منوعات

“بدر ليلة 16 رمضان”.. هل صمنا يوما إضافيا هذا العام؟

عربي تريند_ من أغرب الملاحظات الرمضانية، التي تتكرر كل عام بلا توقف، هي تلك الأسئلة التي تتجوَّل في كل أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي حول صحة صيامنا وتوقيته: هل صمنا مبكرا هذا العام؟ هل صمنا يوما إضافيا؟ هل صمنا متأخرا؟ هل انتفخ القمر في الثالث من رمضان؟ هل أخطأوا في الرؤية وأفطرنا على زحل؟
حسنا، الأخيرة هي شائعة شهيرة عمرها قرابة عشر سنوات، تقول إن المملكة العربية السعودية أخطأت في الرؤية لأن أحدهم رأى زحلا بدلا من الهلال، فأنهى الناس صيامهم مبكرا واضطرت المملكة لدفع ملايين الدولارات كفارة، لا توجد أي دلائل موثقة على صحة هذا الادعاء، ولو سألت مواطنا في المملكة لقال لك إنه يسمع هذا الخبر كل سنة من وسائل التواصل الاجتماعي وهو نفسه لم يسمع أي شيء عنه! إنه ببساطة خبر كاذب.
في هذا العام (2022) ظهرت شائعة جديدة تقول إن القمر كان بدرا مساء يوم 15 رمضان (ليلة 16 رمضان)، وبالتالي فإن ذلك يعني حتما انتصاف رمضان في هذه الليلة، وبالتبعية يعني ذلك أن رمضان كان من المفترض أن يبدأ يوم 3 إبريل/نيسان وليس 2 إبريل/نيسان كما حدث في دول مثل مصر أو السعودية، وبالتالي فقد “صمنا يوما مُبكرا” بحد تعبير المنشورات التي بدأت من مصر وانتشرت في عدة دول بعد ذلك، وتطوَّر الأمر إلى أسئلة ثقيلة مثل: هل يعني ذلك أننا أذنبنا بشكل ما؟ وهل يؤثر ذلك على العشر الأواخر؟ وكيف يؤثر ذلك على عيد الفطر؟
دورة القمر
دعنا نبدأ بإجابة مختصرة، هذا الادعاء خاطئ، وهو مبني بالأساس على جهل بالفارق بين ما يعنيه الشهر القمري وما يعنيه الشهر الهجري، بالإضافة إلى عدة عوامل سنتحدث عنها بعد قليل، لكن دعنا نبدأ بفهم حركة القمر في السماء.
قُم بهذه التجربة البسيطة، ضع أمامك -على الطاولة- مصباحا ذا قدرة إضاءة عالية، ثم أمسك بكرة بلاستيكية صغيرة ومد يديك بها إلى الأمام، ثم دُر حول نفسك أمام المصباح، هنا سوف تلاحظ ببساطة أن إضاءة ذلك المصباح ستنعكس على تلك الكرة في يديك، لكن هذا الانعكاس سيعطي إضاءة تختلف شيئا فشيئا مع دورانك، بالضبط كأطوار القمر التي تبدأ بالهلال، ثم يتزايد قليلا فيمتلئ حتى التربيع الأول، ثم البدر.
الدورة القمرية حول الارض
يحدث البدر حينما يكون ظهرك للمصباح والكرة أمامك فتراها مضيئة بالكامل من منظورك (تخيَّل فقط أنك صغير الحجم بحيث تمرر الضوء للكرة)، ثم بعد ذلك تتناقص إضاءة القمر حتى تعود إلى الصفر من جديد، يعني ذلك أن أطوار القمر بالأساس ليست إلا منظورنا على الأرض تجاه القمر، أما القمر نفسه فهو مُضاء دائما بنسبة 50% من قِبَل الشمس كما يظهر بالتصميم المرفق.
الآن دعنا نتأمل تلك الدورة الخاصة بالقمر لكن من منظورنا على الأرض، يُولد الشهر القمري الجديد حينما يكون القمر واقفا تماما بجوار الشمس “قمر جديد” (New Moon)، فلا نتمكَّن من رؤيته لأن نور الشمس يُعمينا عنه، ثم في اليوم التالي يكون القمر قد تحرَّك في دورته قليلا مُبتعدا عن الشمس، في تلك الحالة سنرى الشمس تغرب ثم يغرب القمر بعدها بفترة.
بالنسبة إلينا، يتأخر غروب القمر بعد الشمس بنحو 50 دقيقة كل يوم، هذا ليس سحرا، ولكنه فقط المقابل الطبيعي لحركة القمر حول الأرض، لكن من منظورنا على الأرض، دعنا نضرب مثالا بسيطا لفهم ذلك: في أحد الأيام، تغرب الشمس في السادسة مساء ويغرب القمر بعدها في 06:50، في اليوم التالي نُضيف 50 دقيقة أخرى فيغرب القمر في 07:40، ثم 50 دقيقة إضافية لليوم التالي فتغرب الشمس في السادسة والقمر في 08:30 مساء، وهكذا نستمر في إضافة 50 دقيقة كل يوم، ويستمر القمر موجودا في السماء لفترة أطول مع مسافة أكبر بينه وبين الشمس.
يعني ذلك أنه في يوم البدر، بعد نحو 14-15 يوما، سيكون قد مرَّ عدد من الدقائق يسمح أن يشرق القمر (من الشرق) في اللحظة التي تغرب فيها الشمس من الجهة الأخرى، ويظل القمر يتباعد في غروبه عن الشمس يوما بعد يوم، حتى يصل إليها من الجهة الأخرى فيتقابلان من جديد ويبدأ شهر آخر، بالطبع لا حاجة إلى أن نوضح أن كل هذه أمثلة للتقريب فقط، بينما في الحقيقة يحتاج الأمر بالطبع إلى حسابات فلكية أكثر تعقيدا من ذلك، لكن الفكرة الرئيسية بهذه البساطة.
لهذا السبب يتغير موضع القمر في السماء كل ليلة، يبدو الأمر وكأنه يقفز في السماء، تراه في بعض الأحيان قريبا من الشمس، وفي بعض الأحيان بعيدا عنها، قد تراه نهارا وقد تراه فجرا أو بعد الغروب، السبب هو تلك الحركة.
ما تعنيه الرؤية
الآن دعونا نتعرَّف إلى الفارق بين الشهرين الهجري والقمري، يبدأ الشهر القمري في اللحظة التي يقف فيها القمر إلى جوار الشمس، وهذا حسابيا يمكن معرفته على مدى سنوات طويلة مستقبلا، مثلا كنا نعرف قبل بداية رمضان أن الشهر القمري سيبدأ لحظة الاقتران الساعة 9:25 صباحا بتوقيت مكة يوم الجمعة 1 إبريل/نيسان، والبدر سيكون في تمام الساعة 9:55 مساء يوم السبت 16 إبريل/نيسان، لكن الشهر الهجري يعتمد مبدأ الرؤية، وتعني أن يخرج المتخصصون في الهيئات الشرعية لرصد القمر عند غروب يوم الرؤية (29 شعبان)، لو رُصد الهلال فإن رمضان يكون غدا، ولو لم يُرصد فإن الغد يكون هو المُتمم.
هذا العام حدثت حالة من الجدل حول الرؤية، لأن القمر -خلال نحو 10 ساعات بعد اقترانه مع الشمس- كان قد تحرَّك مبتعدا عنها، فبقي بعد غروبها نحو 17-18 دقيقة، لكن هذه الفترة لم تكن كافية لرصد القمر بالعين المجردة، وكانت هناك صعوبة في رصده بالتلسكوبات الضوئية، لكن كان من الممكن رؤيته ببعض التقنيات التلسكوبية التي تتمكَّن من الرصد في وجود ضوء الشمس، هنا اختلفت بعض الدول حول الأمر.
والاختلاف هنا ليس فلكيا، بل يعتمد على فهم أو تفسير المُشرِّع لاصطلاح “الرؤية”، بعض الدول مثل تركيا لا تأخذ بالرؤية البصرية أصلا، وإنما تأخذ برؤية حسابية -أي ما يقوله الحساب الفلكي- بينما تأخذ بعض الدول بالرؤية البصرية والبعض الآخر بالتلسكوبات، وقد آثرنا الإشارة إلى هذا الجدل في تقريرنا لأنه كان الأساس لجدل البدر الحالي.
هذا العام، في مصر والسعودية والإمارات مثلا أُعلن أن اليوم التالي للرؤية (2 إبريل/نيسان) هو أول أيام رمضان، ذلك يعني أنه حينما يُرصد القمر مساء يوم 1 رمضان مثلا فسوف يكون قد مرَّ أصلا على بداية دورته يوما كاملا ونصفا، يعني ذلك أن رصد القمر بدرا بين يومَيْ 14-15 رمضان ممكن، أضف إلى ذلك نقطة أخرى غاية في الأهمية لا يدركها البعض، وربما كانت السبب الرئيسي في هذا الجدل لأنها بالفعل كانت أحد أسباب ظهور البدر متأخرا، وهي أنه على الرغم من أن دورة القمر من القمر الجديد إلى القمر الجديد التالي هي نحو 29.6 يوما، فإن المشكلة أن القمر لا يدور حول الأرض بالسرعة نفسها.
القمر المهرول
يدور القمر حول الأرض في مدار إهليلجي (بيضاوي)، أي إنه يقترب منها في بعض الأوقات ويبتعد عنها في البعض الآخر، وبحسب قوانين كبلر فإن ذلك يعني أن القمر يجري أسرع كلما اقترب من الأرض وأبطأ كلما ابتعد عنها، ولأن أطوار القمر تتبدَّل شهرا بعد شهر فإن المسافة الزمنية بينها ليست ثابتة.
 قلنا قبل قليل إن طول الشهر من قمر جديد إلى قمر جديد هو نحو 29.6 يوما، يعني ذلك أن البدر من المفترض أن يكون بعد 14.8 يوما بالضبط، لكن هذا لا يحدث في كل الأحوال بسبب تغير سرعة القمر، فنجد أن البدر حدث في رمضان هذا العام بعد نحو 15.5 يوما، وهو ما يُعَدُّ إضافة إلى المشكلة الحالية، فظن البعض أننا قد صمنا يوما مبكرا.
نقطة أخيرة مهمة لا يدركها البعض، وهي أن طول الشهر القمري بين قمر جديد وقمر جديد هو 29.6 يوما، بينما الشهر الهجري يكون رقما ثابتا، 29 أو 30 يوما، هذا الفارق في الساعات يتراكم شهرا بعد شهر ليتسبَّب في بعض الأحيان في شذوذ طفيف عن الطبيعي، فيظن الناس أن شيئا خاطئا قد حدث، مثلما حدث قبل عدة أعوام وظهر البدر منتفخا يوم 2 أو 3 رمضان وكأنه من المفترض أن يكون يوم 6 رمضان، وقامت الدنيا ولم تقعد عن “البدر المنتفخ”. 
أما منذ عامين، فقد أخطأ البعض بتصوير القمر يوم 13 رمضان على أنه “بدر”، وبالتالي فقد صمنا “متأخرا”، والواقع أن القمر في هذه الليلة لم يكن بدرا، بل كان “قريبا من البدر”، هذه معلومة أخرى يجهلها الكثيرون، وهي أن أطوار القمر تتغير بشكل طفيف حول البدر، فيمكن لك أن ترى بدرا لثلاثة أيام متتالية، لكن فلكيا هناك بدر واحد فقط، والبقية كانت توهمات بصرية عادية ومفهومة فلكيا، لكنَّ الكثيرين لا يعرفون عنها.
في كل الأحوال، فإن تكرار هذا النوع من الجدل، عاما بعد عام، يعكس حالة شديدة من القلق المجتمعي والتشكُّك في السلطة، بكل أشكالها السياسية والدينية والعلمية والقضائية. مرَّ العالم العربي بعشر سنوات طاحنة اجتماعيا، وسوف يتبدَّى هذا النوع من التشتُّت في كل شيء، بداية من جودة الملابس ومنتجات الطعام في السوق، ووصولا إلى أطوار القمر، وبداية الصيام والأعياد.

(الجزيرة نت)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى