أليكودي.. جزيرة إيطالية “يطير” سكّانها ويُصنع خبزها من “المهلوسات”
نائية وخالية من السيارات، والطرقات، والمتاجر، وبائعي السجائر، وحتى ماكينات الصرف الآلي.. هكذا هي جزيرة أليكودي في صقلية الإيطالية.
تبدو مملة لمن ينظر إليها من بعيد.. لا ترى سوى الأحجار المكدسة التي تبني طرقاتها وأدراجها الفارغة، وبضعة حمير يحملون الحقائب، وعدد قليل من سكّان “انطوائيين” بعض الشيء.. يخبؤون سراً لا يعرفه سوى القليل.
“هل ترى الفيلا الوردية المطلة على شاطئ الحصاة هناك؟” تسأل المحلية جوليا روسو، صاحبة مقهى غولدن نوير، وتجاوب سؤالها بعد ذلك فوراً: “هذه كانت طاحونة القرية حيث صُنع الخبز المهلوس كل صباح على يد ربات المنازل المحلية. عششت غيوم عقارات مخدرة لعقود عدة هنا.”
وقد تحولت هذه الطاحونة بماضيها الداكن اليوم إلى منتجع صغير اسمه “كازا مولينو،” يجذب السياح إلى أكثر الجزر الأيولية البركانية عزلة وخفية قبالة الساحل الشمالي لصقلية.
ورغم أن أغلب زوّار القرية اليوم يدمنون على جو أليكودي الهادئ والتاريخي، ومياهها الكريستالية وشمسها الساطعة على البيوت المطلة على الميناء، إلّا أن سكّانها وزوّارها التاريخيين أدمنوا على شيء آخر وجد في الخبز المصنوع محلياً. إذ منذ القرن الـ17 وحتى خمسينيات القرن الماضي، عاش سكان الجزيرة على تناول الخبز الملوث بفطر الجاودار والذي يسمى “الإرغوت،” والذي يتسبب به الطقس الرطب والحار.
ويعتبر الإرغوت العنصر الأساسي في عقاقير ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك أو الـLSD المهلوسة. وكانت تعتبر أليكودي مختبراً طبيعياً للمادة المهلوسة، تتسبب فيها الفطريات المخدرة بفوضى كبيرة، قبل فترة طويلة من توليف العالم السويسري ألبرت هوفمان العقار كيمائياً في عام 1938.
وقد تغذت أجيال كثيرة في هذه الجزيرة، على ما كان يسمى “الجاودار المجنون” أو “الجاودار المقرن،” نسبة للقرون السوداء المدببة والمشابهة لقرون “الشياطين” التي تسببت بها الفطريات على الجاودار.
وكانت تقوم نساء القرية بإعداد الخبز المهلوس كل صباح، وتقديمه لأطفالهم وأزواجهم، حتى أصبح جرعتهم اليومية من الـLSD، التي حصلوا عليها جميعاً وأدمنوا عليها يومياً دون أن يعرفوا ذلك.
ويسبب تناول الإرغوت على المدى الطويل بتسممات عدة، تسبب أمراض كثيرة ومزمنة مثل الغرغرينا وأعراض اختلاج بما في ذلك الهوس والذهان.
ويقول المؤرخ المحلي بينو لا غريكا إن الأمر كان خطأ في النظام الغذائي، تحول إلى عادة غذاء سيئة نجمت عن الفقر والعزلة والجهل في أمور النظافة الصحية. كانت المحاصيل الأولى نادرة جداً والغذاء ثمينا، لدرجة أنهم لم يتخلصوا من أي شيء، حتى الخبز الفاسد والمعكرونة العفنة كانت تؤكل.”
ويضيف لا غريكا أن ندرة مصادر الغذاء البديلة الأخرى والرطوبة الدائمة أنتجت هذه الفطريات السيئة التي عند تناولها، تسبب الهلوسة الجماعية، والهستيريا، والتنويم المغناطيسي، والإيحاء الذاتي.
وقد أدى تناول هذا “الخبز المجنون” إلى وضع السكّان في حالة من النشوة وفقدان الوعي، بالإضافة إلى مواجهتهم الرؤى الغريبة والمغامرات الفكرية والخيالية بشكل يومي، حتى بدأت تنتشر أساطير عدة حول وجود نساء طائرات، أطلق عليهن اسم “ميارا” أي الساحرة باللهجة الأيولية.
ولكن، هناك العديد من السكان المحليين الذين لا يؤمنون بقصة الإدمان على “الجاودار المجنون،” إذ يصرّون أن ما كان يحدث في القرية كان نوع من السحر والمعجزات.
ويقول بيبينو تارانتو، صاحب الفندق الوحيد في الجزيرة إن هذه ليست قصصاً خيالية، مضيفاً: “ماتت آخر ميارا في العام 1948. هؤلاء النساء كن يطرن، كن يجتمعن مع نساء طائرات أخريات من الجزر الإيولية ويحلقن فوق البحر. يلهون ويعدن إلى الشواطئ. حتى الرجال كانوا يطيرون، كانت فصيلة من البشر الطائرين.”
كما يؤكد تارانتو أنه بحث في الأمر مع الكنيسة لإيجاد دليل وتأكد من أن الأمر كان صحيحاً، شارحاً: “هناك مطران قال لي إن هؤلاء الناس أبرموا اتفاقاً مع الشيطان من أجل امتلاك القوى السحرية والطيران.”
ويقول تارانتو أنه خلال طفولته لطالما استمتع بالاستماع إلى قصص شيوخ القرية عند غروب الشمس، الذين شاركوا مغامراتهم “الطائرة” من أعلى أسطح المنازل الحجرية الصغيرة في القرية.
لا شك بأنه أمر مؤسف، أن معظم شيوخ أليكودي قد ماتوا، وأولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة منهم، يرفضون التحدث عن ماضي الجزيرة المهلوسة.
سي ان ان