الكويت

الكويت.. انقسام برلماني وسط مخاوف من تفريغ محتوى الدستور

يسود انقسام برلماني ومخاوف على الدستور منذ أن أُحيل، الثلاثاء، طلب استجواب لرئيس الوزراء الكويتي، جابر المبارك الصباح، إلى اللجنة التشريعية بمجلس الأمة (البرلمان).

تلك المخاوف تتركز على تفريغ الدستور من محتواه ووأد أداة محاسبية برلمانية (الاستجواب) عمرها أكثر من 55 عاماً، في البلد الخليجي الوحيد الذي ينتخب برلمانه ديمقراطيا.

ووافق 41 نائباً على طلب رئيس الوزراء إحالة الاستجواب، المقدم من النائب شعيب المويزري، إلى اللجنة التشريعية.

ومن بين الموافقين وزراء الحكومة، الذين يتمتعون أيضا بعضوية البرلمان استناداً إلى مناصبهم الوزارية، بينما رفض الطلب 20 عضواً، وامتنع اثنان عن التصويت.

وتقدم المويزري بطلب الاستجواب، في 12 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، في محور واحد أسماه: “فشل وزارات الدولة في إدارة الكوارث ومواجهة الأزمات”.

وقدم هذا الطلب على خلفية السيول التي شهدتها شوارع في الكويت ومصرع شخص؛ جراء أمطار غزيرة مؤخراً.

وهذا هو طلب الاستجواب الثامن للصباح، خلال رئاسته سبع حكومات، والثالث له منذ تشكيل الحكومة الحالية، في ديسمبر/ كانون أول الماضي.

وإجمالاً، هذا هو طلب الاستجواب الـ95 في تاريخ الحياة البرلمانية، التي بدأت في الكويت، عام 1963.

“مسلوب الإرادة”

وفقاً للخبير الدستوري، الدكتور محمد المقاطع، فإن موضوع “الاستجواب الموجه إلى رئيس الوزراء في صميم اختصاصه الدستوري، وفقًا للمواد 123 و128 و130 من الدستور”.

وأضاف المقاطع أن “التصويت بإحالته إلى اللجنة التشريعية هو إفراغ للدستور من محتواه.. قرار الإحالة وأد للاستجواب وانحراف في الممارسة وتخلٍ من النواب عن قسمهم”.

وتابع: “مستشارو الحكومة والمجلس يأتمرون بما يطلب منهم بكل أسف”.

واستطرد: “التاريخ يعيد نفسه: توجد محاولات يقودها سياسيون وأقطاب برلمانية لترسيخ ممارسات تنقح الدستور واقعياً، بتعطيل نصوص الاستجواب والحصانة البرلمانية واستقلالية المجلس”.

كما تنصب هذه المحاولات، بحسب المقاطع، على “السماح بتصويت الحكومة بأمور محظورة كالإحالة إلى اللجنة التشريعية، وتصويت نواب هم بدائرة تعارض المصالح”.

ووصف مجلس الأمة بأنه “مسلوب الإرادة”.

“مثالب قانونية”

أمام البرلمان، قال رئيس الوزراء إن “هذا الاستجواب مخالف للضوابط والأحكام ولتوجيهات رئيس السلطات الثلاث، سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح”.

وأضاف المبارك، في كلمة له: “ما أحوجنا إلى وقف الانحراف في ممارستنا النيابية، وتصويب مسارها لصيانة نظامنا الديمقراطي”.

بينما عزا وزير العدل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، المستشار د. فهد العفاسي، طلب الصباح إحالة الاستجواب إلى اللجنة إلى “احتواء صحيفة الاستجواب على مثالب قانونية”.

وأوضح العفاسي، في تصريحات صحفية، أن الاستجواب به “جانب تنفيذي كبير واضح لا يدخل في اختصاص سمو رئيس مجلس الوزراء، بل في اختصاص الوزراء المعنيين بذلك”.

انقسام برلماني

وأثارت الإحالة انتقادات من جانب نواب اتهم بعضهم الحكومة بالهيمنة على مجلس الأمة، بينما دافع آخرون عن خطوة الإحالة.

وقال النائب رياض العدساني إن إحالة الاستجواب إلى اللجنة التشريعية هو “عبث دستوري، فلا يوجد نص واحد يتيح للحكومة التصويت على الإحالة”.

وأضاف العدساني، في كلمة عارض فيها الإحالة، أن “الحل هو صعود الرئيس (رئيس الحكومة) إلى المنصة لبيان المحاور غير الدستورية”.

ووصف التصويت بأنه “هيمنة من الحكومة على سلطة أخرى، حيث تمتلك 16 صوتاً”.

بينما قال النائب محمد الحريص إن “الإحالة تأتي لفحص توافر الشبهة في هذا الاستجواب من عدمها”.

وأردف مؤيداً خطوة الإحالة إن “مشكلة الأمطار من اختصاص الوزراء لا الرئيس”.

لكن النائب د. عبد الكريم الكندري (معارض) راد بأن “كل القرارات أثناء أزمة الأمطار كانت بناء على توجيهات رئيس الوزراء”.

وتساءل الكندري مستنكراً: “كيف لا يكون مسؤولًا عن هذا الاستجواب؟”.

استقالة 7 حكومات

منذ بداية 2018 تم تقديم سبع استجوابات، اثنان بحق وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، عادل الخرافي، ومثلهما لوزيرة الشؤون الاجتماعية، هند الصبيح.

وكذلك استجوابان بحق رئيس الحكومة، وسابع بحق وزير النفط والكهرباء والماء، بخيت الرشيدي.

وانتهت كل هذه الاستجوابات بتوصيات أو الاكتفاء بالمناقشة.

وتسببت الاستجوابات البرلمانية بالكويت في استقالة سبع حكومات منذ عام 2001، وأحدثها الحكومة الأخيرة، برئاسة رئيس الوزراء الحالي، في 30 أكتوبر/ تشرين أول 2017.

وجاءت الاستقالة إثر تقدم عشرة نواب بطلب لطرح الثقة في وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وزير الإعلام بالوكالة، الشيخ محمد عبدالله المبارك، عقب جلسة استجواب للوزير.

وأطاح استجواب، العام الماضي، بوزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب الأسبق، الشيخ سلمان الحمود الصباح.

أحكام الاستجواب

وقال الخبير الدستوري، د. محمد الفيلي، إن “الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة يتضمنان أحكاماً لضبط الاستجواب”.

وأوضح أن الأحكام تنص على أن “الاستجواب حق لكل عضو بمجلس الامة ولا يجوز أن يتقدم به أكثر من ثلاثة أعضاء، كي لا ينبني الاستجواب على تكتيل سابق عليه”.

وأضاف أن “الاستجواب لا يوجه إلا إلى وزير واحد أو إلى رئيس مجلس الوزراء”.

وكذلك أن تكون واقعة الاستجواب أو وقائعه محددة، وتدخل في اختصاص الوزير المستجوب أو في اختصاص رئيس مجلس الوزراء.

وأوضح أن الاستجواب يقدم لرئيس المجلس كتابةً، وتبين فيه بإيجاز الموضوعات التي يتناولها، ولا يتضمن عبارات غير لائقة أو تمس بكرامة الأشخاص أو المصلحة العليا للبلاد.

وتابع الفيلي أن توقيت الاستجواب لا يجوز أن يكون مفاجأة للمستجوب، ولذلك تقرر المادة 135 من اللائحة الداخلية وجوب إطلاعه عليه قبل إدراجه على جدول الأعمال، ثم سماع أقواله لتحديد موعد المناقشة.

وشدد على أن “الاستجواب أداة من أدوات الرقابة البرلمانية، وإذا كان تقديمه حقاً مقرراً لأي عضو من أعضاء البرلمان، فهذا لايعني جواز تقديمه بالمخالفة للقواعد المقررة له”.

وأضاف: “لما كان البرلمان مسؤولاً عن سلامة تطبيق القواعد القانونية المنظمة لعمله، فهو مختص بفحص مدى سلامة الاستجواب من الناحية القانونية”.

واستدرك بالقول إن “الاستجواب حق مقرر في الدستور لكل عضو بمجلس الأمة ولا يجوز أن يكون الهدف من فحصه هو تعويق تقديمه”.

وأوضح الفيلي أن “اختصاص المجلس هو فحص مشروعية الاستجواب، وليس تقرير ملاءمته”.

قرار اللجنة التشريعية

رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، قال من جانبه، في تصريح صحفي، إن “اللجنة التشريعية ستقدم تقريرها حول دستورية هذا الاستجواب من عدمه، ثم يُرفع إلى المجلس ليتخذ قراره”.

ويرجح مراقبون أن يخلص تقرير اللجنة إلى عدم دستورية الاستجواب، لكون أعضائها يُحسبون على الحكومة، ويرى المراقبون أن التصويت سيجهض الاستجواب قياساً بالتصويت على الإحالة إلى اللجنة.

ويعتبر البرلمان الكويتي الوحيد المنتخب من الشعب في دول الخليج العربي الست (الكويت، السعودية، قطر، سلطنة عمان، الإمارات والبحرين).

ولأسباب متنوعة، بينها نزاعات بين مجلس الأمة والحكومة، حل أمير الكويت المجلس عشر مرات.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى