فنون

فنان عراقي رحّلوه إلى إسرائيل فبكى بغداد حتى مات!

لا تسقط من التاريخ الفني الأسماء التي ساهمت في بناء نهضته وإرساء قواعده في مرحلة من المراحل وإن حاول البعض تجاوزها عمداً أو سهواً، أو تغييبها عن المشهد بالقفز فوق السطور، كون الفنون وتحديداً الموسيقى تملك ذاكرة قوية ورائحة كالعطر تستدعي المشاهد في المخيلة دون الوقوع في حرج الوعي واللاوعي وعصية عن التصنيفات والانحناءات الضيقة.

وفي العراق تحديداً حيث سالت الدمعة على السلم الموسيقي واستوطنته، تغذى أبناء الرافدين على اللحن الحزين منذ حضارات سومر وبابل، وفي أعماق دجلة والفرات أرشفوا للتاريخ حكايات وأسراراً وشخوصاً تنعكس على السطح كلما حنّ النهران لها.

والكتابة عن تاريخ الأغنية العراقية الحديثة يستوجب الإشارة وليس الإيماء إلى مؤسسها الموسيقار صالح الكويتي (1908 – 1986) المولود في الكويت الذي عزف مقطوعاته الأولى في أواخر عشرينات القرن الماضي في البصرة، وأسس أول فرقة موسيقية للإذاعة عام 1936 بتكليف من الدولة، وعاش أرذل العمر في إسرائيل مكلوماً بعد أن تم تجريده من وطنه وتجيير فنه الأصلي إلى التراث، بعد قانون إسقاط الجنسية في العراق من اليهود عام 1951.

يقول ابنه سليمان الكويتي في أمسية استضافها منتدى الرافدين للثقافة والفنون: “أبي صالح الكويتي لحن بحياته أكثر من 750 أغنية، وأعطاها هدية للشعب العراقي”، كما أوضح أن والده عانى من معضلة تمثلت في حرمانه من وضع اسمه على الأعمال الغنائية في العراق، وعدم تقديره في المكان الجديد (إسرائيل). وأضاف بلكنة عربية مكسرة: “أبي طلع من العراق في الخمسينات بس العراق ما طلعت منه لآخر يوم”، وكان للموسيقار الكويتي 5 من الأبناء والبنات، 3 منهم من مواليد العراق، وعاش في إسرائيل يتجرع الحسرات على الماضي حتى أغمض عينيه.

وشكل الكويتي ثنائية فنية مع شقيقه عازف العود الماهر داوود الكويتي (1910 – 1976)، هذه الثنائية كانت عبارة عن ورشة لتقديم أعمال بالمقامات والموروث العراقي وأكثر المستفيدين من هذه المدرسة اللحنية الأصيلة كانت الفنانة سليمة مراد (1905 – 1974) التي حصلت على لقب “باشا”، ومن أشهر تلك الأغنيات (قلبك صخر جلمود) و(نبعة الريحان) و(سليمة)، ونجاحه مع سليمة كان محفزاً له لفتح أبوابه لجميع فناني تلك المرحلة، فغنت له زكية جورج (تذكر أيامي) و(قول آه)، في حين ذكر الكويتي بنفسه في حوار على موقع “يوتيوب” أنه صار يعطي كل فنان 10 مقطوعات لحنية في السنة، ومن اللافت أيضاً في مسيرته أنه كان يلحن الأناشيد للمدارس ويقيم الحفلات فيها ويتبرع بدخله لها، وذكر الكويتي في أحد حواراته أن كوكب الشرق أم كلثوم غنت (قلبك صخر جلمود) من ألحانه بعد زيارتها للعراق عام 1935، وأنه كان أول من عرّف الموسيقار محمد عبدالوهاب على مقام” اللامي” العراقي بعد لقائهما في بغداد عام 1932، وغنى عبدالوهاب بعد عودته لمصر “يلي زرعتوا البرتقال” على نفس المقام.

المصدر
العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى