العالم تريند

الغارديان: مقتل الناشط نزار بنات كشف عن وحشية السلطة الفلسطينية

عربي تريند_ نشرت صحيفة “الغارديان” تحقيقا حول وفاة الناشط الفلسطيني نزار بنات، وقالت إنه يكشف عن وحشية السلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي التحقيق الذي أعدته بيثان ماكرنان وكويك كريسزنباوم من مدينة الخليل، جاء فيه أن نزار بنات كان يعرف أنه سيموت، فكلما زادت نبرته حدةً في نقد الفساد داخل حركة فتح التي تسيطر على السلطة الوطنية، كلما زادت التهديدات له.

ففي أيار/ مايو، تعرض بيته في الخليل لهجوم من مسلحين ملثمين على دراجات نارية بشكل ترك أولاده في حالة من الخوف والصدمة.

وبعد ذلك، قرر الناشط التزام بيته طلبا للسلامة. وتقول جيهان، أرملة الراحل: “ذهب إلى بيت ابن عمه في منطقة إتش2، وهي منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية على أمل ألا تصل إليه السلطة الفلسطينية، ولكنه كان يعرف أنهم سيأتون إليه”. وأضافت جيهان التي كانت في غرفة الجلوس وتحضن أصغر أبنائها ببيتها في مدينة دورا جنوبي الخليل حيث لا يزال مدخل البيت يحمل آثار الطلقات النارية: “أخبرني: لا أريد أن أقتل أمام الأطفال”. وفي صباح 24 حزيران/ يونيو، تلقت جيهان الأخبار التي لم تكن تريد سماعها، وبحسب قريبين شاهدا تعرض نزار للضرب المبرح، فقد كان حياً عندما جُرّ من البيت على يد 14 عنصرا من قوات الأمن الفلسطينية الذين حصلوا على تصريح من القوات الإسرائيلية لدخول منطقة “أتش2” ولم يكن معهم أمر اعتقال.

وبعد عشرين دقيقة وصلت العربة إلى مستشفى الخليل الحكومي، لكن بنات كان ميتا. وقالت السلطة في البداية إن وفاته كانت لأسباب طبيعية، ولكن حسب تقرير الطبيب الشرعي الذي شرّح الجثة بناء على طلب من العائلة، فقد مات نزار نتيجة إصابته بـ42 جرحا جراء تعرضه للضرب بأنابيب معدنية.

وترى الصحيفة أن مقتل بنات لم يحظ باهتمام إسرائيلي أو عالمي نظرا لانشغال إسرائيل بالحرب في غزة وتشكيل الحكومة الجديدة.

وبالنسبة للفلسطينيين كانت لحظة تحول عميقة كشفت عن تواطؤ السلطة الوطنية مع الاحتلال الإسرائيلي، واستبداد الحكومة التي يقودها الرئيس محمود عباس والمدى الذي يمكن للرئيس العجوز المضي فيه لكي يسحق المعارضة. وتقول الصحيفة إن ممثلين عن السلطة وفتح لم يردّوا على تساؤلاتها لتقديم معلومات حول الظروف المحيطة بوفاة بنات.

ولم تعلق السلطة على زيادة الوحشية بما فيها العنف الجنسي التي تمارسها قوات الأمن الفلسطينية وعناصر من أنصار فتح بالزي المدني لقمع الاحتجاجات والإضرابات والتي اندلعت في الضفة الغربية في أعقاب مقتل نزار، وذلك بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان.

وقال فادي قرعان، الناشط البارز في حقوق الإنسان والذي اعتقلته القوات الإسرائيلية والفلسطينية أكثر من مرة: “هناك نقاد للسلطة الوطنية لكن لم يكن هناك أحد مثل نزار، فقد كان واضحا، وكان يستطيع الربط بين النقاط بطريقة لا يمكن للآخرين فعلها وفكّك أكاذيب السلطة”. مضيفا: “لأنه كان نفسه عضوا في حركة فتح، فقد أصبح تهديدا، فلم يكن يتحدث للمعارضة ولكن لقاعدتهم”.

أما فارس بدر، الشاب في مقدمة الموجة الجديدة من التظاهرات ضد السلطة، فقال: “كان نقطة ضعفهم الكبرى. وأرادت السلطة ردعنا وإشغالنا ووقف الزخم الشعبي الذي كان يتزايد، إلا أن مقتل بنات أصبح المحفز”.

وُلد نزار بنات لعائلة فقيرة، وأنهى دراسته بالجامعة الأردنية في عمّان، وعاد إلى الضفة الغربية حيث تدرب ليصبح محاميا، إلا أنه انتهى مدرسا للغة العربية. والتقى جيهان التي تزوجها وأنجبت له خمسة أطفال، وعملت في وكالة “يو أس إيد” حتى فقدت وظيفتها عندما قررت إدارة دونالد ترامب قطع الدعم للفلسطينيين.

وكان بنات (43 عاما) ذكيا بدرجة عالية، وبحسب أصدقائه وعائلته كان حكواتيا واهتم بالفلسفة أكثر من السياسة، وألف كتبا عن الكفاح الفلسطيني. ومع تغير طبيعة السياسة والحكم في فلسطين، تغير هو الآخر.

وقد تم إنشاء السلطة الوطنية بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل كهيئة انتقالية لمدة خمسة أعوام حتى يتم الاتفاق على الحل النهائي. ولم يتم التوصل لهذا الحل حتى الآن. وشهدت المناطق الفلسطينية انتفاضة ثانية حيث انتُخب عباس كرئيس لمدة أربعة أعوام، لكنه لا يزال في الحكم. وظهرت في عهده طبقة فاسدة وقمعية وعاجزة منشغلة بخلافاتها الداخلية حول من يخلف الرئيس البالغ من العمر 85 عاما.

إلا أن نظام عباس يحظى بدعم الدول المانحة وإسرائيل التي ترى فيه بديلا مفضلا عن حركة حماس المسلحة التي تسيطر على غزة، وتخشى من فراغ السلطة لو انهار النظام الحاكم في الضفة.

وقال ناشط حقوقي في رام الله: “بصراحة، وصلنا إلى نقطة أصبح فيها لدى زملائي قضايا أكثر مما نفعل. في الوقت الحالي يخشى الناس انتقاد السلطة أكثر من انتقادهم لحماس”. ولم يكن بنات واحدا منهم؛ لأنه كان غاضبا على السلطة التي اعتبر أنها تقوم ببيع القضية الفلسطينية لتحقيق منافع شخصية. ونتيجة لنقده أصبح لديه أكثر من 100 ألف متابع على صفحته في فيسبوك، والتي كان ينشر عليها فيديوهات ينتقد فيها أفعال المؤسسة الفلسطينية”.

واعتُقل الناشط عدة مرات بناء على القانون التعسفي “قانون الجريمة الإلكترونية” ووجهت له اتهامات مثل الخيانة والتحريض. وكان سليط اللسان، حيث قال في فيديو إنه مستعد لقبول حكم قاض استطاع التفوق على علامته 94% التي حققها في امتحان نقابة المحامين. وكان لدى بنات الكثير من الأمل بحصول تغيير في عام 2021 عندما أعلنت السلطة في محاولة منها التملق لإدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، عن انتخابات برلمانية ورئاسية. وخطّط لأن يخوض الانتخابات على رأس قائمة الحرية والكرامة.

وقال الناشط الشاب في رام الله، عيسى الخطيب: “مثّل نزار آمال جيل كامل، كنا نعرف أن الانتخابات لن تحل كل شيء، ولكنها نقطة بداية لإعادة الشرعية في النظام السياسي”، مضيفا: “لقد أساءت فتح الحسابات، وعندما اكتشفت أنها ستخسر لصالح حماس، ألغت الانتخابات مما رفع وتيرة الأوضاع”. وكان بنات من أعلى الأصوات نقدا للقرار، وحصل الهجوم على بيته من ملثمين أثناء نوم أولاده.

وقال عيسى عمرو، صديق نزار: “طالما كنت جاهزا للمساعدة وحذّرته طالبا منه تخفيف نبرته، فقد حصل لي نفس الشيء، استهداف العائلة وتهديدات بالقتل”. إلا أن نزار زاد من وتيرة الهجوم بدلا من التخفي. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على السلطة الوطنية بسبب إلغاء الانتخابات، وانتقد الصفقة الفاشلة بين السلطة وإسرائيل لتقديم لقاحات كوفيد-19.

وقال عمرو: “منطقة أتش2 كانت آمنة، ولكن السلطة نسقت مع إسرائيل حتى تدخل قواتها”. وأضاف: “تظهر وفاته وبشكل واضح أن الفلسطينيين يعانون من اضطهادين: إسرائيل والسلطة. فالسلطة الفلسطينية هي دمية وسلطة بدون سلطة. وحتى هذا، أمرٌ يصعب علينا قوله بصوت عال لأن هذا يعني أن إسرائيل ستقول: ليس لدينا شريك حقيقي للسلام”. وفي النهاية اعتذرت السلطة الوطنية عن مقتل بنات، لكن التظاهرات في الضفة الغربية استمرت مطالبة بتحقيق مستقل في ظروف وفاته ليواجه المتظاهرون القمع والعنف والاعتقال.

وتم اعتقال 30 ناشطا في منظمات المجتمع المدني نهاية الأسبوع الماضي، من بينهم فادي قرعان وأعضاء نقابات عمالية وسجناء سياسيون سابقون وصحافيون وشعراء وأساتذة جامعات. ووُجهت تهم لبعضهم بالمشاركة في تجمعات غير قانونية، وتحدث بعضهم عن ظروف صحية سيئة ومهينة.

وقالت محامية: “إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليك واعتقالك لا يؤذي مثل اعتداء أهلك عليك”، وزعمت أنه تم الاعتداء عليها جنسيا، وقالت إنها منعت ضابطا أخذ فتاة شابة من زنزانة الاعتقال. وأضافت إنهم “يعذبون الرجال نفسيا قبل الإفراج عنهم، ويطلقون علينا وصف العاهرات ويسرقون الصور من هواتفنا وكل واحد هو هدف، ولكنهم يريدون إخافة النساء حتى لا يخرجن من بيوتهن”.

ويزداد الغضب العام على السلطة، ولكن بدلا من الاعتراف بالخطأ، زادت قوات الأمن من قمعها. ومع أن السلطة في حالة ضعف، وهو ما يعطي المعارضين أملا، ولكن بثمن. ويقول قرعان: “دفع نزار ثمنا باهظها وسيدفعه الكثيرون منا في المستقبل. ولكن نحن مستعدون لهذا”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى