العرب تريند

الأردن بعد وفاة 21 شخصا غرقا: البرلمان يتحفز لإسقاط…

يؤسس عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني لجولة «قاسية جدا» من التحقيقات في كارثة «البحر الميت»، عندما يعبر عن تساوي «حزنه مع غضبه» الشخصي جراء ما حصل.

الملك وفي تغريده مثيرة وتؤشر إلى «حساب سياسي وبيرقراطي» عسير ومتوقع، قد تطير فيه عدة رؤوس، أعلن أنه «حزين للغاية»، لكنه أيضا «غاضب جدا» من مظاهر «التقصير» التي كان يمكنها أن تحول دون هذا الحجم من الضحايا.
بوضوح الموقف الملكي هنا وسياسيا على الأقل يرفض مسبقا شراء رواية «عدم وجود تقصير».
وبالنتيجة يلفت نظر رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بأن المؤسسة الملكية قد لا تقبل روايته عن مسار الأحداث والتي يطلقها للعنان وزير التربية والتعليم، وتقول باختصار إن فاجعة البحر الميت نتجت عن «خطأ إداري» تورطت فيه مدرسة خاصة.
على نحو غريب وغامض اندفع الرزاز ووزيره الدكتور عزمي محافظة لتبرير الحادث على أساس مخالفة حافلة مدرسية لتعليمات الوزارة بخصوص الرحلات المدرسية.
تلك الرواية تسقط تماما وقائع من بينها وجود «ضحايا» آخرين لا علاقة لهم بالحافلة المدرسية التي أوجعت الأردنيين، كما تسقط كل المتطلبات البيروقراطية المتعلقة بوضع الجسور والأشغال العامة وواجبات الأمن في منع وعزل مناطق انهيارات وتباطؤ عمليات الإغاثة وملحقات الموقف بيروقراطيا، عشية إعلان الرزاز نفسه قبل ليلة واحدة فقط من الحادث الأليم أن «الجاهزية» مكتملة لموسم الشتاء ولعاصفة مطرية في الطريق.
تؤشر التغريدة الملكية هنا بوضوح على كل تلك الحلقات التي تحاول الحكومة تجاهلها في واقعة «البحر الميت».
بالتالي يمكن مبكرا القول إن الموقف الملكي قد لا يقف عند حدود «الغضب والأسف» لأن حديث الملك مباشرة قبل الناس عن «تقصير إجرائي كان يمكن أن يحول دون الحادثة» مقدمة تهيىء لجولة عنيفة من الحساب والتحقيق، نهاياتها مفتوحة على كل الاحتمالات.
وقد اتضح ذلك لاحقا في اجتماع مجلس السياسات، حيث أمر الملك بوضع «تقرير» يحدد بدقة تفاصيل ما حدث بالضبط، والعمل بشفافية لتحديد من يتحمل المسؤولية، في صيغة تعني عمليا أن السلطات معنية بوضع المرجعيات بصورة التفاصيل وترسيم مظاهر التقصير.
عمليا لم يفسر الرزاز مبررات اندفاعه مع صديقه وزير التربية والتعليم وبسرعة، لتحميل إدارة المدرسة مسؤولية الحادث.
لكن المباشر الواضح أن القصر الملكي يقول ضمنيا إنه لا يريد الإصغاء إلى «تبريرات» بائسة من هذا النوع، ويقر قبل الحكومة والبرلمان والرأي العام، بوجود «تقصير إجرائي» أثار غضبا عند المرجعية الملكية يوازي الشعور بالأسف على الضحايا.
ذلك منعطف بيرقراطي وسياسي من الصعب نفاذ حكومة الرزاز منه خصوصا وان الفاجعة التي أدت لغرق نحو21 شخصا اغلبهم أطفال ونحو28 حسب بعض التوقعات السلبية ستثير عاصفة إعتراض مؤكدة في البرلمان ايضا.
كما ثبت أن رواية الحكومة الأولى لم تكن دقيقة بخصوص رخصة الرحلة المدرسية، عندما تعلق الأمر بتحديد الجهة التي سمحت للحافلة أن تتجه إليها في ظل عاصفة مطرية، حيث اعلنت الحكومة أن الرحلة كانت متجهة لمنطقة الأزرق الصحراوية وليس للبحر الميت، وتبين أن الاتجاه كان لسيل الأزرق في منطقة البحر الميت.
الأردنيون هنا في حالة «اكتشاف بيروقراطي» ضخم جدا في أثره السياسي، ويتمثل في أن «منظومة البنية التحتية» ومعها منظومة الإغاثة والإنقاذ والتوقع تخرج من سكة الخدمة والفعالية مع أول عاصفة مطرية كانت أصلا متوقعة.
مثل هذا الاكتشاف قد يبدل في قواعد لعبة النخب والطاقم الوزاري.
وقد بدأ مجلس النواب الاستعداد فعلا بدوره لجولة حساب عسيرة مع حكومة الرزاز، حيث الانفعالات في الشارع ستجد صداها بين النواب، وحيث جلسة عاصفة متوقعة الأحد قد تتخللها مشاريع لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية هذه المرة، ومذكرات مبكرة لحجب الثقة، واحدة عن الحكومة برمتها، وثانية عن وزير التربية والتعليم.
هذا الدخول الاضطراري على خط الحادثة المفجعة لنواب البرلمان يعني مسبقا وبعد انتقاد الملك للتقصير الإجرائي أن كل ملامح العمل البيروقراطي أصبحت قابلة للمراجعة، خصوصا وأن جاهزية المجلس الأعلى للدفاع المدني التي أعلنها الرزاز قبل ساعات من الحادثة سقطت فعلا في الاختبار بمواجهة «أول عاصفة مطرية» كانت اصلا متوقعة.
يعني ذلك الغرق في تحقيقات معمقة وموسعة والغوص في ملفات مفتوحة على كل الاحتمالات، من بينها «العطاءات» وأعمال المقاولات وما يحصل في وزارة الأشغال وضعف البنية الإدارية والمنظومة وكل الملحقات التي من الصعب ان «تنجو» منها وزارة الرزاز ببساطة، إلا اذا بادر الأخير وقاد بنفسه عملية المواجهة .
الأردن بهذا المعنى قبل حادثة البحر الميت على الصعيد النخبوي والتعليمي والبيروقراطي قد لا يعود كما كان، فمشهد الأطفال الغرقى تحديدا يثير في الوجدان الجمعي ما لا تستطيع اي شخصية رفيعة تجاوزه او تجاهله.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى