المغرب العربي

الزواج المختلط في المغرب.. هروب نحو ثقافات أخرى

لم يخطر ببال المغربيتين كريمة وسعاد أن تتزوجا بأجنبيين بعد انتهاء علاقتهن الزوجية بمغربيين، كريمة متزوجة من فرنسي يعمل في المغرب، أما الفنانة سعاد فقد التقت برجل مصري يشاركها اهتماماتها بالسينما فتزوجته، وأنجبت الاثنتان أطفالا في إطار ما يعرف في المغرب بالزواج المختلط.

ثقافة الحوار
تقيّم كريمة زواجها بعد سبع سنين وإسلام زوجها كشرط قانوني لإتمام الزواج بـ”ناجح نوعا ما”، وقالت للجزيرة نت إن “الفروقات الثقافية تكاد تختفي لتقبل كل منا ثقافة الآخر، أشاركه أعيادهم ومناسباتهم مقابل حضوره الدائم في أعيادنا وفق تقاليدنا المغربية”.

ولا يعني النجاح أنها “سعيدة دوما”، فهي “تتحمل المسؤوليات كاملة بينما يتعلم زوجها اللهجة المحلية محاولا الاندماج لكنه لم يفلح إلى الآن”.

واستمر زواجهما “بفضل ثقافة الحوار وشعورها بمستقبل طفلها الآمن”، تقول إن “حب زوجي لولدين سابقين له ولشعوره بالمسؤولية تجاههما دفعني لأن أستمر بعلاقتي معه”، وبهذا أغلقت كريمة باب زواجها السابق من مغربي “تعرضت فيه للخداع”.

أما سعاد فتقول “الاختلاف الثقافي يدفعنا لتقبل أخطائنا، نحن الاثنان لنا تجربة زواج سابقة، ومن بداية زواجنا قررنا التكيف والبحث عن أرضية مشتركة بيننا وقد جمعنا حبنا وشغفنا بالسينما”، وتكمل “الزواج المختلط لا يرتبط بالجنسية”.

التنظيم القانوني
نظم القانون المغربي الصادر عام 1960 ظاهرة الزواج المختلط، وخضع عام 2004 للمادة (56) في “مدونة الأسرة” الصادرة آنذاك، إذ يسير فيها المقبلان على الزواج وفق إجراءات قانونية إلى أن تبت مؤسسة “قاضي الأسرة” بالزواج من عدمه.

ولوحظ من خلال هذه الطلبات أن “الجنسيات العربية تحتل المقدمة بالزواج من المغربيات، يليها الأوروبيون وفي مقدمتهم الفرنسيون، وتحتل آسيا المرتبة الثالثة، إذ تزوج بعض الهنود والبنغال من مغربيات”.

وبذلك “ترتفع نسبة زواج المغربيات من أجانب عن نسبة زواج المغاربة بأجنبيات”، وفق حديث للجزيرة نت مع رئيس قسم قضاء الأسرة في طنجة محمد الزردة.

وبلغت حالات الزواج المختلط على مستوى طنجة 59 حالة بين أبريل/نيسان، ويونيو/حزيران 2018، منهم خمسة مغاربة تزوجوا بفرنسيات وست مغربيات تزوجن بفرنسيين وفق إحصائيات محكمة قضاء الأسرة في طنجة.

وعلى صعيد مغربي، بلغت عدد حالات “زواج معتنقي الإسلام والأجانب” 4916 حالة عام 2013 مقارنة بـ4930 حالة عام 2012 وفقا لإحصائيات وزارة العدل والحريات.

الانعتاق من الفقر
ويرى الزردة أن “دوافع المغربيات من الزواج المختلط -وفق الحالات التي تصله- تتمثل بالبحث عن الاستقرار وإنشاء أسرة، ولأسباب اقتصادية تود المغربية خلالها تحسين وضعها الاقتصادي”، حيث تنحدر معظم هؤلاء المغربيات من أسر متوسطة الدخل أو فقيرة.

ويوافقه الرأي الباحث في علم النفس الاجتماعي المصطفى شكدالي الذي قال للجزيرة نت إن دوافع الزواج بأجنبي تتعدد، كالهجرة والاستقرار في بلدان أخرى والبحث عن وضع اقتصادي وأسري جديد بالنسبة للمغربيات الأصل، أما المغربيات الحاملات لجنسيات أخرى فتكون دوافعهن للزواج بمغربي هي الحب والألفة.

ويقبل المغاربة على الزواج من ثقافات مغايرة بعد تغير أسلوب الحياة الذي وفره الإنترنت، وفق شكدالي الذي أشار أيضا إلى دوافع “الهروب من التقاليد ومسألة العذرية والثقافة الشرقية والبحث عن متنفس آخر”.

ويضيف أن الزواج المختلط من أجنبي يتم بعد مسرحته باعتناق الأخير الإسلام وتغيير اسمه ليقبل وسط العائلة المغربية، لكن “اعتناق الإسلام يظل محل تساؤل” وفق شكدالي الذي يرى أن الزواج يحدث بدافع الغريزة أكثر منه بدافع الثقافة أو الإسلام.

وتلاحظ الفنانة سعاد أن المغربيات من حولها “لديهن حافز للزواج بأجنبي، خاصة الأوروبي مع الحفاظ على الأصل المغربي وتنشئة الأطفال وفقا للثقافة المغربية”.

ويؤهل هذا النوع من الزواج الطرفين للعيش في بيئة متنوعة فكريا وثقافيا مما ينعكس إيجابا على أبنائهما، ويمكن لهذه الحالات أن تواصل نجاحها، أو ينفصل الطرفان لاحقا بسبب طغيان المصلحة الآنية المادية أو الغريزية أو بروز الاختلافات الجوهرية لثقافة الزوجين، فيبدأ الطرفان بالحنين لثقافتهما الأصل وينفصلان عند هذه النقطة.

ويقول شكدالي “لا يمكن للفرد أن يتنكر لثقافته، فالتشنجات الزوجية تظهر عندما تطفو الثقافة الشرقية مقابل الثقافة الغربية أو حتى العربية، فيحدث مثلا اختلاف حول أسماء الأبناء أو في الأعياد”.

لكن الزردة لم يقدم إجابة دقيقة بشأن فشل الزواج المختلط من عدمه قائلا “لا يمكن الحكم إن كان زواجا ناجحا أم فاشلا، معظم المتزوجين يغادرون المغرب، وحالات الطلاق فيه نادرة جدا لأسباب غير معروفة تصل بمجملها إلى خمس حالات سنويا مقارنة بثلاث حالات طلاق لزوجين مغربيين يعيشان بطنجة”، وهو ما تثبته إحصائية وزارة العدل الأخيرة الصادرة عام 2013 التي عجزت عن توفير نسب الطلاق في الزواج المختلط.

ويرى شكدالي من طرفه أن “معيار نجاح الزواج المختلط هو مقدار استفادة الأبناء من ثقافة الوالدين أو حصول أحد الطرفين على جنسية مغايرة”.

حقوق مهدورة
يظل طريق الزواج المختلط وعرا إن “لم يلم الطرفان بالقانون الأسري المغربي”، فالطلاق الذي يحدث كما يرى الزردة “بسبب اختلافات الثقافات وانعدام التفاهم والسلوكيات المغايرة والأسباب المادية -خاصة عندما ترغب المغربية بتحسين وضعها الاقتصادي وتثقل كاهل زوجها بطلباتها، أو بسبب رفض أحدهما الإنجاب، أو عدم رغبة الزوجة بالإقامة خارج المغرب- تترتب عليه مشاكل حقوقية”.

وعلى الرغم من حماية مدونة الأسرة في هذا السياق حقوق الزوجة المغربية وأبنائها لكن يصعب نيل حقوقها المالية وحضانة أطفالها وحقوق الورث إذا كان الزوج مقيما في الخارج.

وعلى الرغم من أن المغرب -وفق الزردة- “وقّع على اتفاقيات دولية متعلقة بتلك الحقوق لكن الإجراءات القضائية بين الدول تتطلب وقتا طويلا، مما يصعب أو يستحيل استرجاع أطفال الزوجة المطلقة إلى المغرب أو استيفاء حقوقها كاملة بسبب الجهل بالقانون”.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى