قصة متطوع تونسي تكفل بدفن أموات المهاجرين غير الشرعيين
لم يستطع أن يبقى مكتوف الأيدي أمام جثث مئات المهاجرين غير الشرعيين التي تلفظها في كل مرة السواحل التونسية، فاختار إعادة الاعتبار لهم ودفنهم بطريقة تحترم الذات البشرية.
هذه قصة شمس الدين مرزوق، الذي يعمل بحاراً في مدينة جرجيس جنوب تونس، نذر كل وقته منذ سنوات لدفن#المهاجرين_غير_الشرعيين الذين لقوا حتفهم أثناء رحلتهم إلى أوروبا. مئات الأفارقة وعشرات السوريين ماتوا وهم يعبرون البحر، ليجدوا في النهاية يدا تونسية قامت بدفنهم بكرامة.
يقول شمس الدين الذي اكتوى بدوره بنار #الهجرة بعد سفر ابنه إلى باريس بطريقة غير شرعية لـ”العربية.نت”، إنه “لا يتذكر العدد الإجمالي للمهاجرين غير الشرعيين الذين قام بدفنهم منذ تطوع للقيام بهذا العمل، لكنه منذ بداية 2017 قام بدفن 71 مهاجراً جلّهم من الجنسية الإفريقية ماتوا وهم في طريقهم من #ليبيا إلى إيطاليا”، مضيفاً أنه “في انتظار جثث أخرى ستأتي في الأيام القادمة بعد غرق مركبين خلال الساعات الماضية وغرق عشرات المهاجرين”.
يظل مرزوق طول اليوم يستمع إلى الأخبار القادمة من#البحر_المتوسط وما إذا كان هناك أحد المراكب قد غرق أو تم العثور على جثث مهاجرين، حتى يستعد ويقوم بحفر القبور ويهيئ سيارة لنقل الجثث قبل دفنها، يقول في هذا السياق: “لا يمكن أن نترك جثثاً هكذا مرمية، يجب أن نكرمها بالدفن بقطع النظر عن الجنسية وعن اللون وعن الهوية والدين، كلنا أفارقة، أكيد هؤلاء عانوا الكثير في بلدانهم فاختاروا الهروب من واقعهم، يجب أن ندفنهم باحترام وكرامة حتى لا يهانوا حتى عند مماتهم”.
المشهد الذي لم ينسَه شمس الدين من ذاكرته، يعود إلى بداية 2015 عندما قام بدفن 54 جثة لمهاجرين سوريين أغلبهم من الشباب والنساء والأطفال، من بينهم امرأة كانت تربط ابنها الصغير الذي لم يجاوز عمره 3 سنوات بحبل إلى بطنها، يقول إنه مشهد “مؤلم ومبكٍ عندما ترى أطفالاً صغاراً ضحايا للفقر والحرب ولعصابات التهريب”.
لكن أكثر ما يحز في نفسه عند قيامه بعمله الإنساني التطوعي، هو عدم تمكنه من معرفة هويات الأشخاص الذين يقوم بدفنهم، وهو ما يجعل من الصعوبة على عائلاتهم العثور عليهم بعد فقدانهم لمعرفة مصيرهم، حيث يكتفي بوضع أرقام على كل قبر.
وفضلاً عن عمله في دفن المهاجرين غير الشرعيين، يقوم مرزوق في بعض الأحيان رفقة عدد آخر من البحارة بمساعدة خفر السواحل وإنقاذ عشرات المهاجرين قبل غرقهم، وهو الأمر الذي أقلق المهربين في ليبيا الذين قاموا بمنعهم من الصيد في #السواحل_التونسية القريبة من الحدود الليبية.
لكن أكثر ما يعيق عمل مرزوق الآن هو عدم قدرة المقبرة الحالية التي يقوم بالدفن فيها باستيعاب جثث أخرى، وهو ما يجعله في أمس الحاجة إلى قطعة أرض أخرى تدفن فيها جثث المهاجرين، ويقول بهذا الخصوص إنه “طلب من الجهات المختصة التدخل وتمكينه من قطعة أرض لجعلها مقبرة”، ورغم الوعود مازال في انتظار تحقيق هذا الحلم.
ويوضح في هذا السياق “نحن نود أن ندفن الجثث في مقبرة خاصة بالمهاجرين بطريقة لائقة وتحترم الذات البشرية، تكون فيها غرفة صغيرة لغسل الجثث قبل دفنها، ولافتة كبيرة عليها صور المهاجرين المدفونين حتى تتعرف عليهم عائلاتهم إذا ما بحثت عليهم، وتوثق ظاهرة إنسانية تكفلت بها تونس تكون قبلة للزوار وربما السياح في المستقبل”.