لغز القهوة مخبّأٌ منذ قرون بين حروف اسمها العربي!
تحتفل المنظمة العالمية للقهوة، بيوم القهوة العالمي، الذي يصادف يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر. ونشرت المنظمة على موقعها الإلكتروني، إعلاناً عن هذا الاحتفال، قائلة إنه سيستمر من 29 سبتمبر الماضي، إلى 1 من الجاري.
ويرد على موقع المنظمة العالمية للقهوة، أن عدد أعضائها حتى تاريخ الأول من شهر آذار/مارس 2017، بلغ 77 عضواً، منها #اليمن وتونس ومدغشقر، وكذلك تضم دولاً عظمى كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا.
وشهدت مواقع التواصل العربية والعالمية، احتفاء بيوم القهوة، مع خلافات على تحديد يومه. إلا أن المنظمة العالمية للقهوة تحدده بالأول من الجاري.
ويلفت في اسم “القهوة” في اللغة العربية، وروده اسماً للخمر، في أصل استخدامه، وأمثلة استخدامه، في هذا السياق، غير قابلة للحصر، لأن أغلب الشعر العربي كان يسمّي الخمرَ قهوةً.
لكن، ما الذي في القهوة يجعلها أولاً اسماً للخمر، ثم ثانياً، اسماً للقهوة، وتستولي عليه استيلاء كاملا؟
بالعودة إلى أقدم قواميس اللغة العربية، وهو ما يعرف بكتاب “العين” للفراهيدي ويسمى بكتاب العين لأنه يبدأ به كأول حرف، تبعاً لترتيب الحروف في الحلق، يقول الفراهيدي إن الخمر سمّيت قهوةً، لأنها “تُقْهي” الإنسان، أي “تشبعه وتذهب بشهوة طعامه”.
ويتّفق “لسان العرب” تماماً مع ما ذهب إليه الفراهيدي، في القهوة، فيقول: “قها، أقهى عن الطعام واقتهى، أي ارتدّت شهوته عنه من غير مرَض”. ويضيف: “أَقهَمَ، قيل هو أن يقدر على الطعام فلا يأكله وإن كان مشتهياً له”.
وهذا يتضمّن معنى الأَنَفة والعزوف.
ثم يعطي صاحب “لسان العرب” مثلا آخر لاستخدام فعل القهو: “أقهاهُ الشيء عن الطعام، كفّه عنه أو زهّده فيه”. ويضيف: “قهي الرجلُ قهياً، لم يشته الطعام”. ثم ينقل من بعض مصادره، قول أحدهم: “المقهي والآجم الذي لا يشتهي الطعام”.
وكل هذه المعاني تتضمن العزوف والأَنفة.
ومعنى آخر للعزوف الطوعي عن تناول الطعام الذي يتضمنه معنى القهو، وهو بالإشارة إلى الرّفاه وسعة العيش. وهو أمر قاله الفراهيدي لدى إشارته إلى معنى القهو، ثم يؤكده لسان العرب بقوله: “عيشٌ قاهٍ: خصيب”!
تناول القهوة صورة من سلوك النخب الاجتماعية
وبالتقاء رغد العيش الخصيب، مع معنى غياب اشتهاء الطعام، والامتناع الإرادي عن تناوله، ومن دون مرَض، في اسم القهوة، فتكون الأخيرة إشارة واضحة إلى المكانة الاجتماعية، لأنها تتضمن معنى العزوف والأنفة، وتتحدّد المعاني التي يشتمل عليها اسم القهوة، على وجهين أساسيين، أولاً الامتناع عن الطعام سواء بقطع الشهية أو لسبب إرادي ما، لا علاقة بالمرض بل يكون عزوفاً وأنفة، وثانياً، كإشارة إلى رغد العيش.
فما الذي يجمع بين معنى رغد العيش والإمساك عمداً، عن تناول الطعام، في اسم القهوة؟
المعنيان يجتمعان ليعزّزا صورة من صور آداب سلوك النخبة الاجتماعية، والتي تتمثّل بنوع من العزوف والترفّع والتعامل بأنَفة. لهذا قال “لسان العرب” ونقلاً عن مصدر: “أَقهَمَ (الرجل) هو أن يقدر على الطعام فلا يأكله وإن كان مشتهياً له”. من هنا يكون “القَهو” فعل أنفةٍ وتعززٍ، بدليل أن المثل الأخير أكّد على وجود اشتهاء الطعام، إلا أنه أقهمَ، أي عزف عن تناوله رغم استحسانه له.
هكذا، يكون طقس تناول القهوة، في رحلة اسمها العربي، من كونها اسماً للخَمر، إلى فقدان الشهية، إلى الامتناع الإرادي عن تناول الطعام، شكلاً من أشكال تعبير النخب العربية عن المكانة الاجتماعية للمضيف والضيف، على حد سواء.