فنون

تعرف على قصة أول ديوان شعر سوداني مطبوع

في حركة الأدب السوداني الحديث الذي بدأ مطلع القرن العشرين مع دخول الإنجليز للسودان وبداية التعليم المدرسي الحديث، ومن ثم استخدام المطبعة، فإن أول ديوان شعري صدر مطبوعًا في كتاب، كان قد أصدره “سعد ميخائيل”، وقد ضم مجموعة أشعار لعدد من شعراء السودان، ونشر الكتاب في مطبعة رمسيس – القاهرة 1924.

ويشير الناقد السوداني الراحل عبدالهادي الصديق في كتابه “أصول الشعر السوداني” إلى هذا الكتاب، وأنه منذ صدوره لم تكف أقلام الأدباء عن تناوله كظاهرة على صفحات جريدة الحضارة السودانية وقتذاك.

أول مجموعة شعرية
وينقل عن الناقد والمؤرخ محمد عبد الرحيم قوله إن المقالات حول هذا الكتاب قد أصبحت “تحتاج في نفسها إلى نقد النقاد”، ما يعني أن هذا العمل الرائد فتح الباب إلى النقد الشعري الحديث لأول مرة في البلاد.

ويعتبر بالتالي “شعراء السودان” لسعد ميخائيل أول مجموعة شعرية سودانية، بصدوره في العشرينات من القرن العشرين، ويضم أشعارا لأشهر شعراء البلاد مرتبين بحروف الهجاء مع ترجمات لحياة كل منهم، حيث ضمّ الكتاب 37 شاعرًا مع نبذة عن حياة كل شاعر وصورة له.

من هو ميخائيل؟
بالنسبة لمؤلف الكتاب فهو من الأقباط المصريين القادمين للسودان والذين استقروا به، وحيث كان السودان في تلك الفترة مع بداية الحداثة محطة لاستقبال الجاليات من مصر والشام واليونان وغيرها من بلدان العالم.

وكان سعد ميخائيل يعمل موظفًا بالبريد بمدينة الخرطوم العاصمة، وله اهتمام بالشعر السوداني، ما دعاه إلى التفكير في المبادرة بهذا العمل الكبير الذي سجله له التاريخ، برغم أن كثيرًا من الأجيال اليوم لا تعرف ذلك.

لماذا تأليف الكتاب؟
في واقع الأمر فإن الكثير من تفاصيل الحداثة في السودان المتعلقة بالحراك الأدبي والنشر والطباعة والإبداع قام عليها وافدون من أقباط ويهود وغيرهم ممن قطنوا السودان وساهموا في الحياة السودانية بنشاط إيجابي، وتركوا بصماتهم بجدارة، وبعضهم صار سودانيًا واندغم في صميم المجتمع إلى اليوم عبر نسله وذريته.

ولسعد نفسه أشعار وهو القائل:
قالوا تعشقت من سوداننا أدبًا
ألفت منه كتابًا ذا أفانين
صرفت شطر حياتي في ربوعكم
فنلت ما شئت من عطف ومن لين

فهو يشير هنا إلى تأليفه هذا الكتاب المرجعي الهام، الذي يندر أن تجد له طبعة اليوم، وهي واحدة من مشكلات النشر في السودان، حيث قليل من الكتب القديمة يتوافر أو يعاد طباعته.

ويتكلم ميخائيل بوضوح هنا عن العطف والحفاوة التي وجدها من أهل السودان، ما جعله يتعلق بأشعارهم وشعرائهم، وحيث إن الشعر بوابة للروح والعطف الإنساني والتعلق فطريًا بالشعوب والأمم.

شعراء السودان
من الشعراء الذين كتب عنهم سعد ميخائيل في كتابه المرجعي، الشيخ حسين زهراء الذي يعتبر من أحد علماء وقضاة المهدية (1885 – 1898م) وكان قاضيًا وشاعرًا. وقد توفي في السجن بعد أن غضب عليه خليفة المهدي. وكان زهراء يمدح محمد أحمد المهدي الذي أشعل ثورة في البلاد أدت لطرد الأتراك منها.

كذلك من الشعراء المذكورين في الكتاب، الشاعر الأمين محمد الضرير، وكان قد تولى وظيفة رئاسة علماء السودان بأمر من الخديوي في مصر، إبان العهد التركي – المصري.

كذلك يمكن الإشارة لشعراء منهم، إبراهيم شريف الدولابي الكردفاني وهو أحد خريجي الأزهر الشريف، وأوردت له قصيدته يرثي فيها المهدي.

وأيضا أبو القاسم أحمد هاشم الذي كان يتولى وظيفة شيخ العلماء ويرجع له الفضل في ترقية المعهد العلمي بأم درمان.
كما لا يمكن نسيان إسماعيل عبد القادر الكردفاني، الذي يشار له بمؤرخ المهدية، وتولى الإفتاء في عهدها، وانتهى به المطاف منفيًا لخصومته مع الدولة.

كذلك أحمد محمد صالح، وهو خريج كلية غردون التذكارية التي سميت بجامعة الخرطوم لاحقًا، وكان يعمل معلمًا بمدرسة أم درمان الأميرية الوسطى، وأورد له ميخائيل قصيدة ألقاها بنادي الخريجين استقبالًا لعيد الأضحى.

وهناك الطيب السراج الذي يعتبر علمًا من أعلام اللغة العربية في السودان، وكان يعمل وقتها موظفًا بالحكومة.
ويلاحظ أن معظم هؤلاء الشعراء من عهد المهدية أو قبلها التركية، حيث ساهم التعليم في العهد التركي الخديوي (1821- 1885) على أن يأخذ البعض بالثقافة العربية وكتابة الشعر الفصيح، بخلاف الشعر العامي، وكان بعضهم قد درس في الأزهر بمصر.

المصدر
العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى