صحة وجمال

احترس من العطور الاصطناعية..والسبب…

تولد العطور لدينا مشاعر متداخلة، بعضها مرتبط باتصال فريد بكل من ذكرياتنا وعواطفنا؛ حيث تعتبر حاستنا الشمية جزءًا من النظام الحوفي للدماغ، الذي يساعدنا على صنع واسترجاع الذكريات، واللوزة الدماغية التي تساعدنا على تجربة الانفعال. وكيفما كانت الذكريات جيدة أو سيئة، فإن للعبير القدرة على إعادتها في لحظة من الزمن واستحضار الطريقة التي شعرنا بها في ذلك الوقت.

ومع ذلك فإن العطور الطبيعية لا تدوم طويلًا مثل العطر الصناعي، الذى قد يدخل فى تركيبه مائتان أو أكثر من نحو 3 آلاف مادة كيميائية للوصول إلى رائحة معينة؛ ما يسبب مشكلة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالعطور التي نتعرض لها جميعًا في حياتنا اليومية، بكل ما بها من مواد كيميائية، خاصةً أنه تم ربط بعضها بمشكلات صحية كالسرطان، أو اختلال الهرمونات، أو السمية العصبية، أو الربو، أو الحساسية، أو غيرها. ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتخلى عن متعة التعطر، بل نحن بحاجة إلى أن نكون على دراية بمصادر هذه العطور.

وعمومًا، فإن الروائح الاصطناعية جزء من الهواء الذي نتنفسه جميعًا؛ فهي في منازلنا في نحو 40% من جميع منتجات العناية الشخصية، و96% من الشامبو. ومعظم منتجات التنظيف هي أيضًا معطرة بشدة، ثم معطرات الهواء الاصطناعية، والشموع المعطرة، والمنتجات المعطرة من جميع الأنواع، بما في ذلك منظفات الغسيل حتى ورق التواليت.

وقد تتباهى بعض المنتجات بادعاءات مثل “العطر الطبيعي” أو “العطر العضوي” أو “هيبوالرجينيك”. ولكن هذه التسميات ليس لها تعريف قانوني، وليست ضمانًا بعدم استخدام المواد الكيميائية. وحتى لو نجحنا في تجنب العطور الاصطناعية في المنزل، فإننا غالبًا ما نتعرض لها في مكان آخر، ربما لأن الأنشطة التجارية تفهم أن العطر حافز قوي للمبيعات والولاء للعلامة التجارية؛ لذلك يتم إضافته إلى المزيد من المنتجات، وكثير منها يبدو غريبًا، فيمكنك شراء اللهايات برائحة الفانيليا، وأربطة الحذاء برائحة الكرز، ورؤوس الدش التي تغذي الماء برائحة الليمون أو اللافندر أو الياسمين، وسلة القمامة المعطرة، وكولونيا للأطفال، حتى المنبه الذي يوقظك بإطلاق رائحة.

ومن الحقائق الصادمة التي كشفها الخبراء، أنه حتى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) المسؤولة عن تنظيم سلامة منتجات العناية الشخصية، لا يمكنها أن تطلب من الشركات المنتجة للعطور معلومات حول المواد الكيميائية المستخدمة بالعطر؛ حيث من المحظور قانونًا أن تطلب من الشركات المصنعة مكونات العطور، فكيف يمكنك تنظيم منتج إذا كنت لا تستطيع حتى أن تعرف مكوناته؟!

والأشد خطورةً حسب الخبراء أن الشركات التي تصنع منتجات مثل الشامبو وصابون الأطباق، قد تكون هي أيضًا لا تعلم شيئًا؛ فالصناعة التي تنتج العطور وتوردها لهؤلاء المصنعين، لا تخبرهم دائمًا عن المواد الكيميائية التي تحتوي عليها العطور، وتترك الرقابة لمصنعي العطور أنفسهم، الذين ينظمون أنفسهم من خلال رابطة العطور الدولية (IFRA)؛ حيث يجرون دراسات السلامة الخاصة بهم، ومعظمها لم تنشر قط في المجلات العلمية. وتدعي هذه الصناعة أن لديها نظامًا لإدارة مخاطر للمواد الكيميائية، لكنه لا يضع أي قيود على المواد المسرطنة المعروفة مثل الستايرين، والبيريدين والبنزوفينون، كما لا توجد قيود على الفثالات أو الواصلات الاصطناعية galaxolide أو tonalide، التي ترتبط كلٌّ منها بتعطيل الغدد الصماء.

ويؤكد الخبراء أن الأمر يشبه حراسة الثعلب لحظيرة الدجاجة. والمشكلة أن لدى المصنعين حوافز مالية جادة لمواصلة استخدام هذه المواد الكيميائية؛ ليس فقط لأن العطور الاصطناعية أرخص بكثير من المشتقة بطرق طبيعية. ولكن الشركات المصنعة استثمرت بكثافة لتحقيق مظهر معين ورائحة وشعور بمنتجاتها، ولا يريدون المخاطرة بإهدار هذا الاستثمار أو ولاء العملاء بالعبث بصيغهم المفضلة. أضف ذلك إلى حقيقة أنه يتم استخدام العطور بكميات أكبر بكثير وفي منتجات أكثر بكثير من أي وقت في التاريخ. وليس من المستغرب أن الشركات تستثمر أكثر من أي وقت مضى في الحفاظ على انخفاض تكاليف الإنتاج.

القصة المخفية

منذ أوائل عام 2000 وربما قبله، كانت جماعات المناصرة للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية على دراية بالأخطار المحتملة للمواد الكيميائية للعطور، وكانت تجري أبحاثها المستقلة، ثم أصبحت الحاجة إلى التحرك واضحة بعد أن أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية تقريرًا في العام نفسه عن الفثالات، وهي فئة من المواد الكيميائية التي تعد عنصرًا شائعًا في العطر الصناعي؛ حيث اختبروا 289 شخصًا، واكتشفوا 4 فثالات في البول لأكثر من 3 أرباع الخاضعين للاختبار.

وقد فاجأ هذا التلوث الواسع العلماء، لكن التركيبة السكانية كانت أشد خطورةً؛ حيث إن النساء في سن الإنجاب حصلن على أعلى معدلات التعرض نحو 50%، ولا أحد يستطيع أن يؤكد لماذا. ولكن البعض يشتبه في أن هذه المواد الكيميائية كانت في منتجات الرعاية الشخصية التي كانوا يستخدمونها.

ويتم استخدام الفثالات من قبل مصممي العطور لأنها تجعل الروائح تدوم كمثبتات. ويقول ستيسي مالكان مؤلف كتاب “ليس مجرد وجه جميل.. الجانب القبيح في صناعة الجمال” وأحد مؤسسي حملة مستحضرات التجميل الآمنة: “تساعد الفثالات الجزيئات على التمسك بالناس والسطوح الأخرى. وإذا غادر أحدهم غرفة ما ولا يزال بإمكانك شم رائحة عطره، فمن المحتمل أنه يحتوي على فثالات”.

وقد ربطت دراسات متعددة بين الفثالات والأضرار الإنجابية في حيوانات المختبر، وتبين أن التعرض للفثالات يتلف الخصيتين، والبروستاتا، والبربخ، والقضيب، والحويصلات المنوية، كما تم ربطها بالولادات قبل الأوان، واضطراب ما قبل الولادة، واضطراب نقص الانتباه، فيما لا تظهر الفثالات على ملصقات المنتجات؛ لأنها مخفية خلف كلمة “العطر”، فيما وجد الخبراء 5 فثالات بتركيزات تُراوح بين كميات ضئيلة وبين ما يقرب من 3% في 52 من 72 منتجًا، تشمل الشامبوهات ومزيلات العرق ومنتجات العناية.

وفي عام 2010، أصدرت حملة مستحضرات التجميل الآمنة، تقريرًا بعنوان “ليس مثيرًا جدًّا.. المخاطر الصحية للمواد الكيميائية السرية في العطور”، كشف عن نتائج اختبارات إضافية على 17 عطرًا شعبيًّا وكولونيا واسبراي؛ حيث وجدوا 38 مادة كيميائية لم تكن مدرجة على الملصقات، بما في ذلك فثالات مرتبطة بالتطور غير الطبيعي في الأولاد الصغار والأضرار بالحيوانات المنوية لدى الرجال، ووجدوا أيضًا اثنتين من المواد المرتبطة بسمية نظام الغدد الصماء.

كان الأسوأ في استخدام هذه المواد: American Eagle Seventy Seven، مع 24 مادة كيميائية غير مدرجة، تلتهاChanel Coco ، Britney Spears Curiou، وGiorgio Armani Acqua di Gio.

المصدر
عاجل
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى