوم فصاعدا”.
ليتلقفها المجتمع الباكستاني المحافظ بحماس شديد على إثر الدعاية التي اصطنعها حزب “الجماعة الإسلامية” ولتتدفق بعدها مقالاتها وإصداراتها منها: “الإسلام والحداثة”، وكتاب “الإسلام في النظرية والتطبيق” و”الإسلام في مواجهة الغرب”، مكرسة مهامها كما ذكرت: “للنضال ضد العلمانية الفلسفية المادية والقومية اللتين تهددان ليس بقاء الإسلام فحسب وإنما الجنس البشري بأكمله”.
مصح عقلي في لاهور
بعد شهر واحد فقط من وصول مريم جميلة وإقامتها في منزل المودودي اضطربت وتوترت العلاقة فيما بينهما، فقرر نقلها إلى منزل آخر في مدينة باتوكي لتقيم مع رفيق المودودي الثري وزوجته لمدة 8 أشهر، قبل أن يقرر أبو الأعلى المودودي نفسه إيداعها المصح العقلي في لاهور.
في رسالة كتبتها إلى والديها من مستشفى “باغال خانة” للأمراض العقلية الواقع في شارع السجن بلاهور في العام 1963 تقول: “أخيرا زارني “مولانا” بعد عودته من مكة في نهاية أيار/مايو وفي خلال الأسابيع الستة التي أقمتها في هذا المصح تمكنت من اعتياد نظامه، لكن خوفي من “مولانا” المودودي والجماعة الإسلامية لم يتبدد بظهوره المفاجئ في المستشفى.
كان “مولانا” غاية في اللطف واللياقة لكنه كان أيضا متحفظا ومتحرزا إلى درجة البرود، ولم يتغير تصرفه في زياراته اللاحقة، إلى أن توقف عنها نهائيا، ما ضاعف من هواجسي وشكوكي.
خطة إطلاق سراحها
تضاعفت مخاوف وريبة مريم جميلة من المودودي والجماعة الإسلامية مما دفعها إلى إلغاء وصاية المودودي عليها خطيا، كخطة لإطلاق سراحها من المستشفى بصحبة أحد الصحافيين الباكستانيين “شهير نيازي”، وبحسب ما دونته في رسالتها: “كتب رسالة التبرؤ من دون تردد فأخذها وأخبرني أنه سيعود في اليوم التالي ليستكمل إجراء إطلاق سراحي، وعكفت بعد مغادرته على كتابة رسائل إلى كل من أعرفهم، أحذرهم فيها من أن “مولانا” لم يكن كما تصورته، وأعلنت نيتي قطع كل علاقاتي بالمودودي و”الجماعة الإسلامية”.
إلا أن القنصلية الأميركية أوقفت خروجها من المصح العقلي بصحبة الصحافي الباكستاني بعد مخاطبة ذويها في الولايات المتحدة فنيازي وفقا لرسالة القنصلية الأميركية: “مجردا من المبادئ ورديء السمعة (…) وبما أنني تبرأت من وصاية “مولانا” المودودي فإنه لن يسمح لي بالبقاء في باكستان، وبدلا من ذلك سأرحل إلى نيويورك على نفقتي”.
خلافات مريم جميلة مع ابنتا المودودي وزوجته كانت المحور الرئيسي في شرحها لأسباب الصدام مع المودودي نفسه، إلى جانب تدخلها في شؤون حياة أسرة زعيم الجماعة الإسلامية أبو الأعلى المودودي الذي لم يكن على حد وصفها: “صبورا أو متفهما إلى حد كاف، بل كان باردا وسلطويا ومهيبا، ولم يبد اهتماما بالتحدث إليّ عن الإسلام”.
ومن بين المواقف التي صعدت من حدة الخلاف فيما بين المهتدية وأسرة المودودي، كان تسللها إلى غرفة الابن الأصغر محمد فاروق واطلاع والده “المودودي” على ما كان يحتفظ به من صور لراقصات المعبد الهندوسي، ونجمات السينما الهندية المثيرات، ورسم يسوع المسيح الذي أثار صدمتي في غرفة محمد، وجدت ضرورة لإبلاغ مولانا عما يخفيه ابنه، لكنه بدلا من أن يعبر عن امتنانه عند إحضاري هذه المنشورات إلى مكتبه، بادرني بالقول إنني أتدخل فيما لا يعنيني”.
خشية مريم جميلة من أن ينتهي بها المطاف بالإقامة في مصح عقلي سواء أكان بلاهور أو بالولايات المتحدة، في حال لم تجد لها مكانا في منزل والديها، ولا مأوى لها عند الوصي عليها “مولانا” دفعها إلى الكتابة من جديد إلى والديها بقرارها بالتخلي عن تلك الشكاوى والاتهامات التي وجهتها إلى “مولانا”, وستكتب للمودودي للمرة الأخيرة تستميحه العذر والتي أقرت فيها مريم بأنها باتت تدرك أن شهير نيازي كان رجلا شريرا لم يكن يهتم بها فعليا، معترفة بجميع المشكلات التي سببتها له ولـ “البيجوم” المودودي، وتوسلت إليه أن يتعهد وصايتها من جديد.
جاءت الرسالة استجابة لاشتراط المودودي وفي سبيل الموافقة على إخراجها من المصح العقلي والتعهد بوصايتها أن تعترف بأن: “المودودي قد قام بكل ما في وسعه من أجلها، وإذا ما وعدته بعدم مضايقة عائلته أو إرباك عمله، وإذا ما أوقفت تشهيرها به وافتراءات دعايتها ضده، وإذا ما صفت ذهنها كليا بأنه جازف في دعوته لها إلى باكستان بعدما استند إلى الشعور بالأخوة الإسلامية والعاطفة الأبوية، فإنه عندها قد يستأنف “مولانا” أبو الأعلى المودودي وصايته عليها”.
منزل مستأجر
خرجت مريم جميلة على إثر هذا الاتفاق الثنائي والمصالحة المشتركة من المصح العقلي في ظهيرة الثاني من آب/أغسطس 1963, لتقيم في منزل مستأجر لدى ناظرة مدرسة وأولادها الثلاثة، والذي كان بالقرب من منزل محمد يوسف خان رفيق “المودودي”, الذي تزوجت به بعد أيام قليلة من خروجها من المصح، رغم كونه متزوجا لتقطن في منزله إلى جانب ضرتها “شفيقة” وأبنائها، ووالدته المسنة، وعدد آخر من الأقارب.
وفي لقاء جمع الكاتبة بأحد أبناء المودودي حيدر فاروق المودودي، للوقوف أكثر على قصة مريم جميلة والمودودي وحقيقة الأسباب التي استدعت إدخالها مصح “باغال خانة”.
قال حيدر فاروق: “أليس جليا أنها تشكو خطبا ما؟ حتى إن أكثر الإسلاميين عداء للغرب يمكنه أن يرى لماذا تخلص الغرب منها”، مضيفا: “الطريقة التي كانت مريم تتحدث بها تدل على أنها عدائية جدا يمكنك أن تعرفي من عينيها أنها كانت مجنونة، فهي تنظر مباشرة في عينيك. في الحقيقة ما قصده والدي هو أن من يشكو علة في عقله أي هو مريض عقليا لا يثبت على اتجاه واحد، فتارة يكون في هذا الاتجاه وطورا يكون في ذاك، لا يمكنها أن تكون مسلمة حقيقية وهي فاقدة العقل”.
شفرة حلاقة
وأضاف حيدر فاروق أن خيبة المودودي من المهتدية الوافدة كان منذ اللقاء الأول الذي جمع بينها قائلا: “حينما التقت به للمرة الأولى، كانت الصدمة متبادلة، فقد كانت تخاله شابا وبدلا من ذلك وجدته رجلا عجوزا. قالت إنها بحاجة إلى شفرة لتحلق ساقيها، لم يفهم والدي انجليزيتها، لذا رفعت الشلوار وشمرت عن ساقها”.
وبشأن إيداع المودودي للداعية الإسلامية المصح العقلي في لاهور جاء ووفقا لحديث ابنه حيدر فاروق عقب نقل “مولانا” أو “المهتدي” لمريم إلى باتوكي إثر تأزم علاقتها مع أسرته لتعيش مع مالك الأراضي الثري (بايجان) الذي من شأنه أن يتبناها ويمرر جميع أملاكه إليها، ومجددا كان لديها انطباع بأن هذا الرجل الثري شاب في مقتبل العمر يمكن أن يتزوجها.. فلم يكن لها هم سوى الزواج”.
وتابع حيدر: “حين وصلت إلى باتوكي تكدرت من واقع أن مالك الأراضي الثري كان رجلا عجوزا هو الآخر، لقد ضربت زوجته، وجاء الزوجان إلى لاهور يشكوانها إلى المودودي كانا منزعجين بشدة، حتى إنهما بكيا هذا السبب الذي دفع مولانا إلى إيداعها المصح العقلي”.
منزل مريم الجميلة
في الحي الهندوسي القديم من سانت ناغار حيث لا زالت تعيش المهتدية مريم مع زوجها محمد يوسف خان متشاركة المنزل مع ولديه وزوجتيهما وأولادهما بعد أن ربت تسعة أولاد ومن بينهم أولاد مريم الباقون على قيد الحياة ابنها الأصغر (حيدر فاروق) الذي يقطن في ولاية تينيسي الأميركية حيث يملك محطة للوقود ومتجرا للأغذية، أما ابنها الثاني فكان بولاية بنسلفانيا ولها ابنتان لاتزالان تعيشان في باكستان.
سعت الكاتبة في لقائها مع “ميغي” المهتدية الوصول إلى الدوافع الحقيقية التي جعلت “مولانا” يتولى إدخالها مصح “باغال خانة”، وعن الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى دعوة مريم جميلة بالهجرة إلى باكستان والإقامة في منزله مع أسرته، متسائلة ما إذا كان الغرض من ذلك استغلالها في أنشطة “الجماعة الإسلامية” التي أنشأها؟.
لتوجه الكاتبة سؤالها إلى “المهتدية”: “ماذا حدث في باتوكي وأغضب المودودي إلى هذا الحد؟ وما إن سمعت مريم سؤالي حتى أخذت تئن حزنا وتتأرجح إلى الأمام والخلف اضطرابا وصفعت جبينها، وقالت: “لقد ضربت أبا على رأسها بالمقلاة.. لم تصب بأذى ولا بأي سوء لكن أبا وبايجان لم يغفرا لي قط”.
بالمقابل اعترفت مريم جميلة بمحاولات الجماعة الإسلامية دفعها إلى كتابة مناشير مناهضة للسامية، إلا أن “المهتدية” رفضت تلك المطالب قائلة: “لقد رفضت مطالب بكتابة مناشير مناهضة للسامية لصالح الجماعة”، وأضافت: “كنت كلما تلقيت كتبا لمراجعة التهافت على مناهضة السامية أو كتبا تنكر حدوث المحرقة أو “الهولوكست”، لا أتوانى عن رميها في سلة المهملات”.
إلا أن مريم جميلة والتي حتى وفاتها ظلت تتقاضى أجرة على منشوراتها ومؤلفاتها من الجماعة الإسلامية والتي كتبت في كتيب بعنوان “من هو المودودي؟ وصفت فيه مرشدها بكونه مجددا كبيرا في العصر الحديث، ووصلت إلى حد الافتراض بأن الصوفي الذي تم التنبؤ بمولده ربما كان ملاكا متخفيا”، هي اليوم نادمة على هذا النوع من المغالاة بحسب وصفها للكاتبة.
وأقرت مريم جميلة قبل وفاتها بأن فكرة المودودي عن الإسلام كانت مغشوشة بالحداثة وبالاستشراق، واعتبرت رؤيته “فانتازيا مثالية” لمجتمع إسلامي، ومن وجهة نظرها كانت رؤية المودودي للإسلام هي الحداثة بأسوأ حالاتها، عوضا من أن تكون عودة إلى التقاليد الأساسية للإسلام.
ولم تعد مريم مأخوذة كما كانت من قبل بحلم إنشاء دولة إسلامية أصيلة في باكستان أو في أي مكان آخر.
وقالت: “أعتقد أن أفضل ما يمكن أن يؤمل به في الوضع الراهن هو حكومة ليبرالية تحترم حرية الدين وحرية التعبير عن الرأي، إن الإسلام يحتاج إلى مزيد من الأولياء، لا إلى مزيد من السياسيين”.
قبل أن تصل مريم جميلة إلى نظرية الحكومة الليبرالية، وتبدل نظرتها التي تبنتها عن المنظر لأيديولوجية “للجهادية العالمية” أبو الأعلى المودودي بغرض تكوين المجتمع الإسلامي الفاضل، طاب لمريم مع احتدام الحرب الأفغانية الحديث عن الجهاد، وأخذت من خلال مناشير بسيطة تلقفها مراهقون ومتحمسون في كشمير، واسلام آباد، وطهران، وبروكلين، تسرد قصص مجاهدين “بررة”.
واستشهدت مريم بقول الجهادي سيد أحمد في القرن الثامن عشر وهو يلوح ببارودة “الكاربين وبندقية الفتيل”: “عليك المشاركة في الجهاد تعلم استخدام السلاح لهذا الغرض، إن مسالك الصوفية لا تتفوق على فضائل القتال في سبيل الله، ألم يشهر نبينا السلاح في وجه الكفار لنشر نور الحقيقة؟ وإذا ما كان مصيرنا جميعا الموت بأي حال أو ليس الأفضل أن نموت شهداء، ونحن في ذروة قوانا العقلية والجسدية وفائدتنا المجتمعية؟”.
مع ذلك تؤكد مريم جميلة أنها “لم تدع إلى العنف قط”، مضيفة: “لقد كتبت على صعيد فلسفي فحسب، ولم أحرض على كراهية الغربيين كأفراد”، مشددة أن كتاباتها لم يستشهد بها يوما في منشورات الجهاديين.
لتعقب الكاتبة بسؤال آخر وجهته إلى مريم جميلة عن أستاذيها سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وما إذا كانا مسؤولين أم كان ما كتباه على صعيد فلسفي فقط؟. فأجابت: “إنهما من الكتاب الذين استشهد بهم هؤلاء”.