رياضة تريند

في خضم أزمة ريال مدريد… من يستحق الطرد لوبيتيغي أم بيريز؟

سبحان مُغير الأحوال من حال إلى حال، فبعد أشهر قليلة من وصول ريال مدريد لقمة المجد الكروي، بالاحتفاظ بكأسه المُفضلة في كل العصور دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي والثالثة عشرة في تاريخه، تبدلت أوضاعه من النقيض إلى النقيض 180 درجة، كما وضح من خلال أداء اللاعبين قبل سلسلة النتائج المُحبطة والمُخيبة لآمال جماهيره، بما فيها الفوز الباهت جدا، الذي تحقق مساء الثلاثاء الماضي على حساب ضيفه “الخفيف” فيكتوريا بلزن 2/1 في إطار منافسات الجولة الثالثة لدوري الأبطال.

جنت على نفسها براقش

هذا ما فعله المدرب جولين لوبيتيغي في نفسه، فبعد نجاح فلسفته مع المنتخب الإسباني، والإشارة إلى فلسفة الاستحواذ ونقل الكرة بتمريرات قصيرة بين الخطوط، ذاك الأسلوب الإسباني الحديث المعروف باسم “تيكي تاكا”، اعتقد أنه سينجح في مغامرته مع النادي الملكي، لكنه اصطدم بواقع أقل ما يُقال عنه “مريرا”، رغم أنه يملك ما يكفي من المواهب لتطبيق “التيكي تاكا” بشكل مثالي، نتحدث عن “مَعلمين”، بالعامية المصرية، في وسط الملعب والثلث الأخير من الملعب، بكفاءات متمثلة في أفضل لاعب في العالم لوكا مودريتش، وبطل العالم السابق توني كروس، وأمامهما الحاوي إيسكو، ناهيك عن صاروخين على الأطراف مارسيلو وداني كاربخال، حتى رأس الحربة كريم بنزيمة، بعيدا عن رعونته أمام المرمى، فلا شك أبدا في قدراته وإمكانياته على الأرض، فيما يَخص مهارة الاستلام والتسليم والتحرك بامتياز بالكرة وبدونها والحل الفردي بالمراوغة في مواقف لاعب ضد لاعب، فلماذا إذن لم تنجح طريقته مع الفريق حتى هذه اللحظة؟ وعلى ما يبدو أنها لن تنجح حتى لو استمر لنهاية الموسم! هذا ليس لغزا أو تقليلاً من شأن لوبيتيغي أو من قدراته الفنية، لكن مشكلته الوحيدة، أنه لم يتعلم ممن سبقوه في “المهنة”، هؤلاء “الخبثاء كرويا”، الذين لا يعبثون كثيرا عند استلام مهمة فريق مُتمرس على طريقة وأسلوب مُعين منذ سنوات، ولنا في أمير الدهاء ماسيميليانو أليغري نموذج، حين تسلم مهمة قيادة يوفنتوس خلفا لابن جلدته أنطونيو كونتي، قبل بداية موسم 2014-2015 بأقل من 3 أسابيع.

ماذا فعل الإيطالي الماكر؟

أقل ما يُمكن قوله أنه أبقى سيدة إيطاليا العجوز على وضعها، باختصار شديد لم يتفلسف، بدون مبالغة، بدا وكأنه تنازل في حق نفسه، باستنساخ طريقة كونتي وتطبيقها بالحرف على أرض الملعب في بداية رحلته مع عملاق إيطاليا، حتى من شاهد مبارياته الأولى ولا يعرف أن كونتي ترك منصبه، لن يشعر باختلاف كبير بين اليوفي في بداية موسم 2014-2015 والمواسم الثلاثة التي سبقته، وهذا لأن أليغري يفهم قواعد اللعبة، ويعرف أنه مهما فعل أو بذل مجهودا، لن يستطيع إقناع اللاعبين المتشبعين بأفكار مدرب آخر على مدار 3 سنوات، لكن بمجرد أن لمس ثقة اللاعبين، أدخل أفكاره بشكل تدريجي، إلى أن أصبح قادرا على إقناع اللاعبين بتطبيق طريقتين أو ثلاثة بنفس الكفاءة في مباراة واحدة، ثم الشكل المُرعب الذي يظهر عليه في آخر عامين، أما لوبيتيغي، يُمكن القول “أخذته الشجاعة” بالتعّجل في فرض أسلوبه، المختلف تماما عن سلفه زين الدين زيدان، وهذا تقريبا أوضح وأبرز مؤشر، لعدم قدرته على التعامل “نفسيا” مع اللاعبين، مثل المثل الذي نتحدث عنه أليغري. صحيح لوبيتيغي تخطى الخمسين من عمره، لكن دعونا لا ننسى أن نجاحاته الحقيقية اقتصرت على عمله في قطاع الشباب والمنتخبات، أشبه بالمدرب الأكاديمي الذي يُجيد بعيدا عن الضغط، ونعرف أنه فشل فشلاً ذريعا في تجاربه مع الأندية، سواء مع رايو فاييكانو أو بورتو، والكارثي أنه مع عملاق البرتغال، كان عراّب أغلى ميركاتو في تاريخ النادي، والمحصلة النهائية صفر كبير، اللهم إلا نجاحه الأخير مع منتخب إسبانيا، بتفادي الهزيمة طوال مسيرته مع “لا روخا”، فما بالك عندما يتحمل مسؤولية أشهر فريق كرة قدم في العالم؟ طبيعي أن تكون العواقب وخيمة، دعك من النتائج. أحيانا تواجه سوء حظ أمام المرمى، لكن ماذا عن الأداء غير المُقنع الذي دفع الجماهير لإطلاق صافرات الاستهجان في نهاية سهرة الثلاثاء، لا يُصدقون أن فريقهم يُعاني كل هذه المعاناة، لاستعادة نغمة الانتصارات الغائبة منذ أكثر من شهر، أمام أضعف فرق المجموعة، أو كما يقولون عنه “حصالة المجموعة”.

الـ18 مليون يورو

على المستوى الشخصي، أميل بعض الشيء للروايات المُنتشرة في بعض الصحف الإسبانية الكبرى، وتحديدا رواية الذراع الإعلامي الأيمن لفلورنتينو بيريز، أنه لم يَعثر بعد على البديل المثالي القادر على إنقاذ الموسم قبل فوات الأوان، وهناك من يتحدث عن أزمة الـ18 مليون يورو، التي سيُحولها بيريز الى حساب لوبيتيغي فور إعلان إقالة الأخير، بموجب العقد، الذي يُلزم الطرف المتضرر بدفع أجر المدة المتبقية على العقد الممتد لعام 2021، وهي رواية تبدو مُقنعة ومتماشية مع سياسة التقشف التي يتبعها الرئيس منذ أكثر من 4 سنوات، وبغض النظر عن أسباب تأخر الإقالة حتى الآن، فالشاهد أن بيريز يجني ثمار أفكاره التي باتت متحجرة ولا تتناسب مع ما يجري الآن في عالم كرة القدم، يحتاج أن يستوعب لماذا أنفق مانشستر سيتي أكثر من ربع مليار يورو، لبناء فريق للمستقبل بعد انتهاء الجيل الذي وضع حجر أساس مشروع منصور آل نهيان في الجزء السماوي لمانشستر، ونفس الأمر فعله وما زال يفعله الطموح ناصر الخليفي، الذي سيجني ثمار تبعه عاجلاً او آجلاً، تشعر وكأن الزمن توقف مع بيريز عند رقم 80 مليون يورو، ذاك الرقم الذي لم يكسره سوى مرة واحدة مع غاريث بيل. أتساءل دائما: هل لا يعرف أن قيمة اليورو انخفضت في السنوات الماضية؟ بالتأكيد يفوقني بمئات وملايين المرات، على الأقل هو رجل أعمال ملياردير! في الحقيقة سؤال لا أجد له إجابة، سوى أن مقولة “النجوم وأباطرة العالم وُلدوا ليرتدوا قميص ريال مدريد” باتت من الماضي ولن تعود أبدا، طالما مؤسسها لم يفسح المجال لمن هو قادر على تطبيقها في الوقت الحالي. لا يُراودني الشك أبدا أن بيريز ليس مسؤولاً عن الانكسارات والنتائج المتواضعة الأخيرة، لأنها أتت أمام خصوم من السهل جدا تجاوزهم بالبدلاء، لكن أين هي دكة البدلاء؟ الدكة التي قتلها إكلينيكيا بتخليه عن ألفارو موراتا ودانيلو وخاميس رودريغيز العام الماضي، وأكملها بإعارة ماتيو كوفاسيتش وبيع الهداف الأسطوري كريستيانو رونالدو، لعدم التوصل إلى اتفاق حول الأمور المادية المتعلقة بالراتب السنوي، وصمة عار ستبقى في التاريخ أمام الجماهير، هل تعتقد عزيزي المدريدي أن برشلونة يُمكن أن يُفرط في ميسي بسبب المال؟ الإجابة قاسية أليس كذلك؟

انت معلم

أثبت العبقري زين الدين زيدان، أنه اتخذ القرار المناسب في الوقت المثالي، فبعد أكثر من عقد من الزمان على قراره بتعليق حذائه وهو في أوج عطائه، بحجة أنه بدأ يشعر أن جسده لم يَعد قادرا على تلبية أو استيعاب قدراته العقلية، فعلها مُجددا، بالانسحاب من السفينة قبل أن تأتي لحظة الطوفان، أتصور أنه كان على علم بأن كريستيانو قرر الرحيل، أو على الأقل، قرأ سيناريو المفاوضات مُبكرا، وفهم أن الرئيس لن يوافق على شروط جورج مينديز المادية، هذا بجانب توقعه صدام الاختلاف على الصفقات الجديدة. زيدان لا يُستهان بصلعته البيضاء، فإذا كان لكرة القدم علماء، فهو على الأقل واحد من أفضل 10 مروا على اللعبة كلاعب وكمدرب، وبالتأكيد كان يعرف أن مشروعه قد انتهى، وبالكاد يحتاج 10 لاعبين آخرين بجانب رونالدو، لإعادة شحن البطارية، قبل أي شيء هو لاعب كرة قدم استثنائي في التاريخ الحديث، ويعرف ما يدور في ذهن اللاعبين بعد الوصول لقمة التشبع الكروي، قد يكون أدرك أنها لحظة نهايته مع هذا الجيل، أو رفض تقمص دور الجلاد، ليكون صاحب قرار تجديد الدماء، بالتخلص ممن ساعدوه على إنجازه الأوروبي، وهذا يبدو مستبعدا، لاستحالة موافقة بيريز على قائمة الطلبات، التي قيل أن محمد صلاح كان في مقدمتها، وما زاد الطين بلة بعد زيدان، الجريمة الكروية التي ارتكبها الرئيس، بعدم ضم ولو مهاجم رأس حربة قادر على تسجيل نصف عدد الأهداف التي كان يُسجلها رونالدو على مدار السنوات التسع الماضية، في نفس التوقيت، لم يكن للوبيتيغي أي رأي في هذه القصة، فقد بارك صفقات أنصاف النجوم، على طريقة “مشي حالك”، وكأنه يملك عصا سحرية لإبقاء الوضع كما هو عليه بعد زيدان ورونالدو، والأثقل من ذلك العمل مع لاعبين بالكاد لا يرغبون في الذهاب للتدريبات الصباحية بعدما حققوا كل شيء في حقبة زيزو، وبعد هذا الاستعراض، ترى عزيزي القارئ من المسؤول عن وصول ريال مدريد لهذه الحالة… الرئيس أم المدرب؟ من يستحق ترك منصبه؟

الحقيقة الواقعة

أعتقد أن الأغلبية ستُلقي اللوم على الرئيس أكثر من المدرب المغلوب على أمره، والذي لم يكن من الأساس الاختيار الأول، استنادا لما كان يتردد عن رغبة بيريز في التعاقد مع مدرب توتنهام ماوريسيو بوشيتينو كخيار أول بعد زيدان، ثم الثنائي الإيطالي ماسيميليانو أليغري وأنطونيو كونتي، لكن دعونا ننظر إلى الأمور بواقعية، تابعنا بعد الفوز الشبيه بالولادة المتعثرة أمام بلزن، التصريحات التي أدلى بها مدير العلاقات المؤسسية إيميليو بوتراغينو، بشأن مستقبل لوبيتيغي، للمرة الثانية في غضون 10 أيام، أكد أن المدرب باقٍ في مستقبله، لكن المرة الأخيرة، أعطى مؤشر لإمكانية حدوث أي شيء آخر بعد الكلاسيكو بقوله “لوبيتيغي سيكون حاضرا في كامب نو”، والسؤال ماذا بعد العودة من معقل الأعداء، هل سيبقى في منصبه؟ هناك شك كبير، حتى لو حالفه الحظ وتمكن من تحقيق نتيجة إيجابية أو فوز، ستبقى فرصه في البقاء محدودة وضئيلة للغاية، إلا إذا حدثت معجزة، وظهر ريال مدريد بشكل مغاير أمام البرسا واستمر على النسق ذاته قبل عطلة الفيفا المقبلة، وكما علمتنا كرة القدم لا يوجد أي شيء مُستحيل. وارد أن تحدث استفاقة وتعود الأمور إلى نصابها الصحيح في الفترة المقبلة، ووارد كذلك أن تستمر المعاناة، وفي حالة استمرت، وهو المتوقع بحسب المعطيات والمؤشرات التي لا تعكس أي تقدم ولو ملحوظ مع الفريق مع لوبيتيغي، ففي الغالب سيكون كبش الفداء، وواقعيا، لن يجد بيريز أفضل من أنطونيو كونتي في الوقت الراهن، بعيدا عن تفرغه عن العمل منذ إقالته التعسفية من تدريب تشلسي قبل بداية الموسم، فهو تقريبا الشخص المناسب لهذه المهمة في الوقت الحالي، لو عُدنا بالذاكرة إلى الوراء، سنتذكر ما فعله مع يوفنتوس عام 2011، آنذاك تسلم فريقا هشا ومُفككا، ومع الوقت، أعاده للصورة التي كان عليها قبل فضيحة “الكالتشيو بولي”، وحقق النجاح ذاته مع تشلسي، فبعد وصول البلوز لمرحلة الانهيار والفشل الكروي في موسم 2015-2016، الذي أنهاه الفريق في منتصف الجدول وخرج منه بلا ألقاب، أعاده سريعا إلى المنافسة، وفاز معه بالبريميرليغ في موسمه الأول في بلاد الضباب، هذا ولم نتحدث عن بصمته مع منتخب إيطاليا، لكن العقبة الوحيدة، تكمن في رغبة كونتي نفسه، في الاسترخاء حتى نهاية الموسم، منها يبتعد عن ضغوط العمل ومنها أيضا تنفيذ مُخططه ليحصل على راتب عام من تشلسي، بموجب العقد المُبرم بينهما، بعد إقالته قبل موسم كامل من انتهاء عقده.

اقتراحات أخرى + مال

هناك أنباء تتحدث عن إمكانية تولي ابن النادي غوتي المهمة بشكل مؤقت لنهاية الموسم، على أمل أن يسير على خطى زين الدين زيدان، وهي فكرة محفوفة بالمخاطر، لحاجة هؤلاء النجوم لمدرب كبير، يملك كاريزما لا تقل عن زيدان، وقبل أي شيء، يكون من النوع القادر على التعامل مع اللاعبين نفسيا، ولديه شفرة لتجديد طموحهم، والأمثلة المتاحة على الساحة في الوقت الحالي (منتصف الموسم) تُعد على أصابع اليد الواحدة، حتى المدرب السابق جوزيه مورينيو، قطع الطريق بتأكيد تمسكه بالبقاء مع مانشستر يونايتد لما هو أبعد من نهاية عقده، فمن المتاح يا ترى؟ ليوناردو جارديم بعد إقالته من موناكو، هو مناسب لسياسة بيريز الحالية، بتفريغ نجوم للمستقبل، كما فعل ببناء الفريق المُذهل الذي كان يضم في الأمس القريب كيليان مبابي وليمار وباكايوكو وبنجامين ميندي وفابينيو بجانب فالكاو وبعض من احتفظ بهم النادي، بقية الأسماء التي يتحدث عنها الإعلام مثل مايكل لاودروب وآخرون مرتبطون بعقود كالمدرب السابق كارلو أنشيلوتي ومدرب ألمانيا المُحتمل رحيله يواكيم لوف، وقد يكون بيريز يُفكر في اسم آخر، لكن أيا كان الاسم المُحتمل بعد لوبيتيغي أو حتى استمر، فهذا لا يمنع حقيقة ثابتة، أن الريال بحاجة لدماء جديدة عاجلاً وليس آجلاً، حتى لو اضطر للتعاقد مع حلول مُسكنة، باستعارة زلاتان إبراهيموفيتش في النصف الثاني من الموسم، للاستفادة منه ولو لمدة نصف ساعة في كل مباراة، إن لم يُجبر كريم بنزيمة على الوقوف على أطراف أصابعه، فأهدافه في الدقائق القليلة مضمونة 100%، بدلاً من العمق التهديفي، الذي أسفر عن 3 أهداف في 6 مباريات، منها هدفان للظهير الأيسر مارسيلو مقابل هدف للمهاجم الصريح بنزيمة، كذلك يحتاج الريال لقلب دفاع من الطراز العالمي، لإشعال المنافسة بين راموس وفاران في قلب الدفاع، وبمعنى أدق، للضغط على فاران بالذات بعد تراجع مستواه بشكل صادم، تماما كما كان يرتكب العديد من الكوارث في بداية الموسم الماضي على مستوى الليغا، فضلاً عن ضرورة دعم الوسط بلاعب قادر على تنفيذ دور كوفاسيتش قبل إعارته لتشلسي، ولاعب يُحرك المياه الراكدة بين الثلاثي مودريتش وكروس وكاسيميرو، وجناح مهاجم يزيد التنافس مع بيل. باختصار، العناصر الحالية بدون قوة الدفع رونالدو، لن تصمد لنهاية الموسم ولن تقدر على تحقيق طموحات الجماهير، هم (اللاعبون) أشبه بالمقاتلين الذين اُستنفدوا جسديا ونفد سلاحهم، فهل سيأتي الدعم في الشتاء بثلاث صفقات بحد أدنى؟ أم سيتركهم يواجهون المجهول؟ دعونا ننتظر.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى